مدينة السلَمية، رمز للتآلف وثورة على الظلم والطائفية

مدينة السلَمية، رمز للتآلف وثورة على الظلم والطائفية

محاولات النظام لإثارة القلاقل اصطدمت بوعي أبناء المدينة

تقرير محمد غريبو

مسار برس (خاص) – حماة

مع انطلاق الثورة السورية لم يكن الحل العسكري خيار الأسد الوحيد لقمعها وتدمير البلاد، فقد حرص منذ اليوم الأول على اللعب بورقة الأقليات والطوائف وتمزيق النسيج المجتمعي السوري الذي بقي متماسكا طيلة الفترة الماضية، والذي طالما وصف بأنه لوحة فسيفسائية.

إلا أن مخططاته هو ومسؤوليه اصطدمت بوعي أبناء الشعب السوري بكل أطيافه، فوقفوا في وجه الأسد في الحراك السلمي، ومع تصاعد العمل العسكري وقف العديد من أبناء الطوائف والأقليات إلى جانب إخوتهم السوريين متحدين ظلم الأسد.

وتعتبر مدينة السلمية بريف حماة مثالا على هذا التجانس، إذ خرج أبناؤها في المظاهرات السلمية دعما للثورة، ثم حملوا السلاح في وجه قوات الأسد بعد أن أعلن حربه العسكرية على أبناء سورية. “مسار برس” التقت بعدد من النشطاء الإعلاميين والمقاتلين من أبناء المدينة، واطّلعت على واقع العمل العسكري فيها، كما سلّطت الضوء على التآلف الطائفي بين أبنائها المقاتلين.

مدينة السلمية مدينة الثورة والتلاحم

تقع مدينة السلمية على تخومِ بادية الشام وعلى بعد 30 كيلومترا إلى الشرق من مدينة حماة وسط سورية، ويبلغ تعداد سكانها مع ريفها قرابة 250 ألفا، ينتمون إلى عدة طوائف وأقليات من الإسماعيلية والعلويين والسنة بالإضافة إلى وجود بعض القرى التي يقطنها مواطنون من قومية الشركس.

ويعيش هؤلاء جميعا في تآلف وتوافق كبيرين، إذ لم تشهد المدينة أي احتكاك طائفي رغم كل محاولات الأسد لإثارتها وإشعالها كما يقول ناشطو المدينة.

وقد آوت السلمية في ظل الثورة أعدادا كبيرا من النازحين بسبب موقعها المتوسط والقريب من المناطق الساخنة في حمص وريفها.

ويؤكد الناشط الإعلامي أبو خالد لـ”مسار برس” أن عدد العوائل النازحة في المدينة قد وصل إلى ما يزيد عن 2500 عائلة معظمهم قدم من حمص، بالإضافة إلى عودة الآلاف من أبناء المدينة ممن كانوا يقيمون خارجها خوفا من القتال.

ويشير أبو خالد إلى الظروف الصعبة التي تعيشها المدينة بسبب ضعف قدراتها على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من النازحين، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء والماء لأوقات طويلة، والتي تصل أحيانا إلى ما يزيد عن شهر ونصف.

تآلف فطري ومحاولات يائسة لإثارة القلاقل

على الرغم من محاولات الأسد المتكررة لإثارة القلاقل والفتن الطائفية بين مكونات الشعب السوري، يؤكد الناشط الإعلامي أبو علي لـ”مسار برس” أن أبناء المدينة لم يتخوفوا من مسألة النزاع الطائفي باعتباره “مسألة غير أصيلة وليست من طبيعة المجتمع السوري، بل هو مختلق ومبالغ فيه، فالقمع الذي مارسه نظام الأسد منذ حكم الأسد الأب شمل جميع الطوائف بلا استثناء حتى العلويين، كما ضمّت المدينة أكبر نسبة من المعتقلين السياسيين قياسا بتعداد سكانها”.

