القول بفصل السياسة عن الرياضة دليل على سياسة رياضية فاشلة
يُستنَج من خواطر الشيخ الشعراوي حول الآية 13 من سورة الحجرات التي يقول فيها الله جل جلاله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ بأن عملية التعارف تشمل جميع البشر على اختلاف معتقداتهم وأزمنتهم وأمكنة تواجدهم، لأن الخطاب موجه للناس جميعا، وأنها ضرورية لتلبية احتياجات البعض لدى البعض الآخر، بحيث يُضطر المفتقِر إلى حاجة معينة إلى استيرادها ممن يملك منها ما يفوق حاجته، علما أن الله سبحانه وتعالى وزَّع أسباب الفضل في الخلق بكيفية متكاملة، حتى تتكامل الاحتياجات فيما بينهم، مما يجعل من ربط العلاقات بين البشر إن على مستوى الأفراد، أو على مستوى الدول والأمم، أمرا حيويا لا يمكن الاستغناء عنه. مما يضطر معه كل طرف من الأطراف المنخرطة في هذه العلاقات، إلى نهج السياسة التي تُلبِّي احتياجاته، وهو ما يدفع بكل طرف إلى اشتراط شروط على الطرف الآخر، بحيث تكون النتيجة إما عدل وتوازن في تلبية احتياجات الطرفين، وإما استفرادٌ لأحدهما بالآخر، وترجيح الكفة لصالحه، على غرار ما هو حاصل بين الدول المتقدمة ودول العالم الثالث على سبيل المثال لا الحصر. ومن هذا المنطلق أتصور أنه من البداهة أن تَحضُر السياسة كلما وُجدت علاقةُ تبادلٍ للمصالح بين طرفين، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالعلاقات بين الدول والحكومات، مع اختلافٍ في طبيعة وقوة القرارات السياسة التي ينتهجها كل طرف من الأطراف المعنية، في علاقة مع الأهداف المرجوة منها ومع الإمكانات المخصصة لتفعيلها، من قبيل مراكز الدراسات والمخابرات...
وبناء على ما سبق، يبدو أن نجاح أو فشل مسؤولو بلد معين في مجال من المجالات المختلفة، إن على المستوى الداخلي أو الخارجي، إنما هو ناتج بالأساس عن نجاح أو فشل السياسة المعتمدة لترقية هذا المجال أو ذاك، ومدى صمودها أمام التحديات التي تواجه تنفيذها، ومن ثم فإن تبرير فشل أحد طرفي العلاقة في بلوغ أهدافه باتهام الطرف الآخر بممارسة السياسة، ليس أكثر من تعبير عملي على هذا الفشل. ولعل هذا ما ينطبق على العلاقة الرياضية بين المغرب والجزائر، بحيث بالغت مجموعة من مواقع التواصل الاجتماعي من الطرفين، في تبادل تهمة استغلال السياسة في الرياضة. وإذا كنت لا أدري ماذا يقصدون بالسياسة في هذا السياق بالذات، خاصة وأنه لا يوجد تعريف موحد يمكن الاستناد إليه، فإني أعلم علم اليقين أن السياسة لم تنفصل يوما عن الرياضة، وإنما استغلتها ولا زالت، في تخدير الشعوب وصرفها عن الاهتمام بالمشاكل ذات الأولوية، وفي خلق حزازات وصراعات هامشية بين أنصار الفِرَق الرياضية، إن على المستوى المحلي من قبيل الصراعات المُعايَنة عندنا مؤخرا، والتي بلغ مداها إلى الحد الذي تم معه حرمان بعض الفرق من "جمهورها"، أو على المستوى الدولي كما هو الشأن بالنسبة لكأس العالم الأخير لكرة القدم - حيث بدت سياسة تمرير القيم واضحة-، وبالنسبة لألعاب الأولمبية، وغيرها من المباريات والألعاب القارية، التي تلعب دورا خطيرا في تأجيج الصراعات بين الشعوب، وكل ذلك بسبب السياسات الرياضية المعتمدة من قبل أنظمة الشعوب المعنية، خاصة عندما تتعارض مصالحها فيما بينها، مع الإشارة إلى أن هذه الصراعات كانت حاضرة على مر التاريخ، على الرغم من كون الأهداف المعلنة تتمثل في التقريب بين الشعوب والثقافات ونشر ثقافة السلم والتسامح...
مما سبق، وبالنظر إلى الاتجاه الذي تدفع فيه نتائج مختلف الأنشطة الرياضية التي كان من المفترض إجراؤها بين البلدين، يتأكد أن السياسة الرياضية لأحد طرفي المعادلة التي تجمع بين المغرب والجزائر فاشلة، كما يجوز أن يُحالف الفشل سياستي الطرفين معا، ذلك أنه إذا تم الاقتصار على النتائج الرياضية بمفهومها الضيق، أي تأهل فريق على حساب آخر، فلا شك أن التفوق المغربي كان واضحا، أما إذا تمت قراءة هذه النتائج في إطار شمولي، فإنه على الرغم من إتاحة وسائل التواصل الاجتماعي لمجموعة من المؤشرات التي توحي بكسب المغرب تعاطفا شعبيا على المستوى القاري بصفة عامة، بخصوص قضية الوحدة الترابية، فإن المؤسف في الأمر هو أن المُحَصِّلة النهائية تتجسد في خسارة مشتركة، مفادها تقويض أسس التاريخ المشترك بين الشعبين الشقيقين، وتوسيع الشرخ بينهما، مما تتحقق معه خدمة أجندات خارجية معروفة أحببنا أم كرهنا.
في الأخير أقول بأن تعليق أي طرف كان فشله الرياضي على مشجب السياسة، دليل إما على فشل سياسته الرياضية، كما هو جلي في السياسة المعتمدة من قبل مسؤولي الجزائر، وإما على تعمدهم استغباء الشعب الجزائري الشقيق، واغتنام كل الفرص الممكنة لإطالة عمر الصراع بين الأشقاء، وربما إدامته للحفاظ على مصالحهم الخاصة، مهما كان ذلك على حساب مصالح الشعب الجزائري. ولعلي أجد في الجزء الأول من تعريف مُنْصِف المرزوقي للسياسة، ما ينطبق على سياسة حكام الجزائر الذين يؤثرون مصالحهم ويضحون بمصالح شعبهم، وفي جزئه الثاني ما يتماشى مع سياسة أولئك الذين يسعون إلى رفاهية واستقرار مجتمعهم، ويضحون بمصالحهم أو بجزء منها، بحيث يقول: "السياسة فنّ خدمة المصالح الخاصة باستعمال كل الوسائل الأخلاقية واللاأخلاقية للحصول على أقصى قدر ممكن من السلطة والثروة والاعتبار، وذلك بغض النظر عن تبعاتها وتكلفتها على المجتمع، مثلما هي فنّ خدمة المصالح العامة من طرف أفراد يضحون - وبغض النظر عن تبعاتها وتكلفتها عليهم- بكل حظوظهم في جزء من السلطة والثروة والاعتبار، حتى يحقق مجتمعهم ما يسعى إليه من أمان واستقرار وتطوّر".
وسوم: العدد 1079