على الغرب تجربة الإسلاميين

محمد هيثم عياش

[email protected]

برلين /‏06‏/09‏/13/  يُطرح حاليا في أروقة السياسة والثقافة الدولية سؤال واحد وهو لماذا يستطير الغرب غضبا وينتابه الخوف الشديد اذا ما نجح الاسلاميون بانتخابات نزيهة  وحرة في بلدانهم واذا ما نجح العلمانيون / بفتح العين واللام / او غيرهم من الذين لا يحملون اي عقيدة دينية تنفسوا الصعداء واصبح الارتياح مكان الخوف في قلوبهم .

ويرى استاذ مادة علوم الاسلام والعربية في الجامعة المستنصرية ببغداد وبعد ذلك بجامعة هومبولدت البرلينية بيتر هاينه من خلال ندوة حول /  الاسلاميون والحكم /  نظمتها جامعة هومبولدت البرلينية يوم أمس الخميس 5 أيلول/ سبتمبر  سبب خوف  الغرب من الاسلام معاناته من عقدة نفسية من هذا الدين  فاذا ما اعتنق نصراني أو يهودي بالغرب احد الاديان الفلسفية مثل البوذية والهندكية / الهندوس / سخر منه واكد على عودته يوما ما الى النصرانية من جديد اما اذا اعتنق الاسلام فيضع يده على جبهة رأسه ويهزه يمنة ويسرة خوفا على مستقبله ومستقبل الغرب

هذا السؤال اصبح على رأس كل مهتم بسياسة الشرق الاوسط وتطورات ما يُطلق عليه  ببلدان الربيع العربي فتونس التي عاشت في ظل العلمانية  / الحبيب بورقيبة ومن بعده زين العابدين بن علي / اكثر من ستين عاما حتى اذا ما ذهب سائح ما الى تلك الدولة لا يرى فيها  أثرا  للتدين  وكذلك الحال كان الوضع في البوسنة والهرسك زمن الشيوعية فالبحث عن المتدينين يستغرق أياما بالرغم من أن سراييفو كانت عاصمة المسلمين في البلقان الا ان المشيخة الاسلامية فيها كانت مثل حاضرة الفاتيكان تماما فما ان يخرج المرؤ من الفاتيكان فينسى كل شيء ، ولما شعر المسلمون بالبوسنة بان الحرب التي وقعت بين الصرب والكروات  كانت تستهدف كيانهم عادوا جراء ذلك الى التمسك بأهداب الدين من جديد .

وتونس تختلف عن مصر فتلك الدولة لم تقم ومنذ الصراع العربي الصهيوني بدور رائد فيه  ولذلك يتعامل الغرب مع حكومتها  ذات النهج الاسلامي من ناحية الاحترام المتبادل  وتقديم المساعدات التنموية لارساء الحريات العامة واصلاحات على الاقتصاد للحيلولة دون تدفق المزيد من الشباب التونسي على اوروبا .

ولكن عندما نجح الاسلاميون في جبهة الخلاص الاسلامي بالجزائر بالانتخابات التي جرت اوائل التسعينات أوعز الغرب لجيش تلك الدولة بالانقضاض على الاسلاميين الامر الذي نجم عنه مقتل اكثر من مائة الف شخص ولا تزال الجزائر تعاني من آثار ذلك الانقلاب فقد تدخل الغرب بصراحة بشئون تلك الدولة لموقعها الاستراتيجي في الشمال والشرق الافريقي اضافة الى وزنها السياسي الهام بالصراع الشرق الاوسطي الى جانب اهميتها الاقتصادية اذ تعتبر من الدول الغنية بالغاز الطبيعي عدا عن ذلك فالجزائر دول هامة بالصراع القائم بين المغرب وجبهة البوليساريو  التي تسعى لاقامة دولة مستقلة بالصحراء المغربية .

وموقع مصر  الاستراتيجي واهميتها بالشرق الاوسط مثل الجزائر واكثر ايضا قد استطاع شعبها الاطاحة بحكم عسكري استمر لاكثر من ستين عاما ونجح المصريون بتحقيق هدفهم بانتفاضة 25 كانون ثان/ يناير عام 2011 ونجح الاسلاميون بانتخابات نزيهة وحرة تحت اشراف الاتحاد الاوروبي الا ان الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية قادت الحملة الشعواء ضد الاسلاميين ولم تسنح للرئيس المنتخب شرعيا محمد مرسي فرصة لاصلاحات ينتهجها على السياسة والاقتصاد والمجتمع  منذ استلامه رئاسة بلاده في صيف عام 2012 االى ان تم تحقيق حلم واشنطن وبعض الدول الغربية والعربية عزل العسكر  مرسي بحجج واهية الامر الذي كانت نتيجته مصادرة الحريات العامة والعودة الى حكم العسكر من جديد .