من جانبه يشير الناشط أبو جابر السلموني إلى أن “الثورة السورية انطلقت لتحقيق هدفين رئيسيين هما الحرية والكرامة، ولإعلاء شأن المواطنة والمساواة أمام القانون، فانخرط فيها كل أطياف الشعب السوري، لكن سياسات السلطة الديكتاتورية وأساليبها القائمة على مبدأ فرق تسد، أرادت منذ البداية أن تحول الثورة من ثورة شعب ضد نظام إلى صراع بين مختلف مكونات الشعب السوري، وهي وإن نجحت في ذلك فرضا، فإن نجاحها مؤقت ومحدود، وهذا ما وعيناه جيدا وقاومناه وما زلنا نقاومه”.

أما الناشط أبو خالد فيؤكد على أن “ديكتاتورية البعث اعتمدت منذ بدء الحراك الثوري السلمي على العنف في محاولة لاستدعاء العنف المضاد، وبقيت الثورة سلمية 6 أشهر، قُتِل خلالها ما يزيد عن 7000 متظاهر سلمي، وخلال هذه المرحلة لم يكن للطائفية أي أثر في الصراع، لقد أرادت السلطة استدعاء العنف ومفاهيمه وأدواته في التحريض والتعبئة، متبعة في ذلك أساليب تقوم على زرع الفتنة، عبر وسائل إعلامها المليئة بالشحن الطائفي المبطن، كل ذلك لإيقاظ وتأجيج الرغبة بالانتقام لدى الجميع حتى العلويين”.

ويضيف الناشط أبو خالد قائلا “وهكذا تم تحويل العنف الممارس من طرف واحد هو السلطة إلى عنف طائفي. ونحن في مدينة السلمية وبسبب التعايش الفطري والعفوي بين مختلف الطوائف كما هو شأن المجتمع السوري عامة؛ أدركنا لعبة السلطة هذه وقررنا مقاومتها عبر التصميم على المزيد من الانخراط في فعاليات الثورة، وعدم الانكفاء والانصياع إلى رغبات حكومة الأسد، وذلك بسبب الوعي السياسي العالي للناشطين وعراقة المدينة في مقاومة الاستبداد منذ بداية عهد الأسد الأب”.

الأهمية العسكرية

تنتشر حول المدينة عدد من النقاط العسكرية الكبرى مثل اللواء 66 ومدرسة المجنزرات وكتيبة المدفعية المتمركزة في قرية بري بالريف الشرقي.

ويتحدث قائد كتيبة أحرار السلمية أبو يعرب لـ”مسار برس” عن أهمية المدينة وموقعها من الناحية الاستراتيجية والعسكرية قائلا: “لمدينة السلمية أهمية كبيرة لوقوعها على طريق دمشق-الرقة، كما تعتبر أهم نقطة وصل بين الشمال والجنوب السوري، وبين الشرق والغرب، إذ إنها تتوسط المنطقة الوسطى في سورية وتعتبر عقدة ربط بين معظم المحافظات السورية، فهي هامة لكل الأطراف، فبالنسبة لقوات الأسد هي نقطة آمنة يستخدمها لحشد الأرتال والشبيحة وإرسالهم باتجاه المحافظات التي تدور بها رحى المعارك، كالرقة ودير الزور وحلب وحمص وريف حماة، أما بالنسبة لكتائب الثوار فهي نقطة استراتيجية هامة جدا، وفي حال تمكن الثوار من السيطرة عليها فهذا يعني أنه قد تم قطع يد النظام التي تمتد باتجاه الشمال والشرق السوري، بالإضافة إلى أنها أوسع بوابة للدخول إلى حماة وحمص وفك الحصار عنها”.

العمل العسكري

وأمام هذا التنوع والتآلف كان من الطبيعي أن يكون العمل العسكري على ذات الدرجة من التوافق والتلاحم، إذ تحوي كتائب الثوار هنا تنوعا كبيرا بين المقاتلين الذين جمعهم الهم والهدف الواحد.

وتشارك في العمل العسكري كتيبتان من أبناء المدينة هما “كتيبة شباب السلمية” و”كتيبة أحرار السلمية” التابعة لـ”كتائب الفاروق”

وتضم الكتيبتان عناصر متنوعة طائفيا ضمن تنسيق وعمل مشتركين، إضافة إلى التعايش والتآلف بين المقاتلين ضمن الكتيبة الواحدة باختلاف مكوناتهم وانتماءاتهم.

