قراءات وتوقعات لمنطقة الشرق الأوسط عام 2013

قراءات وتوقعات

لمنطقة الشرق الأوسط عام 2013

أ. وضاح خنفر

المدير السابق لقناة الجزيرة الفضائية

في تقرير له في صحيفة (هوفنغتون بوست) عن الإتجاهات والتيارات الاستراتيجية الرئيسية في الشرق الأوسط لعام 2013، قال المدير السابق لقناة الجزيرة، وضاح خنفر،:

ثمة حالة من الانتقال والمتغيرات الاستراتيجية المتلاحقة في المجالين المشرقي وعلى صعيد الساحة الدولية، تجعل من استشراف المستقبل أمراً محفوفاً بالمخاطر. ولكننا سنحاول في ما يلي رصد أبرز التيارات الاستراتيجية المتوقعة لعام 2013، اعتماداً على التفاعلات الجارية بالفعل، أو المتغيرات التي تشكلت في العامين الماضيين ويتوقع أن تتعمق أكثر في العام الجديد.

سوريا

من المتوقع أن يتصدر الوضع في سوريا مقدمة التيارات الاستراتيجية في المشرق العربي ـ الإسلامي، وأن ينهار نظام بشار الأسد خلال هذا العام. وبانهيار النظام ستنتقل البلاد إلى المرحلة الثانية من مسار التغيير، وهي مرحلة لا تقل صعوبة عن العامين الماضيين من الثورة؛ إذ ستحاول القوى المعادية للثورة أن تخلط الأوراق وتُشيع الفوضى وفقاً لشعار: إما أن تكون سوريا لنا أو لا تكون لأحد؛ بينما ستحاول القوى التي تُساند الثورة وتلك المترددة في دعمها أن تُكيّف مسار الانتقال بالشكل الذي يتفق مع توجهاتها ومصالحها. مثلاً، ستدفع الولايات المتحدة والقوى الغربية وبعض القوى العربية باتجاه قيام نظام سوري "معتدل"، أي بعيد عن التيار الإسلامي وقريب من الغرب وغير معادٍ (لإسرائيل). أما تركيا ومصر وقطر ودول عربية أخرى فمن المتوقع أن تدفع باتجاه انتقال سياسي سوري على غرار التجربتين التونسية والمصرية.

وعلى صعيد الوضع السياسي السوري فمن المتوقع أن يشهد 2013 تشكلات وتكتلات سياسية تنتظم فيها قوى الثورة المختلفة، استعداداً لخوض غمار مرحلة التحول، وستتعدد مرجعيات هذه القوى سياسياً وأيدلوجياً، وسيُمثل بعضها مصالح إقليمية ودولية في سوريا، وعلى الأغلب فإن تياراً وطنياً بمرجعية إسلامية عامة، سيصبح التيار الأكثر حظاً في الساحة السياسية. وسيكون على القوى المختلفة أن تُبقي مرجعية الانتقال السياسي سورية صرفة، وألا يُرتهن قرارها لأطراف أجنبية، وأن تسعى إلى تقصير فترة الانتقال السياسي بشكل يحتوي الاستقطابات الداخلية الحادة، ولا يُعطي فرصة طويلة للأطراف الخارجية لتعطيل المسار الإنتقالي وتعقيده.