لقد مارس الغرب تمييزا سياسيا ايضا مع الاسلاميين في فلسطين الذين نجحوا بانتخابات عام 2005 ومارسوا الضغوط  على فتح ومنظمات فلسطينية علمانية من اجل الاطاحة بحكومة حماس وأفشلوا جهود السعودية التي سعت للمصالحة بين الفلسطينيين ونجحت باتفاق الفلسطينيين تشكيل  حكومة وطنية  ومع ذلك فقد بقي التمييز العنصري الذي يمارسه الغرب مستمرا الى ان كانت نتيجته عزل غزة عن الضفة الغربية .

وعزت منظمة السلام بالشرق الاوسط وهي منظمة صهيونية الانقلاب العسكري ضد محمد مرسي والاعتقالات ضد الاخوان المسلمين الى ان المملكة العربية السعودية والامارات  العربية المتحدة وقطر وغيرها من دول منطقة الخليج العربية قامت بتشجيع الجيش ضد الاخوان المسلمين وهذا ما نشرته صحيفة / برلينر تسايتونغ / بمقالة لها نشرتها يوم 24 آب/اوجسطس المنصرم اذ ان إثر الاطاحة بمرسي قامت تلك الدول بتقديم مساعدات مالية ضخمة الى مصر وان الامارات كانت من الدول التي ساهمت بمعاداة الغرب للاخوان المسلمين نظرا لمشاكل تعاني منها مع الاخوان . كما تؤكد تلك المنظمة والصحيفة ان الاسلاميين خطر على الامن والسلام في الشرق الاوسط والعالم أجمع وانه لو استمر الاخوان في حكم مصر أصبح هناك محور اسلامي جديد يمتد من مصر الى تركيا عبر سوريا والى العمق الافريقي عبر تونس وليبيا ، وهو ما يؤكده وزير الخارجية الالماني جويدو فيسترفيله ان سبب عدم ارسال برلين اسلحة الى المعارضة السورية يكمن بأن هدف الاسلاميين بعد تحرير دمشق من قبضة بشار اسد تحرير القدس .

وينفي أحد الصحافيين الذين شاركوا بالندوة مقولة الصحيفة وادعاءات المنظمة فالسعودية قامت بتقديم مساعدات الى مصر قبل واثناء وبعد الاطاحة بمرسي ، والسعودية كانت بمقدمة الدول الاسلامية التي فتحت ابوابها لايواء اقطاب الاخوان منذ تأسيس الامام حسن البنا رحمه الله  لهذه الجماعة فقد استقبله الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن / رحمه الله / كما كان الملك فيصل بن عبد العزيز أل سعود من  بين زعماء العالم الاسلامي الذين قاموا بحملة واسعة لمطالبة الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر باطلاق سراح  الشهيد  سيد قطب .

وكان وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل قد أعرب عن امتعاضه اعلان اوروبا بوقف مساعداتها المالية لمصر جراء الانقلاب وأكد ان السعودية لن تبخل على المصريين في أي وقت مضى والمساعدات التي قدمتها بلاده لا علاقة لها بالانقلاب بل من اجل  تنمية الاقتصاد وتحسين وضعية المصريين وكان  وزير الخارجية القطري خالد العطية قد أكد عندما زار برلين في وقت سابق من شهر آب/اوجسطس المنصرم بأن قطر والسعودية تقفان الى جانب الشعب المصري وليس الى جانب الاخوان  او العسكر ..

ورأى  رئيس لجان السياسة الخارجية بالبرلمان الالماني روبريخت بولنتس بندوة جامعة هومبولدت المذكورة ان على الغرب تجربة الاسلاميين في حكم بلادهم وعلاقتهم مع العالم وخاصة مع اوروبا وعلى الاعلام الالماني والاوروبي وغيره الكف عن إثارة النعرات والفتن وتقارير مغلوطة تؤدي الى اراقة الدماء والحرب وانه من الضرورة حوار ثقافي سياسي بين الاسلاميين والغرب لتوضيح الآراء حول الشريعة المتنازع عليها وعلاقات الاسلام مع المسيحية واليهودية واوروبا ايضا .

ولا يعود سبب عداء الغرب للاسلاميين بسبب تقارير ودراسات صحافية وسياسية تبثها مراكز سياسية بل الى بعض المفكرين  العرب الذين يعادون الفكر الاسلامي فقد ناشد صادق جلال العظم الغرب بمحاربة الاسلاميين وذلك من خلال محاضرة القاها عام 1995 أمام مؤتمر اسلامي دولي اوروبي نظمته وزارة الخارجية السويدية في استوكهولم اذ ان الاسلاميين وعلى حد رايه يعادون الحريات العامة والديموقراطية الغربية ويريدون اعادة بلادهم الى العصور الوسطى . والغرب يدعم اصحاب هذه الاقلام بحجة حرية الرأي.