نتنياهو قوميسار ثقافي جديد في إسرائيل
نتنياهو قوميسار ثقافي جديد في إسرائيل
نبيل عودة
رغم ان جائزة إسرائيل للآداب لا تخصنا نحن المواطنين العرب، إلا ان الطريقة التي تصرّف فيها رئيس الحكومة بيبي نتنياهو تشير إلى ما هو أكثر خطرا وأبعد كثيرا من مجرد جائزة أدبية. تبرز التفكير الفاشي الذي يسود مؤسسات سلطة نتنياهو بكل ما يتعلق بالثقافة وحرية التعبير وحق الرأي وحق الاختلاف.
على إثر تدخل مكتب رئيس الحكومة نتنياهو في تركيبة لجنة جائزة إسرائيل للآداب، وقيامه بفصل اثنين من أعضاء لجنة التحكيم، لأنهما ضد الاحتلال وضد الخدمة العسكرية الاحتلالية، تفكّكت اللجنة إثر استقالة أعضائها احتجاجا على سلوك نتنياهو وإقحامه لمعايير غريبة عن الثقافة في إجراءات اختيار اللجنة وأسماء الذين يستحقون الفوز بالجائزة. كتب المستقيلون إلى المسؤول عن جائزة إسرائيل في ديوان نتنياهو، دافيد فلابر، ان تدخل نتنياهو هو تسييس لأهم جوائز إسرائيل، وأعقب ذلك سحب أبرز الأدباء الإسرائيليين لترشحهم لجائزة "نتنياهو" ومنهم سامي ميخائيل ودافيد غروسمان.
العاصفة التي أثارها قوميسار الثقافة نتنياهو لم تتوقف هنا. وعقب الصفعة التي وجهها نتنياهو للثقافة والمبدعين أصدر كبار الكتاب والأدباء الإسرائيليين عريضة ضد قرار نتنياهو، من بين الموقعين عليها دافيد غروسمان، ايغي مشعول، حانوخ بارطوف وحاييم غوري. طالبوا فيها نتنياهو بالتراجع عن قراره و”السماح لجائزة إسرائيل بالبقاء محترمة تحترم الأبحاث والإبداع في الثقافة الإسرائيلية”.
هذا التصرف أعاد إلى ذاكرتي مرحلة بائسة من العهد السوفيتي، حين كان مستشار ستالين للثقافة أندريه جدانوف ينظّر بطريقة مماثلة للآداب والثقافة عامة تتطابق تماما مع تفكير ونهج السيد نتنياهو، الذي يريد ان يفرض نهجه الديكتاتوري على الإبداع الأدبي والثقافي في إسرائيل بجعل الإبداع الأدبي متماثلا مع سياسة اليمين المتطرف، مع سياسة الاحتلال، الحصار، القمع وسياسة التمييز العنصري. جدانوف وصم مرحلة كاملة باسمه وصفت بـ "الجدانوفية"، فرضت على الأدب السوفييتي نهجا انغلاقيا ألحق الضرر بالدولة السوفيتية واشتهر جدانوف بصيغة "قوميسار الثقافة" وهو تعبير عسكري.
من موبقات نهج تأميم العقول وقمع الإبداع الثقافي السوفيتي الذي تواصل بعد ستالين ايضا (الذي يكرره نتنياهو بصيغة إسرائيلية) كان طرد وتجريد الكاتب الكبير سولجينتسين من جنسيته السوفيتية عام 1974 وهو في منفاه، وتعرض الشاعر والروائي بوريس باسترناك لحصار شديد لقيامه بكتابة روايته الرائعة "دكتور جيفاكو" التي منعوا نشرها في وطنه وكان تبريرهم في منعها أنها تسيء إلى الثورة البلشفية، المضحك ان منعها صدر عن المنظر الأيديولوجي للحزب ميخائيل سوسلوف من دون ان يقرأها وإنما اعتمد على إيجاز لها كتبه احد قوميسارات الثقافة فاضطر أصدقاء باسترناك إلى تهريب "دكتور جيفاكو" إلى الغرب ونشرت الرواية هناك ومنح باسترناك جائزة نوبل للآداب عنها، ثم تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي قام ببطولته عمر الشريف. الرواية لم تكن أبدا معادية للثورة البلشفية، إلا إذا اعتبرنا نقد التصرفات الغوغائية عداء.
قوميسارات الثقافة وانغلاقهم وحصارهم لكل ما يكتب وينشر كان وراء انتحار الشعراء سيرغيه يسنين، آنا اخماتوفا وماياكوفسكي، عدا نفي وسجن عشرات المبدعين ومنع نشر أعمالهم.
اشتهرت الجدانوفية في العالم كرمز للقمع الثقافي وقمع المبدعين الذين لا يلتزمون بتوجيهات وقيود جنرالات الثقافة.
تميز اندريه جدانوف مثل نتنياهو بنظرته المتصلبة للثقافة والإبداع الثقافي والفني، في وقته طرح رؤية سياسية طبقية متزمّتة للأدب اعتمد فيها شعار الفن في خدمة المجتمع/ نتنياهو يطرح رؤية متصلبة ضد الأدب الذي لا يخدم الاحتلال والعنصرية الإسرائيلية. جدانوف كان قصده خدمة النظام القمعي القائم، تدخّل في الكثير من الأعمال الأدبية والفنية لفرض شخصية البطل من مفهومه الطبقي الستاليني المنغلق، الذي ألحق الضرر بالفكر الماركسي نفسه، منع نشر عشرات الروايات السوفيتية الرائعة، التي لقيت رواجاً كبيراً عند نشرها، بعد فترة ستالين. نتنياهو ديمقراطي، لا يمنع نشر الأدب الذي ينتقد سياسته واحتلاله، كل ما هنالك انه لا يريد الأدباء المعارضين لنهجه اليميني المتطرف في المشهد الثقافي الإسرائيلي، بالتالي لا يستحقون جائزة إسرائيل للثقافة لأنها يجب ان تكون جائزة القوميسار نتنياهو للثقافة.. ربما يريد ان يحول الأدباء إلى جامعي قناني فارغة للبيع...
الجدانوفية في الأدب والفنّ أصبحت تعبيراً عن قمع حرية الإبداع وحرية الفكر وحق التعددية الثقافية وألحقت الضرر بالأدب السوفيتي وبنظرة العالم للدولة الاشتراكية/ نتنياهو لم يقع بعيدا عن مفاهيم جدانوف الثقافية بظنه انه المؤهل للتنظير الثقافي، فخرج بصبغة استبدادية جدانوفية ضد أدباء أصحاب ضمير يرفضون الاحتلال وقمع حقوق الإنسان ومن أجل المساواة والتحرر.
أكاد أرى جدانوف يتحرك في قبره، ويتمنى أن يجد وظيفة في مكتب رئيس الحكومة نتنياهو إذا فاز مرة أخرى بالعودة لرئاسة الحكومة..