العراق

من المتوقع أن يزداد التوتر في العراق طردياً مع قرب انهيار النظام السوري، وستجد حكومة المالكي نفسها محصورة بين تيارين: الأول، إيراني، ويدفع باتجاه تعزيز السيطرة على العراق، سواء لأن أهمية العراق لإيران ستزداد بعد خسارة سوريا، أو لأن العراق هو في حد ذاته بالغ الأهمية لإيران من النواحي الاستراتيجية والديموغرافية والإقتصادية. وتحتاج إيران وقتها أن تُعزز نفوذها بإحكام، وهو ما سيدفع المالكي باتجاه خيارات إستبدادية إقصائية، تستهدف القيادات السنية والكردية وحتى بعض القيادات الشيعية المنافسة له. أما التيار الثاني،الذي سيُشجعه سقوط النظام السوري، فسيكون باتجاه تصعيد المطالب السنية والكردية من أجل تحقيق توازن طائفي وتوزيع للسلطة أكثر إنصافاً. وتصب أهمية الحراك الشعبي العراقي الذي انطلق منذ نهاية كانون الأول (ديسمبر)، في هذا الاتجاه. وسيتوقف مصير هذا الحراك على عدة عوامل، أهمها: النجاح في تعزيز صورته الوطنية؛ الموقف الكردي، سيما موقف البارزاني؛ إدراك القيادات السياسية الشيعية للعبء الذي بات يُمثله المالكي على وضع الشيعة في العراق؛ ورد فعل المالكي نفسه. إن إي تصعيد عسكري ـ أمني من قِبل المالكي، سيدفع الأوضاع باتجاه إنفجار العنف. وسيكون المالكي قد ارتكب خطأً استراتيجياً بالغاً في حال دفع الأوضاع نحو العنف؛ إذ سرعان ما سيتحول العراق إلى ساحة صراع إقليمي، لن تقف تركيا ودول عربية أخرى منه موقف المتفرج. وإن كان النظام السوري قد سقط، فستميل موازين القوى ضد إيران. مهما كان الأمر؛ فمن وجهة نظر الأتراك والعرب، لا يمكن أن يبقى العراق تحت الهيمنة الاستراتيجية الإيرانية المتمثلة بحكومة المالكي. ومن هنا، فمن المتوقع أن يكون الصراع في العراق محلياً، ولكن بأبعاد إقليمية، وهذا ما يدفع للاعتقاد بأن الشأن العراقي سيتصدر المرتبة الثانية بعد الشأن السوري لعام 2013.

وقد شهدت الأسابيع الأخيرة من 2012، بالفعل، تصعيداً بين حكومة المالكي وبين قيادة الأقليم الكردي حول ملفات متعددة، مثل الأمن والنفط وحدود صلاحيات الإقليم. ومن الواضح أن هناك أزمة ثقة كبيرة بالمالكي، لدى الأكراد والسنة على السواء. ومن المتوقع أن يلتقي الغضب السني ـ العربي مع التخوف الكردي ليُشكل جبهة مشتركة ضد حكومة المالكي، وعندها ستتجه الأحداث في واحد من مسارين: سياسي أو عسكري. قد ينتهي الخيار السياسي إلى اتفاق بتشكيل حكومة وحدة وطنية عراقية، تُهيء الأجواء لانتخابات حرة ونزيهة. أما الخيار الثاني، فهو خيار المواجهة والتصعيد.

إيران

من المتوقع أن يكون هذا العام ساخناً بالنسبة لإيران، التي أصبح عليها مواجهة عدد من الاستحقاقات؛ فخسارتها للنظام السوري، واضطراب سيطرة المالكي على العراق، والأزمة الإقتصادية المتعاظمة نتيجة للعقوبات، والأهم من ذلك كله الملف النووي واحتمالات المواجهة مع (إسرائيل) والغرب، ستضع جميعها إيران أمام خيارات إقليمية ودولية حاسمة.

الخيار الأسلم الذي يمكن لإيران أن تفكر فيه ينحو باتجاه تقبل المستجدات التي يُفرزها "الربيع العربي" والتعامل معها إيجابياً من خلال تفاهم إيراني ـ تركي ـ عربي، يحفظ مصالح الأمم الثلاث ويوقف التعبئة الطائفية المتصاعدة؛ ومن ثم يتعامل مع (إسرائيل) والغرب بطريقة تُبعد شبح الحرب. إن ما يُغري بهجوم عسكري على إيران هو شعور القوى الغربية بأن إيران متورطة إقليمياً، وأنها معزولة عن محيطها، وسيكون من الصعب أن تُستهدف إيران لو أن الدول الرئيسية في المنطقة توصلت إلى لتفاهمات استراتيجية مشتركة.

ومن جهة أخرى، فإن خيار الصفقة الأمريكية ـ الإيرانية ممكن نظرياً، ولكنه صعب عملياً. إن خسرت إيرانُ سوريا وحوصر نفوذها في العراق، واشتد الحصار الإقتصادي عليها، وبقيت حالة التوتر قائمة بينها وبين محيطها العربي والتركي، فستكون أمام خيارين في ما يتعلق بنزاعها مع الغرب: أحدهما، المضي في برنامج التخصيب النووي، مما يضعها في مواجهة محتومة مع (إسرائيل) وأمريكا؛ والخيار الآخر، أن تسلك سبيل الحوار المباشر مع إدارة (أوباما) من أجل صفقة سياسية. يُدرك القادة الإيرانيون أن إدارة (أوباما) ليست متحمسة لضربة عسكرية ضد إيران، ويسرها أن تجد مخرجاً غير عسكري. وسيسعى وزير الخارجية الأمريكي الجديد للبحث عن تفاهم مع إيران يُحقق فيه إنجازاً سياسياً كبيراً؛ وقد تتعزز إحتمالية هذا التفاهم بعد الانتخابات الإيرانية القادمة، خصوصاً إذا وصل علي لاريجاني إلى سُدة الرئاسة، إذ يعتقد (جون كيري) أن لاريجاني جدير بالتواصل معه.

