أما آن لهذا السادي المدلّل أن يلجم بلجام من نار
أما آن لهذا السادي المدلّل
أن يلجم بلجام من نار
محمد علي شاهين
مساكين مرضى مذهب "ماركيز دي ساد" يستحقون الشفقة، يتلذّذون بوخز الطرف الآخر، أو عضّه أو ضربه أو أحياناً سبّه، وقد تصل درجة الألم إلى حدّ القتل، يحبون الهيمنة، والسيطرة على الآخرين، ويسعون لتولي المسؤوليّة، والاعتماد على القوّة، ويرفضون التحدي لسلطتهم، ومن يخالفهم فهو عدو لهم.
ومساكين يستحقون الشفقة أولئك الذين رضعوا حليب الكراهية، ونشأوا على حب الانتقام من (الناصبي الشرير) بزعمهم، فانقضّوا على الشعوب كالأفاعي لمّا ملكوا الزمام، وأتقنوا صناعة القتل والتدمير، وارتكبوا في نشوة الظفر المجازر والاغتيالات.
والأنكى من ذلك أن يجمع هؤلاء بين الساديّة والحقد في هذا العالم الموبوء بالجريمة والأحقاد الطائفيّة، وأن يستمدّوا قوّتهم وجبروتهم من جهات تنقم على الإسلام وأهله، وتتحيّن الفرص للانقضاض على ديار العروبة ودار الإسلام، وسط هذا الصمت المريب.
ألم يرتكبوا في الثمانينات مجازر تقشعرّ لها الأبدان فيدمّروا نصف مدينة حماه ويقتلوا بدم بارد نحو أربعين ألفاً من أبنائها، ويقتلوا في سجن تدمر نحو 1200 سجين سياسي في الزنازين؟ ثم يعاملوا كحكام أسوياء، يفرش لهم البساط الأحمر، وتقام على شرفهم المآدب، ويستقبلوا بالعناق أينما حلّوا.
ألم يغتالوا في وضح النهار محمد عمران، وكمال جنبلاط، وسليم اللوزي، ورياض طه، وموسى شعيب، وحسن خالد، وصبحي الصالح، ورفيق الحريري في لبنان، والقائمة طويلة فتطوى نتائج التحقيقات، وتسجّل الجرائم باسم مجهول! !
وهاهو النظام السوري اليوم وقد تحوّل إلى واحد من أكثر الأنظمة قمعاً في العالم، يختطف عشرات الأطفال في درعا، ويقصف حي اللاجئين في اللاذقيّة من البحر، ويضرب بصواريخ سكود اعزاز وتل رفعت وغيرها، ويرتكب في كل مدينة وبلدة مجزرة: مجزرة الصنمين، ودوما، وتلبيسة، وجسر الشغور، وكناكر، والكسوة، ودير الزور، كفر عويد، وغيرها، وآخرها مجزرة سجن صيدنايا العسكري في الخامس والعشرين من شهر نيسان، حيث قتل 480 سجيناً في الزنازين والأقبيّة، وأحرق جثامين الضحايا العزّل داخل السجن إمعاناً في الحقد، وشوهد الدخان الكثيف وألسنة اللهب تتصاعد من السجن لساعات، وانتشرت رائحة الموت في محيطه، وأحرق زبانية السجن جثامينهم بأمر هذا القاتل السادي المدلّل لأنّه يدّعي حبّهم ! !.
ولم يكتف بالقتل فروّع المواطنين، وشوّه الجثث ومثّل بها فلم يتعرف الأهالي على أبنائهم، وأطلق النار على جثث الضحايا، وشرّد شعبه حتى بلغ اللاجئون الملايين داخل الوطن وخارجه، وزجّ بهم في غيابة السجون، وتفنّن في تعذيبهم، وقصف المخابز والمستشفيات، وأجهز على الجرحى لأنّه يحبّهم، ومن الحب ماقتل.
وانتهك حرمة المساجد، ومزّق المصاحف، وخطف الأئمّة، وقصف بالمدفعيّة مآذن الجامع العمري في درعا والجامع الأموي في حلب وغيرها من المآذن والقباب والمحاريب متناسياً قوله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ).
وخرّب الحقول والبساتين وقطع الأشجار، ودمّر البيوت والأسواق والمصانع وحوّلها إلى رماد.
وفتح المجال للتدخّل الخارجي، والحرب الأهليّة على مصراعيه، وجرّ البلاد والعباد إلى حرب طائفيّة قذرة، وكأنّ خمس عشرة سنة من الحرب الأهليّة في لبنان، وثمان سنوات من الحرب الغبيّة بين إيران التي لم تستوعب الدرس والعراق المنكوب، غير كافية ليأخذ منها الدروس والعبر.
سادي مدلّل في الشرق والغرب، تنهال عليه المساعدات والدعم العسكري من روسيا وإيران، يكتفي الغرب بمراقبة مايجري في سوريّة من قتل وتدمير بالاستنكار والدهشة والاستغراب لحاكم يقتل شعبه، وتنتظر أمريكا استخدام السلاح الكيماوي حيث لم تفلح الأسلحة التقليديّة والبالستيّة والفراغيّة في كبح جماح السوريين المطالبين بالحريّة، ظناً منها أنّ إطالة مأساة السوريين هو المخرج من هذه المشكلة المتفاقمة، واكتفت بتقارير المحقّقين لتقول رأيها في القضيّة، وكأنّ قتل مئة ألف سوري وتهجير خمسة ملايين لايستحق التفاتة السيّد أوباما ـ المشغول بانفجار بوسطن الذي أودى بحياة ثلاثة أشخاص ـ بسبب نقص الأدلّة، والتحرّك الجاد لردع القاتل ولجمه.
حاقد مدلّل تقف من خلفه طائفة بلهاء تأتمر بأمره منها الشبيحة وميليشيات لبنانيّة وعراقيّة، جاءت من كل حدب وصوب لتنتقم من النواصب باسم الحسين، ومعهم راجمو الصواريخ وقاصفوا القنابل، لا يتورّعون عن انتهاك أعراض الحرائر، واستخدام صنوف أسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليّاً، مشحونين بالحقد الطائفي الذي تعلّموه في مدرسة إسماعيل الصفوي، لا يخشون الله ولا يستحون من الناس، وكأنّ هذا الكون لا مدبّر له، ولا عدالة في أرضه.
لقد طال انتظار أحرار العالم لوضع حدّ لهذه الجريمة المستمرّة، وإلجام هذا السادي المدلّل بلجام من نار.