وعن هذا التعايش تحديدا تحدث أبو إبراهيم أحد المقاتلين في “كتيبة شباب السلمية” لـ”مسار برس” قائلا: “إن انخراطنا في الثورة السورية منذ بدايتها كان بصفتنا سوريين قبل كل شيء، وكذلك نتيجة للضغط الذي مارسه النظام والقمع الذي طال العديد من الناشطين والثوار في مدينتنا، مما اضطر بعض الشباب لحمل السلاح والانخراط بالعمل العسكري، فالخيار العسكري لأبناء المدينة بمختلف طوائفهم كان لنفس السبب الذي حمل من أجله أبناء المناطق الأخرى السلاح، ألا وهو القمع الذي مارسه ويمارسه النظام على الشعب السوري وليس لأي بعد طائفي آخر”.

وفي ذات السياق قال أبو علي المقاتل في “كتيبة شباب السلمية” إن المنطقة فيها تنوع طائفي قديم وليس وليد الثورة، وأن جميع الأطياف في المنطقة متعايشة مع بعضها وتربطها علاقات اجتماعية وعائلية دون تمييز إثني أو طائفي، “وهذا التنوع انتقل إلى الحراك الثوري السلمي بداية ثم المسلح، وطالما أن السلاح بأيدي أبناء المنطقة الواحدة المتعايشين سوية تاريخيا فليس هناك ما يقلقنا عموما”.

أما أبو يوسف من “كتيبة أحرار السلمية” فيعتبر أن “المقاتلين من مدينة السلمية والذين ينتسبون إلى الكتائب العاملة في المنطقة هم مزيج يعكس التعايش الطائفي في المدينة، وكما يتعايش أبناء مدينة السلمية سوية منذ عشرات السنين، ينعكس هذا التعايش على المقاتلين أثناء المعارك”.

العلاقة مع الفصائل الإسلامية ودور القرى الموالية المعركة

يتحدث المقاتل في “كتيبة أحرار السلمية” أبو علاء لـ”مسار برس” عن علاقة ثوار المدينة بالفصائل والمقاتلين الإسلاميين قائلا: “توجد علاقة قوية بين كتائبنا والفصائل الجهادية الإسلامية العاملة في المنطقة، وهذه العلاقة تعتمد على التنسيق في العمل، وكوننا أبناء المنطقة فهذا الأمر يعطينا أسبقية بين الكتائب والفصائل العاملة”.

من جانبه يؤكد أبو علي من “كتيبة شباب السلمية” على أن “الفصائل الإسلامية عموما قوية من حيث الدعم المادي والعسكري ونحن كعناصر في الكتائب من أبناء المنطقة على تواصل مع كافة هذه الفصائل، هناك تخوفات كبيرة من الأهالي من الفصائل الإسلامية وخصوصا “تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام”، ولكن في منطقتنا لم نر لهذه الفصائل حتى الآن أي ممارسات سلبية، وربما يكون هذا كوننا في حالة قتال مباشر مع النظام وجبهة مفتوحة تحتاج للتنسيق بين كامل الكتائب والفصائل”.

ويتحدث أبو يعرب قائد كتيبة أحرار السلمية عن دور القرى الموالية لقوات الأسد في المعركة بين الطرفين: “للقرى الموالية دور كبير في الحفاظ على نقاط متقدمة دفاعية عن قوات الأسد، فمهمتها ضرب الثوار وإيقاف تقدمهم وقد سلّحت قوات الأسد سكانها وزجت بهم في المعركة عن طريق تنظيمهم بما يسمى بمليشيا “اللجان الشعبية” أو “جيش الدفاع الوطني”، وهم موجودون ضمن القرى بين الأطفال والنساء وهذا ما يمنع عنهم يد الثوار ويؤمن لهم حماية مؤقتة”.

ومع استمرار الثورة السورية يصرّ هؤلاء المقاتلون الذين التقينا بهم هنا على أطراف مدينة السلمية على مواصلة مشوارهم في التصدي لكل محاولات الأسد العسكرية والطائفية، حتى السيطرة على المدينة وريفها، رافضين أن يكونوا ولو بأي شكل من الأشكال ورقة بأيدي الأسد ونظامه الطائفي على حد وصفهم.