غير أن المفاوضات الأمريكية ـ الإيرانية، إن بدأت، ستكون عسيرة، لأنها ستصطدم بخلاف جوهري، يتعلق بأبعاد الصفقة المطلوبة..تريد أمريكا صفقـة محدودة، تقتصر على الملف النووي، بينما تريدها إيران واسـعـة تشـمل، بالإضافـة للملف النووي، قضايا أخرى تتعلق بضمان أمن النظام الإيراني وشـرعيتـه الدوليـة واعتراف أمريكا بمصالح إيران الإقليميـة في العراق والخليج. إن قبلت واشنطن بهكذا أُفق للمباحثات، فعندها يمكن لإيران التوصل إلى "صفقة كبرى"، تستحق أن تقدم من أجلها تنازلات نووية. ولكن هذه الصفقة تبدو بعيدة المنال في ضوء توازنات القوى الإقليمية والدولية الحالية.

تصاعد حدة التنافس الإيراني ـ التركي

شهد عام 2012 تصاعداً في حدة الخطاب السياسي بين تركيا وإيران، وهو توجه من المتوقع أن يتعمق في 2013، لعاملين رئيسين:الأول، إقليمي تُغذيه الأحداث في سوريا والعراق؛ فلكل من إيران وتركيا مصالح استراتيجية متباينة في الدولتين الجارتين: بالنسبة لإيران، ستكون خسارة نظام بشار الأسد فادحة، وستسعى طهران إلى تعويضها من خلال تعزيز قبضتها على العراق، وإنهاك سوريا ما بعد الثورة حتى لا تصبح قادرة على بناء دولة مستقرة متحالفة مع جوارها التركي وعمقها العربي.

والسبب الثاني، دولي، إذ من المتوقع أن يشهد 2013 مزيداً من التراجع في الدور الأمريكي في المنطقة العربية على صعيد النفوذ الاستراتيجي، لاعتبارات إقتصادية وأخرى استراتيجية؛ فالولايات المتحدة ستبدأ بالتركيز على احتواء الصين، وستوجه كثيراً من إمكاناتها الاستراتيجية باتجاه المحيط الهادي، لا سيما مع تصاعد حدة التوتر بين الصين واليابان حول الجزر المتنازع عليها.

تراجع إهتمام القوى الغربية بالشرق الأوسط سيُحدث فراغاً استراتيجياً، وعندها ستجد الدول الإقليمية الفاعلة مساحة أوسع للتحرك في المنطقة من أجل ملء الفراغ الاستراتيجي، وسترى فيه إيران فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي، بينما تستمر ـ حتى الآن على الأقل ـ ضمن المحور الروسي ـ الصيني، وهو ما سيزيد من استفزاز تركيا التي تُراودها مخاوف عميقة حيال تصاعد النفوذ الروسي لأسباب عديدة، منها ما هو تاريخي ومنها ما يرتبط بتنافس روسي ـ تركي حول النفوذ في القوقاز وخطوط نقل الطاقة إلى أوروبا. هذا، بالإضافة إلى أن القوى الغربية التي ستستمر في دعم دور إقليمي تركي لتعويض انسحابها الجزئي من المنطقة، ومن أجل مواجهة المحور الروسي ـ الصيني ومحاصرة امتداداته الإقليمية.

صحيح أن الروابط بين هاتين الجارتين، إيران وتركيا، عميقة الجذور، سكانياً واجتماعياً واقتصادياً، وأن خيار المواجهة المباشرة بين الدولتين سيكون باهظاً ومُستبعداً، ولكن التنافس بينهما سيدفع إلى صراع بالوكالة، يستخدم فيه الطرفان وسائل تتراوح بين دعم مالي وسياسي للقوى المتفقة مع توجهاتها واستخدام مجموعات معادية لشن هجمات عنيفة على الطرف الآخر. وهنا، قد يتعزز دور أطراف مثلحزب العمال الكردستاني في حرب الوكالة المتوقعة، وسيُكثف الحزب بدعم إيراني عملياته ضد تركيا، ما لم تنجح تركيا في جهودها الحالية لفتح ملف حل المسألة الكردية. من جهة أخرى، سترد تركيا بدعم مجموعات مناوئة للنظام الإيراني. وستضع مثل هذه المواجهة غير المباشرة الدولتين في مناخ تدافع تصاعدي؛ ولكن من المستبعد أن يصل إلى صدام عسكري مباشر. ويمكن بالطبع تدارك هذا التدهور إن قبلت إيران بالتعامل مع المصالح العربية والتركية بمنطق الشراكة الحقيقة، لا التمدد الاستراتيجي على حساب الجيران.

