الفلسطينيون الجدد 2
د. انيس فوزي قاسم
سبق ان نشرت مقالاً بالعنوان نفسه في جريدة «القدس العربي» (تاريخ 31/12/2014) يتحدث عن ظهور طبقة جديدة من القيادات الفلسطينية تجيد المداهنة واللعب على الكلمات وفعل ما لا يقولون.
ولاضافة دليل جديد على حرفــــية هذه الطبقة من الفلسطينيين الجدد في المداهنة، أسوق ما جرى من تعديلات قيل إن الفلسطينيين الجدد أدخلوها على مشروع القرار، الذي طرح على مجلس الأمن الدولي الاسبوع الماضي، وقيل آنذاك إن ادخال هذه التعديلات كانت تلبية لملاحظات وردت من مختلف الفصائل الفلسطينية.
من الثابت ان هذه الملاحظات أدخلت على مشروع القرار قبل طرحه للتصويت، إلاّ انه يجب التدقيق في أين ادخلت هذه التعديلات.
ولشرح الأمر، فانه من المعلوم والمتبع في صياغة مشاريع قرارات الامم المتحدة، سواء مشاريع قرارات مجلس الأمن الدولي او الجمعية العامة، أن يصاغ المشروع على قسمين، الاول ويسمى بـ»الديباجة» وهي عادة تتم صياغتها على النحو التالي (كمثال): «ان مجلس الامن، ادراكاً منه… وتأكيداً منه … وتذكيراً منه بالقرار…» وبعد ان يعدد الحيثيات التي سوف تكون مقدمه للقرار، يدخل مشروع القرار في القسم الثاني وهو صلب القرار، حيث يبدأ في تعداد الفقرات التي دعي المجلس لإقرارها وذلك بقوله على النحو التالي (كمثال): 1- يقرر انه… 2- يعيد تأكيده على القرار رقم … 3- يطلب من الاطراف …» وهكذا. هذه الفقرات هي ما يعتد بها عند متابعة تنفيذ القرار، أما «الحيثيات» أو «الديباجة» فلا قيمة قانونية لها، لاسيما اذا كانت الحيثيات ليست ذات علاقه مباشره بصلب القرار.
هذا ما فعله الفلسطينيون الجدد في مشروع القرار الذي قدمه الأردن إلى مجلس الأمن للتصويت عليه. فالتعديل الاول ادخل على ديباجة المشروع بقوله إن المجلس «يعيد تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والاستقلال في دولته الفلسطينية والقدس الشرقية عاصمتها»، هذه إضافة لم تكن موجودة في النص الأصلي، وانما اضيفت الى ديباجة المشروع، إلاّ انه حين وصلنا الى صلب القرار نجد ان الفقرة رقم (2) التي تحدثت عن «المعايير»، أشارت في المعيار الرابع فيها الى «حل عادل لوضع القدس كعاصمة للدولتين، التي تحقق الطموحـــات المشروعة للطرفين وتحمي حرية العبادة؛» وهكذا يتضح ان ما ورد في ديباجة المشروع من اعتبار القدس عاصمة لدولة فلسطين تم الغاؤه بما ورد في صلب المشروع.
وهذه طريقة ابتدعها الفلسطينيون الجدد في التعمية والمداهنة والالتفاف على المطالب الحقيقية للفلسطينيين، باضافة ما يطلبه الفلسطينيون في ديباجة مشروع القرار ولكنهم يسحبون الاضافة من صلب مشروع القرار.
وكمثال آخر على مداهنة الفلسطينيين الجدد، انهم اضافوا في ديباجة القرار نصاً يقول «انه استعادة للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية تاريخ 9 يوليو 2004 بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الاراضي الفلسطينية المحتلة»، وتوقفت الاضافة عند مجرد تسمية الرأي الاستشاري، بدون ان تشير الى ان هذا الرأي الاستشاري اعتبر القدس الشرقية «ارضاً محتلة» وجزءاً من الضفة الغربية، أو الإشارة الى عدم شرعية المستوطنات، أو حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، أو ان الجدار غير قانوني ويجب إزالته وتعويض الفلسطينيين الذين تضرروا من اقامة هذا الجدار، أو غير ذلك من المبادئ القانونية، التي حسمت الكثير من المشاكل الفلسطينية – الاسرائيلية. أما في صلب القرار، فقد سحب الفلسطينيون الجدد أي آثار قانونية وردت في الرأي الاستشاري.
وكمثال على ذلك، ورد في المعيار الثاني من البند الثاني «البحث عن ترتيبات أمنية بحضور طرف ثالث لضمان احترام السيادة لدولة فلسطين». الرأي الاستشاري رفض دفاع اسرائيل الأمني حين تذرعت بمقولة إن الجدار أقيم «دفاعاً عن النفس»، رفضت المحكمة الدولية ذرائع الأمن الاسرائيلية، حيث قالت المحكمة إن الاراضي المحتلة هي تحت السيطرة الفعلية لاسرائيل وبالتالي لا مجال للحديث عن حق الدفاع عن النفس. اما الفلسطينيون الجدد فقد استحضروا مقولات الأمن الاسرائيلية التي لا تنتهي ولن تنتهي، وأغفلوا ما قالته المحكمه الدولية. والرأي الاستشاري يقول إن «الاراضي المحتلة» هي الاراضي الواقعة ما بين خط الهدنة عام 1949 والحدود الشرقيه لفلسطين، كما رسمها الانتداب، أي أن الرأي الاستشاري لم يرسم حدوداً جغرافية او سياسية، إنما حدّد ما هو المقصود «بالأراضي المحتلة».
ورد في المعيار الأول من البند (2) من صلب القرار ما أشار اليه الفلسطينيون الجدد عن مبادلة اراض، أي ان الفلسطينيين سوف يعطون «شرعية» لأمر قالت عنه المحكمة الدولية إنه غير شرعي وغير قانوني وباطل ابتداء. فكيف يتسنى للفلسطينيين الجدد ان يحللوا ما حرّمه القانون؟! وكيف يجرؤ الفلسطينيون الجدد على رسم حدود فلسطين لكي يبادلوا اراض على اساسها؟
وقد سمعنا صباح يوم (3/1/2015) ان الفلسطينيين الجدد يعتزمون إعادة تقديم مشروع القرار مرة ثانية لمجلس الامن الدولي، وقد عُرف الفلسطينيون الجدد بالمثابره والعزم على إعادة إنتاج الفشل.
إذا ما صحّت الأخبار، فعلى قادة الفصائل أن يقفوا بحزم في وجه الفلسطينيين الجدد الذين لم يعرضوا مشروع القرار اساساً على اللجنة التنفيذية (تصريح قيس عبد الكريم، «القدس العربي» 31/12/2014)، وقبل ذلك، قالت الجبهة الشعبية ان المشروع عرض «شفوياً» خلال اجتماع القيادة الفلسطينية «القدس العربي» 22/12/2014. إن الواجب يقتضي منهم، وكذلك من ناشطي العمل العام، تحذير الرأي العام الفلسطيني من مداهنات الفلسطينيين الجدد وألاعيب الصياغة التي تعلموها من الامريكيين، ولا داعي للتذكير بأن الامريكيين اجرأ الساسة في قول ما لا يفعلون، وآخر مثال للنفاق انهم يدعون العالم علناً وصراحة لحماية حقوق الإنسان، ولكنهم يمارسون تعذيب السجناء السياسيين رسمياً في الخفاء!
٭ محام فلسطيني مقيم في الاردن
د. انيس فوزي قاسم