لماذا توبخ «إسرائيل» من ينتقد السيسي؟

د. صالح النعامي

[email protected]

في الوقت الذي أعلنت محكمة الشؤون المستعجلة المصرية حركة حماس ك»تنظيم إرهابي»، واصلت نخب الحكم في الكيان الصهيوني، سباقها مع الزمن لاكتشاف مزيد من العوائد الإستراتيجية لصعود السيسي إلى الحكم في مصر. فقد بدا نظام السيسي في نظر الصهاينة مصدر عون على مواجهة المخاطر التي يتعرض لها هذا الكيان.

وقد وصل الأمر إلى حد أن الساسة الصهاينة باتوا يضيقون ذرعاً بأية نقد غربي، ولو بشكل عابر ومن منطلق رفع العتب، لسلوك نطام السيسي في مجال حقوق الإنسان. فقد تجاوز وزير الاستخبارات الصهيونية يوفال شطاينتس كل قواعد اللياقة الدبلوماسية عندما انتقد بشكل صريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما لأنه تجرأ على الربط بين تطرف الشباب المسلم والعربي وبين وجود أنظمة مستبدة.

وعلى الرغم من أن أوباما لم يأتي على ذكر نظام السيسي ولا غيره، إلا أن شطاينتس اشتاط غضباً واعتبر أن المقصود في النهاية هذا النظام. وحسب شطاينتس، فأن تطرف الشباب المسلم يعود بشكل أساسي لجوهر الإسلام لأنه «يدعو للعنف والإرهاب» وليس للواقع السياسي في البلدان العربية، على حد زعمه.

وقد انضمت الكثير من النخب لشطاينتس في دفاعها عن أنظمة الاستبداد في العالم العربي وتهجمها على أوباما الذي لم يتأثر تحالفه مع هذه الأنظمة،بل على العكس. فقد عد عاموس جلبوع، الرئيس الأسبق للواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية أن مجرد الربط بين «الإرهاب» والاستبداد يدلل على أن الغرب بقيادة أوباما غير معني باستخلاص العبر من ثورات الربيع العربي.

وحسب جلبوع، فأن الاستخلاصات المباشرة لثورات الربيع العربي تدلل على أن الغرب «ارتكب حماقات كبرى» عندما سمح بسقوط أنظمة الحكم المستقرة، سيما نظام الرئيس حسني مبارك،الذي كرر وصفه بأنه كان يمثل «كنزا إستراتيجيا» للغرب وإسرائيل. المفارقة أن مراكز الأبحاث، الأكثر ارتباطاً بدوائر صنع القرار في تل أبيب باتت معنية بمساعدة نظام السيسي على تبني خياراته الإقليمية المثيرة للجدل،سيما في كل ما يتعلق بليبيا.فقد وجهت هذه المراكز انتقادات حادة للغرب لعدم دعمه السيسي في شن حرب على ليبيا، مشددة على أنه كان يتوجب وقوف العالم بأسره خلف مصر وتشجيع رئيسها على خوض غمار الحرب ضد «الإرهابيين».

وقال مركز أبحاث يديره، دوري غولد، كبير المستشارين السياسيين لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أن الولايات المتحدة وأوروبا وجهتا «ضربة إستراتيجية للسيسي وسددتا له لطمة قوية على وجهه،أحرجته»، على حد تعبير المركز.وفي تقرير أصدره، استهجن «مركز يروشلايم لدرسات المجتمع والدولة»، أوثق مراكز التفكير الصهيونية ارتباطاً بدوائر صنع القرار في تل أبيب، أن يعود وزير الخارجية المصري سامح شكري «مطأطأ الرأس من نيويورك بعد أن رفض ممثلو أوروبا والولايات المتحدة في الأمم المتحدة الاستماع لمسوغاته الداعية للاعتراف بحكومة طبرق وتزويدها بالسلاح ودعم السيسي في الحرب التي كان ينوي شنها على ليبيا.

وأكد المركز على أن تشديد العالم على ضرورة أن يتم التوافق على حل سياسي للأزمة الليبية سحب البساط من تحت أقدام السيسي وقلص هامش المناورة أمامه بشكل لم يتصوره، مستهجناً أن يتخلى الغرب عن السيسي «على هذا النحو المهين». ولم تقف الأمور عند هذا الحد،بل أن المركز اعتبر أن تبني حل سياسي للأزمة الليبية يعني «إضفاء شرعية على دور الإخوان المسلمين في إدارة شؤون ليبيا».

وواصل المركز هجومه على الغرب، قائلاً: «كيف تربطون دعمكم للسيسي بسجل نظام حقوق الإنسان، وهل الدول الأخرى التي تدعموها أكثر احتراماً لحقوق الإنسان». وفي المقابل، فقد اختار المركز أن يظهر «عيوب» خصوم السيسي في ليبيا، سيما قوات «فجر ليبيا»، مشيراً إلى أن هذه القوات تمثل «ذراع الإخوان المسلمين «، وتخطط لوضع البلاد تحت حكم الإسلاميين. واعتبر المركز أن موقف الدول الخليجية «مخيباً للآمال»،مدعياً أن هذه الدول «تجامل» قطر على حساب مصر، مشيراً إلى أن موقفها زاد من حرج السيسي ونظامه «سيما وأنه يراهن على دعمها في القضاء على الإخوان المسلمين»،على حد تعبيره.

وحاول المركز استثمار مخاوف أوروبا من الإسلاميين عبر التحذير من خطورة الدور الذي يمكن أن تلعبه ليبيا تحديداً في تهديد الأمن الأوروبي. فقد حذر المركز من خطورة أن تتحول ليبيا إلى قاعدة تنطلق منها ما أسماه بـ «دولة الخلافة» لتصبح تهديداً مباشراً لكل من الولايات المتحدة وأوروبا. وزعم المركز أن وجود مئات الآلاف من المهاجرين المسلمين في أوروبا يعقد الأمور أكثر، مما سيجعل هؤلاء عامل لإضعاف أوروبا لأنه سيولد «تهديدات اجتماعية واقتصادية» ستؤثر على استقرار القارة العجوز.

مما تقدم يتضح أن دوائر الحكم في تل أبيب والنخب الثقافية المرتبطة بها تحاول بكل ما أوتيت من قوة الذود عن ماكنة الاستبداد في العالم العربي، على اعتبار أن ضمان بقاء هذه الماكنة في صلاحية تامة يمثل متطلباً مهما ً من متطلبات الأمن الصهيوني.

ومن نافلة القول إن مجرد تولي الصهاينة الدفاع عن أنظمة الاستبداد في العالم العربي يدلل للمرة المليون حجم العار الذي ألحقته هذه الأنظمة بالأمة وشعوبها.