مصر

من المتوقع أن تستمر حالة الانتقال في مصر وما يُصاحبها من توتر سياسي واضطراب اقتصادي لعدة شهور أخرى؛ ولكن ذلك لن يؤدي إلى تغيرات جوهرية في التركيبة السياسية. سيُحافظ الإسلاميون، على الأرجح، على حضورهم القوي في الانتخابات التشريعية القادمة، وهو ما سيدفع المعارضة للاستمرار في نشاطها الهجومي سياسياً وإعلامياً، بينما سيُحاول الإسلاميون طرح صيغ توافقية لتخفيف حدة الإستقطاب السياسي الحالي. وعلى الأغلب، فإن المعارضة ستمضي في رفضها لمثل هذه الصيغ، لأنها تشعر بأن مهاجمة الإسلاميين والرئاسة سياسياً سيكون أجدى من الدخول معهما في صفقات، لا سيما مع تفاقم الأزمة المالية التي تستخدمها المعارضة للتهجم على الحكومة وإستقطاب تعاطف الطبقات الشعبية المتضررة. ولكن ذلك كله لن يؤدي إلى تغيير الخارطة السياسية المصرية بشكل جذري خلال 2013.

الربيع العربي

ستستمر حالة الانتقال في دول "الربيع العربي" الأخرى (تونس، ليبيا واليمن)، ويستمر معها الصراع السياسي والتنافس الحزبي على أشده. ونظراً لضعف الثقافة الديمقراطية والتجربة السياسية وافتقاد قواعد اللعبة السياسية في مناخ تعددي ديمقراطي، فمن المتوقع أن يتواصل انفجار الأزمات والإضطرابات، وتستمر التيارات السياسية في محاولة تثبيت وجودها وإقصاء الآخر بكل الوسائل الممكنة. ولكن هذه مرحلة مؤقتة، إذ سرعان ما ستُدرك الأطراف المختلفة حقيقة أحجامها السياسية، ويكتشف الجميع أن أصل العمل السياسي الديمقراطي هو في التعامل مع الآخر، وما يتبعه من لجم الهوى السياسي المعظِّم للذات الحزبية أو الأيدلوجية والمُشَيطِن للآخر. إن استمرار حالة الإحتراب السياسي ستضر بالواقع الإقتصادي والتنموي، مما يزيد الأعباء الاقتصادية على الجماهير، وهو ما سيُثير أجواء شعبية ضاغطة على الأحزاب والقوى السياسية من أجل الحوار والتوافق. ومن هذا المنطلق، فقد يشهد 2013 انطلاق مبادرات فكرية وسياسية للبحث عن إجماع سياسي، يُحافظ على التنافس الحزبي ويؤسس لإجماع وطني على المسائل الكبرى، في الوقت ذاته.

فلسطين

سيتوجه الناخبون الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع، ومن المتوقع أن يفوز رئيس الوزراء الحالي (بنيامين نتنياهو) وحلفاؤه من أقصى اليمين بأغلبية تُمكنهم من تشكيل الحكومة القادمة، وبالتالي فإن الانتخابات الإسرائيلية ستُكرس السياسة اليمينية المتشددة في (إسرائيل)؛ إلا أن ضغوطا أمريكية وغربية قد تدفع باتجاه استئناف عملية التفاوض، وستكون كسابقاتها مفاوضات شكلية، وفرصة لالتقاط بعض الصور وكسب الوقت.

