إعلان يأس .. ورفض .. وإصرار

رسالة العيد

اليأس من الولايات المتحدة والغرب ورفض التطرف والمتطرفين

والإصرار على المشروع الوطني

زهير سالم*

[email protected]

الأمر الأكيد الذي نجح فيه الرئيس أوباما في معالجته للأزمة السورية هو تكريس اليأس منه ومن إداراته بل ومن دولته ، وتعزيز الفكرة القائلة أن الحديث عن مشروع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان هو حديث خرافة . وأن هذه العناوين هي براقع التجميلية تخفي وراءها وجها رأسماليا بشعا ، وليست كتلك البراقع التي تخفي وجوه المليحات على الخارطة الإسلامية .

وبينما تنشغل الإدارة الأمريكية في تصفية حسابات قديمة مع رجل تزعم أنه داس طرف ردائها في نيروبي وفي دار السلام سنة 1998 وتتهمه بمقتل 200 إنسان كما يزعمون ؛ تدير ظهرها عمليا لحرب إبادة يشنها ( مجرم حرب مدعوم دوليا ) على مدنيين أبرياء في سورية بفاتورة قتل يومية قوامها الوسطي مائة إنسان يوميا ، أو خمسة آلاف إنسان شهريا حسب عدادات الإحصاء التابعة للإدارة الأمريكية نفسها . بحيث نستطيع أن نقول : إن القتل اليومي الممنهج أصبح سياسة مقرة من قبل الكبار في هذا العالم . يتحملون المسئولية حسب الدور الأكبر فالأكبر !!

كل المداورات والمداولات التي مارستها الدبلوماسية الأمريكية كانت تثبت مرة بعد مرة بعد مرة أن الأمريكيين لا ( كلب أبيض ولا كلب أسود ) لهم في معركة الحرية والديمقراطية في سورية ، وهي العبارة التي صرح بها أحد كبار الصحفيين الأمريكيين منذ الأيام الأولى للثورة . بل إن التدقيق في الموقف يدفع المبصرين ليقولوا إن الكلب الأسود هو كلب الأمريكيين الحقيقي . وأن جهود الأمريكيين تتضافر بشكل ظاهر مع جهود الروس والإيرانيين لخداع هذا الشعب والالتفاف على مطالبه في الحرية والديمقراطية ، وإغراقه في الخيارات العدمية بين القبول بالاستبداد والرضوخ لحكمه أو التهديد بعنف المتطرفين وقسوتهم و ...

وعلى مستوى آخر لقد رأى الأمريكي في الثورة السورية وفي دماء شهدائها الذين تجاوز عديدهم المائة والخمسين ألف إنسان سوقا أو بازارا للاستثمار على طريقة ( الرأسمالي الذي يسلّع كل شيء ) فسارعوا إلى المتاجرة في هذه الدماء لحسابات جانبية وحققوا أرباحهم على حساب دماء السوريين مكاسب للإسرائيليين من حساب السوريين أو حتى من حساب( الإيرانيين ) .

الماراثون الإيراني – الأمريكي اليوم سيمضي إلى غايته . والإيرانيون الذين قال قائلهم : إنهم مستعدون للتخلي عن إقليم الأحواز العربي وليسوا مستعدين للتخلي عن الشام محافظتهم الخامسة والثلاثين كما وصفها القائل نفسه ؛ سوف يقدمون الكثير من التنازلات لإبادة  أحفاد بني أمية أجمعين . هذه هي الصفقة التي يعمل على إتمامها هذه الأيام الأمريكيون والإيرانيون . بعد أن أتم الأمريكيون صفقتهم مع الروس بفتح ترسانة السلاح الاستراتيجي السوري .

نستعيد شريط المبارزة الأمريكية – الروسية ونتساءل أمام كل المتابعين والمحللين وأصحاب القرار المؤملين :هل استطاعت الدبلوماسية الأمريكية على أيام هيلاري كلينتون أو على أيام جون كيري أن تسجل نقطة واحدة لحساب الشعب السوري ضد الموقف الروسي؟! نقطة واحدة فقط أطالب بها على سبيل التحدي لمن يريد أن يقنعنا بجدوى الحديث على لغة من ينتظر من الأمريكي شيئا . كل ما أراده لافروف وافق عليه الأمريكي . وكل ما خططه لافروف نفذه كيري . بل أزعم وأقول لو أن السوريين فاوضوا لافروف عن أنفسهم بأنفسهم لانتزعوا منه أكثر مما انتزع كيري لهم .إن على الذين سبقوا إلى رفض الدور الروسي والدور الإيراني لأن هاتين الدولتين جزء من المشكلة ، أن يرفضوا بالمعيار نفسه الدور الأمريكي والدور الغربي ، وان يستعيدوا قرارهم .

الدعوة اليوم إلى السوريين جميعا إلى :

إعلان اليأس من الولايات المتحدة ومن الغرب ومن الكثير من الذين سموا أنفسهم– ادعاء - أصدقاء الشعب السوري .

رفض الخيارين السيئين اللذين يحاصرنا بشار الأسد والروس والإيرانيون والأمريكيون والغرب بهما : مجرم الحرب وإن أعيد تجميله أو تأهيله بكل عمليات التجميل ، وخيار التطرف وما يستتبعه هذا الخيار من ارتكاس وفوضى وقتل وتدمير .

والإصرار على المشروع الوطني السوري بإعادة اللحمة بين أبناء المجتمع السوري الواحد ، وبناء الدولة المدنية الجامعة لكل السوريين تحت راية العدل والمساواة والحرية ..

وبين هذا وذاك علينا أن ندرك ونحن نواجه مخططا عالميا لتفريغ أرض الشام من أبنائها : إبادة وتهجيرا ، وفق مخطط متواطئ عليه تحتاج الساحة السورية اليوم رجالا يتحملون المسئولية . رجال يقرون أن الجلوس على المنصات هو لاتخاذ القرارات الصعبة والوفاء باستحقاقاتها وليس لالتقاط الصور وإطلاق صرخات الإدانة أو الاستغاثة ..

السؤال الذي يطرحه الشهداء وكل الأوفياء لمشروعهم ودمائهم على الذين يزينون اليوم الاستسلام : هل أنتم مضطرون للذهاب إلى جنيف للاستسلام هناك . إذا كنتم تريدون هذا فحيث أنتم تستطيعوه ، أو ربما دمشق أقرب إليكم . إن جنيف الذي وطد أرضيته ورفع سقفه لافروف ، وأتحداهم أن يكون لغيره شطر كلمة فيه ، هو منصة تعري تحت الأضواء ومنذ متى كان السوريون هكذا يتعرون ..؟!

اليوم ونحن نستقبل عيد الأضحى المبارك بفتوى جواز أكل القطط والكلاب لإنسان الغوطة إحدى جنات الله في أرضه ، كم مرّ بك من محن يا ديار : وكل عام وسورية وشعبها بخير وبعز وبسلام ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية