السيسي مذيعاً: نلتقي بعد الفاصل!
سليم عزوز
عندما أعلن التلفزيون المصري، أن «خالد الذكر» عبد الفتاح السيسي سيلقي خطاباً للأمة، لم يهتم أحد بما يمكن أن يقول، وإن كان انشغالي كله انصب على الأمة، فمن الواضح أنه يستهدف بخطابه «الأمة جمعاء»، وقد انتهى عهدنا بـ «الأمة» برحيل جمال عبد الناصر، وكل الرؤساء الذين جاءوا من بعده كانوا متواضعين، فلم يوجهوا خطابات للأمة، وإنما كان الإعلان دائماً عن أن الخطاب للشعب المصري فقط!
وقد بات من الواضح أن الإعلام تأثر بالزفة التي نصبها أصحاب الكلمات الضخمة الفخمة، من ناصريين وغيرهم، ممن أعلنوا انحيازهم للسيسي على أساس أن روح عبد الناصر قد حلت فيه، أما الدكتور علاء الأسواني، فقد كان الأكثر جرأة عندما وصفه بأنه أعظم قائد عسكري بعد «أيزنهاور» شخصياً، وقد انتهى المطاف بالأسواني إلى مناضل متقاعد في عهد السيسي، ولم يعد له من دور يؤديه إلا إرسال الشكاوى من قيام الإعلام بالتشهير بثورة يناير ورموزها، والشكوى مقدمة لأيزنهاور، باعتباره الرمز الثوري الأصيل، لكن لا حياة لمن تنادي!
قبل أيام شاهدت يسري فودة مع محمود سعد متلعثماً، وهو يتحدث بنصف لسان، عن المناخ الاستبدادي، الذي كان سبباً في توقف برنامجه، مع أنه من أهل البيت، ومن المؤيدين لثورة 30 يونيو المجيدة، التي جاءت بعبد الفتاح السيسي رئيساً.
لم يتحدث فودة عن الإستبداد، لكن هذا ما فهمته، فقد كان «يتلجلج»، يبدو لأنه، يستعين بفلاتر، يدخل عليها الكلام قبل أن يخرج، فتأكل الفلاتر نصفه، فلا يكون أمامنا سوى ما يشبه الكلمات المتقاطعة، وعندما تخرج جملة، فهي ليست مكتملة وليست مفيدة. هذا ما جنوه على مصر، بالانحياز للإنقلاب العسكري، وهم الآن يدفعون فاتورة إعانة الظالم، وقد ورد في الأثر أن من أعان ظالماً سلط عليه!
ولم يكن حال «المتلجلج» يسري فودة محرضاً على الشماتة، بقدر ما يدفع للعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ولا تزال صورة الناشطة الحقوقية ماثلة في وجداني وهي تبدي شماتة في يوم الهول، في مذبحة رابعة، والنيران مشتعلة في الجثث. كنت أطالع تصريحاتها المبتهجة عبر إحدى القنوات، فاعتقد أنني أحلم، ها هو ابنها وكريمتها يدخلان السجن في عهد «إيزنهاور». وعندما استشهد الدكتور البلتاجي بكلمات للناشط ابنها، فهم منها أنه ينعى ابنته أسماء، سخر من الأب المكلوم، وكأنه يبعد عن نفسه اتهاما.
لست شامتاً ورب الكعبة، فقط أردت التأكيد على أن «السيسي كأس وداير»، وكان أهلنا في الصعيد يقولون: «الموت كأس وداير»!
هل يتنحى؟!
نخرج سريعاً من أجواء «رابعة»، التي ما أن أتذكرها حتى يهتز كياني ويضطرب وجداني، مع أني لم أذهب إلى هناك ولو مرة واحدة، وقد حدثتني نفسي أكثر من مرة بالذهاب، وفي كل مرة كنت أتراجع، وقد دعيت لمقابلات تلفزيونية هناك، لكني كنت أتهرب، فلم تكن النفس صافية، ولم استطع أن أتقبل الذهاب إلى حيث توجد قيادات إخوانية، أوغرت صدري باستبعادي من الترشح لعضوية البرلمان، ضمن «التحالف الوطني»، وتجميد عضوية المجلس الأعلى للصحافة «قوة واقتداراً»، وكان القاسم المشترك في الموضوعين هو الدكتور البلتاجي، وكنت دائماً ما أبرر لنفسي، بأن هذه قسمتي في ما أملك، فلن أحاسب النفس على ما لا أملك، فقد كنت منذ اليوم الأول ضد الانقلاب، بدون حرج أخرج من أستوديو «الحرة»، لـ«سكاي نيوز»، للعالم، لـ«المنار»، مدافعاً عن الشرعية ورافضاً للانقلاب، لكن لم أستطع أن أسقط نفسياً الشخصي في الموضوع. وعندما بلغني اغتيال كريمة الدكتور البلتاجي «أسماء» على يد قوات الإنقلاب في «رابعة»، كتبت على صفحتي على «الفيسبوك» ما قاله أمير الشعراء احمد شوقي: «محا الموت أسباب العداوة بيننا».
ما لها وقد قلبت غماً هكذا على غير إرادتي؟! فالمناسبة مبهجة، وهي أن السيسي سيلقي بياناً للأمة ..»جمعاء»، كما أعلن التلفزيون المصري!
كلما أخبرت أحداً بأن السيسي سيلقي خطاباً للأمة، وجدته غير مبال، ومنهم من خرج يوم 30 يونيو ضد الحكم الإخواني وأخونة الدولة، حسناً أن الدولة عادت سيرتها الأولى ليصبح نجوم فضائيات السلطة «سما المصري»، و»رجب حميدة»، و»أحمد عز»، وفي الواقع أن الأمر كان جلياً منذ أن تم اختيار «فيفي عبده» الأم المثالية لعام الإنقلاب العسكري.
قلت لأحدهم ماذا يمكن أن يقول ليبشروننا به؟ غير أنه يمكن أن يعلن تنحيه، لكن أحدهم هذا استبعد هذا تماماً، فمنذ فترة تلح علي فكرة أن يتورط عبد الفتاح السيسي ويعلن تنحيه عن الحكم، لا سيما وأن محمد حسنين هيكل مستشاره المقرب لا يقرأ له سوى من كتاب «عبد الناصر»، باعتقال الإخوان، والتشهير بهم إعلاميا، وارتكاب مذابح مخيفة، والهروب للخارج في حروب كحرب اليمن.. فماذا بقي غير أنه ينصحه بالتنحي!
وإن كنت أعلم أن المغامرة ليست من طبيعة السيسي، كرجل موظف، تدرج في الرتب العسكرية كما يتدرج أي موظف حكومي، مدير عام، فوكيل وزارة، ثم ترقى وزيراً، فرئيساً. وقد يعلن التنحي، وبدلاً من أن تخرج المظاهرات للشارع تهتف: «لا تتنحى»، تهتف في حالته: «بركة يا جامع»، وقد جرب هذا مؤخراً عندما دعت أذرعه الإعلامية، لمظاهرات عارمة تفوضه مرة أخرى لمواجهة الإرهاب وباعتبار أن التفويض الأول انتهت مدة صلاحيته، فقد خرج 18 شخصاً في ميدان «عبد المنعم رياض»، وعشرة أشخاص في شارع جامعة الدول العربية أمام «السفارة القطرية»، وهي رسالة لا تخطئ العين دلالتها!
عقدة الإنقلاب
معلوم أن الدوحة صارت «عقدة القوم» فينفرون خفافاً وينفرون جميعاً، كلما أصابهم البأس بالهجوم على قطر.
بطبيعة الحال، فالهجوم كله ينصب على «الجزيرة» وكان البعض يعتقد أن أزمة سلطة الإنقلاب هي بسبب ما كانوا يصفونه بالأداء غير المهني لـ «الجزيرة مباشر مصر»، التي كانت عندي هي حائط الصد، لا أكثر، وعندما أغلقت كان الهجوم على «الجزيرة الأم»، ولو أغلقت لقالوا إن «الجزيرة أطفال» هي وراء عدم الاستقرار في مصر!
بعد انتظار طل علينا عبد الفتاح السيسي، في شكله الجديد، مع وعد بأنه سيلتقي بنا بدون وسطاء دورياً!
كان السيسي في الوضع مذيعاً، لكن يبدو أن المخرج لم يكن قد سبق له العمل في إخراج البرامج التلفزيونية، فقد بدا لي أنه مخرج أفراح وموالد، فحول اللقاء إلى «فرح العمدة»، بإسرافه في استخدام الكاميرات و«الكادرات والخلفيات»، فشتت أذهان المشاهدين!
ولأنه لقاء تلفزيوني للمذيع «المستجد»، فكان لا بد من فواصل، بشكل ظننت معه أنه في العودة من بعد أحد الفواصل سيعلن أن معه اللواء سامح سيف اليزل، ليحاول الوقوف منه على ما يحدث في مطبخ السلطة، باعتباره أحد الطهاة، لدرجة أنه في يوم الضربات الجوية الموجهة لـ «درنة» كان اليزل ضيفاً على لميس الحديدي، وقدمته على أنه قادم تواً من «غرفة العمليات»، بدون أن تكون له صفة دستورية، أو مكانة وظيفية، فهو جنرال متقاعد، لكن هناك نمطا في الحكم يكرس له الإنقلابي عبد الفتاح السيسي، وهو أن يذهب المسؤول لعمله ومعه السيدة حرمه، أو صديقه «الأنتيم». وهذا ما يفسر قيام محافظ الإسكندرية الجديد، باصطحاب زوجته للقاءات العمل مع الوزراء والمسؤولين، ومعلوم أن من اختاره لموقعه هو «نجل» وزير التنمية المحلية!
المحافظ فتى أمرد، وهو ابن المرحلة الحالية، ومن مواصفات المسؤول فيها أن يكون «جاذبا للنساء»، وقد استقبل كما استقبل أميتاب بتشان قديماً في مطار القاهرة، على نحو كان سبباً في غيرة زوجته عليه، فروجت لصورة لها وهي تجلس على رجليه، لتؤكد أنه متزوج وانه يحب زوجته، ولكي تقطع الشك باليقين، فانها تحضر معه في لقاءاته الوظيفة حتى لا تخطفه خاطفة، والوضع الدستوري لها: هي حرم المحافظ. تماماً كما أن الوضع الدستوري لسامح سيف اليزل أنه «صديق السيسي الأنتيم»!