وعلى الجانب الفلسطيني الداخلي، فإن تفاوضاً أكثر جدية قد ينطلق برعاية مصرية بين "فتح" و"حماس" لإنفاذ بعض البنود المتعلقة بالمصالحة، ولكن التوصل إلى مصالحة تامة بين الفصيلين الرئيسيين أمر متعذر، لأن أصل الخلاف سياسي، وهو خلاف عميق، وما لم يتفق الطرفان على رؤية سياسية مشتركة فإن الاختلاف سيكون أقرب من المصالحة. في مقابل مصالحة كاملة، لا بد أن يتحرك عباس جدياً وبصورة حثيثة على صعيد إعادة بناء منظمة التحرير. وهذا ما لا يستطيعه عباس في هذه المرحلة، لإن إعادة بناء المنظمة قد تأتي "بحماس" بقوة إلى اللجنة التنفيذية، وربما حتى إلى رئاسة اللجنة التنفيذية.

وينبغي مراقبة التطورات السياسية في داخل الفصائل الفلسطينية على اختلافها؛ فمسألة خلافة محمود عباس ستكون حاضرة في أوساط "فتح" والسلطة الفلسطينية، وقد تدفع باتجاه تحالفات تنظيمية وديناميات جديدة. أما بالنسبة "لحماس"، فمن المهم مراقبة نتائج اجتماع مجلس الشورى القادم للحركة، وفي ما إن كان خالد مشعل سيبقى على رأس قيادة الحركة، أم ستنتقل القيادة لواحد من القياديين: موسى أبو مرزوق أو إسماعيل هنية. وعلى أية حال، ومهما كانت نتيجة الاجتماع، فإن "حماس" ستشهد حِراكاً تنظيمياً داخلياً باتجاه تفعيل هياكلها وتجديد رؤيتها السياسية، وهو ما تُمليه اعتبارات المرحلة، لا سيما المتغيرات التي أحدثها ويُحدثها "الربيع العربي"، وما يتبعه من تحالفات ومحاور استراتيجية جديدة.

الإسلام السياسي

تمر حركات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، حالياً بحالة انتقال عميقة، وسبب ذلك أن معظم التراث السياسي لهذه الحركات تشكل أثناء ممارسة العمل المعارض. لقد تم استهداف هذه الحركات من قِبل الأنظمة الحاكمة عقوداً طويلة، وأفرز ذلك روحاً تنظيمية تدعو لتنقية الصف وتعزيز الهوية، من أجل المصابرة والثبات في وجه محاولات تجفيف الينابيع واجتثاث العروق؛ غير أن "الربيع العربي" أوصل هذه الحركات الإسلامية على عجل إلى صدارة القيادة من دون فترة إنتقالية ولا مراجعة للمنهج والخطاب، ووجدت هذه الحركات نفسها تُمارس الحكم بدون تجربة عريقة. أوقع هذا التغيير السريع في المواقع الحركات الإسلامية في أخطاء، تفرض بالتالي مراجعة شاملة لمناهجها وخطابها، ولن يكون ذلك يسيراً؛ فضرورات الانشغال الآني بالتطورات السياسية المُلحة سيغلب محاولات التفكر والتأمل والمراجعة. ولذلك، فمن المتوقع أن يفرز الواقع الإسلامي أفراداً ومجموعات تأخذ على عاتقها القيام بهذه المهمة، مما سيُثير جدلاً أيدلوجياً بين دُعاة التجديد ومجموعات أكثر محافظة. وسيكون دُعاة التجديد، على الأرجح، أكثر قبولاً، على اعتبار أن الواقع السياسي والإقتصادي لبلدان "الربيع العربي" يدفع باتجاه الانفتاح والتجديد.

أما المسألة الأخرى الجديرة بالمتابعة فتتعلق بتطور الخطاب السياسي للتيارات السلفية المنخرطة في العمل السياسي، التي لم تُتح لها هي الأخرى الفرصة لكسب تجربة سياسية ولا تطوير خطاب مناسب للعمل السياسي، ووجدت  ـ كما الإخوان ـ نفسها أمام استحقاقات سياسية عاجلة. وربما يدفع التحالف بين الإخوان والسلفيين في الأزمة المصرية الأخيرة في أحد اتجاهين: الأول، وهو الأكثر إيجابية، أن يقترب الخطاب السياسي السلفي من رؤية الإخوان السياسية من حيث الجوهر، بينما يحاول المحافظة على صبغته المحافظة من حيث الشكل. الاتجاه المحتمل الآخر، وهو الأكثر سلبية، أن يصبح الإخوان أسرى لهذا التحالف، من أجل مواجهة ضغوط القوى السياسية غير الإسلامية، ويدفعوا بالتالي لموقف محافظ وكبح تيارات التجديد في صفوفهم.