ملاقاة أهداف الثورة هي أساس الحل السياسي
بيان
أكّد التقدم النوعي للثوار على الجبهة الجنوبية، وتحرير ريف ادلب الجنوبي ، بما فيه معسكري وادي الضيف والحامدية ، والخسائر الفادحة للنظام وحزب الله في القلمون، والصمود الاسطوري لريف دمشق، ومعارك حلب الأخيرة ، حقيقة أوضاع النظام الذي يقف على حافة الهاوية، وتدهور الحالة النفسية وانهيارالمعنويات في صفوف قواته .فالفرار من المعارك والتهرب من الخدمة الإلزامية يتكرران باستمرار . كما تشتد حالة الأحباط والذعر والاهتراء وسط حاضنته ، وبروز تناقضات تصل إلى حد الصدام بين قواته وقوات حلفائه ، وانتشار الفوضى وعمليات السلب والخطف والاغتصاب في المناطق التي يسيطر عليها. ومما يزيد في حجم انهياره التدهور الإقتصادي المريع في جميع المجالات ، وتوقف الدورة الإقتصادية في البلاد . كان من نتائجها الانخفاض الحاد في قيمة الليرة السورية ، والارتفاع الجنوني للأسعار ، وتدهور معيشة الناس، وغياب شبه تام للحاجات الأساسية من الخدمات ( ماء ، كهرباء ، محروقات ) ، واتساع الفقر والجوع في دوائر واسعة من المجتمع .
في ظل هذه الأوضاع الداخلية ، يعمد النظام وحلفاؤه ، وكذلك الإعلام الغربي المتواطىء على تجاهل وطمس هذه الحقائق وتشويهها ، كي لا تتحول إلى رافعة سياسية واعلامية للثورة . ويتم تركيز الصورة على عين العرب – كوباني ، مع تجاهل الجرائم الوحشية والمجازر اليومية المتنقلة التي يرتكبها النظام بحق المدنيين . وابراز حالات شاذة هنا وهناك ، محدودة ومدانة من السوريين ، وتضخيم مواقف تظهر حالة الانقسام والتشظي في صفوف الثورة ، كي تدفع الناس لليأس من جدوى استمرار ثورتهم ، وتسويق المبادرات والدعوات للوصول إلى حلول عرجاء للأزمة السورية .
*** *** ***
في ظل الأوضاع الكارثية التي تمر بها سورية ، تكثر المبادرات المطروحة لتفعيل العودة إلى الحل السياسي . حيث نشهد حراكاً اقليمياً ودولياً متعدد المسارات والأهداف. فلدينا أفكار ديمستورا، والمبادرة المصرية ،والمبادرة الاردنية – الإماراتية المشتركة، وهناك التحرك الروسي وهو الأهم، والذي يتقاطع مع التحرك الإيراني، وكلها تتحدث عن ضرورة انهاء الأزمة السورية وايجاد مخرج لها . فقد عبرت الخارجية الأمريكية عن متابعتها للجهود الروسية الساعية لحل الأزمة، وعن تفاؤلها بالوصول إلى حل . وفي تقديرنا أن موقف الإدارة الأمريكية من الأزمة السورية في المرحلة الحالية لايختلف عن الموقف الروسي ، لأنها تعتبر أن حلها مؤجل .لذلك فهي لا تمانع أي تحرك يملأ الفراغ في الوقت الضائع ، دون أن تتحمل أية مسؤولية عن نتائج هذه التحركات .أما الرئيس المصري فقد تحدث عن وجود نية حقيقية لدى القيادة المصرية من أجل حوار مع اطراف المعارضة وجمعها مع النظام في مفاوضات مباشرة لحل الأزمة . ولا نستبعد أن نسمع في المستقبل القريب عن مبادرات أخرى أيضاً ، وكأن الأزمة السورية قد أضحت الشغل الشاعل للمجتمع الدولي بعد أن أهملها قرابة أربع سنوات .
*** *** ***
إزاء هذه التحركات لابد لنا من تسجيل الملاحظات التالية :
1 – هذه المبادرات والأفكار لا تستجيب لتطلعات شعبنا . كما تشكل مخالفة صريحة لقرارين دوليين صادرين عن مجلس الأمن ، يعتبران وثيقة جنيف1 وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات أساس الحل السياسي في سورية .
2 – الغريب في هذه المبادرات ، أنها تسعى ليس إلى انقاذ نظام على حافة الهاوية ، ارتكب بحق شعبنا جرائم ضد الإنسانية، أدانته كل المنظمات الدولية، فحسب، بل ترشح رأسه ليكون شريكاً في التفاوض ، وربما صاحب دور في مستقبل سوريا . إنها سابقة سياسية خطيرة تؤسس لمكافأة المجرم وتزيين وجه النظام بدلاً من تغييره . فإزاحة الأسد وطغمته المجرمة شرط لابد منه لفتح الباب أمام الحل السياسي السليم ، وبالتالي إقناع مجتمعنا بالتفاوض مع الأطراف الأخرى من النظام لإجراء تسوية تاريخية تلاقي أهداف الثورة وتحقق إرادة الشعب وتقبل بالنظام الديمقراطي .
3 – إنها مبادرات ناقصة ومجتزأة. تتجاهل مكانة ودور الثائرين والمحاصرين والمهجرين في حل الأزمة السورية ، فهم الطرف الحقيقي والأول الذي ينبغي وضع رؤيته موضع الاعتبار ومراعاة مطالبه ومصالحه .
4 – إن الدعم الروسي السياسي والعسكري للنظام قد وصل إلى طريق مسدود ، باتت أكلافه باهظة وغير مجدية . فتحركهم الأخير ، يأتي على خلفية أزماتهم الاقتصادية ، التي سببتها العقوبات الغربية وانخفاض اسعار النفط ، إضافة إلى محاولة تلميع سياساتهم وإعادة تأهيلها بعد وقوعها بالإخفاق والعزلة في كل من أوكرانيا والشرق الأوسط . والأمر ذاته ينطبق على ايران لكن بدرجة أشد ، إضافة إلى وضع النظام المقلق بالنسبة إليهما. فهما بحاجة إلى مخرج سياسي من شأنه الحفاظ على مصالحهما ما أمكن . وهناك أسباب أخرى منها التغيرات الطارئه على مواقف الدول الغربية وبعض المواقف العربية ، والتقارب الروسي التركي .
5 – في ظل هذه الأجواء والتحركات، نلحظ تراجعاً في أداء المعارضة، وخلافات في صفوف الثوار ، وبخاصة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة . من أجل ملاقاة هذه التحركات وكيفية التعاطي معها ، في وقت تقتضي فيه المصلحة الوطنية من الجميع إعادة النظر بالسياسات السابقة ، واستخلاص الدروس من تجربة السنوات الأربعة الماضية لتحقيق توافق سياسي جديد ينسجم مع تطلعات شعبنا ويلبي مطالب الثورة ، والتقدم ببرنامج سياسي موحد يطرح أمام المجتمع الدولي ، وأمام المبادرين حين الانخراط في مبادرات جادة في البحث عن حلول سياسية للأزمة السورية .
6 – نحن في حزب الشعب الديمقراطي السوري كنا وما زلنا ، قبل الثورة وخلالها ، من دعاة الحل السياسي للأزمات التي خلقها النظام ، والتي استفحلت كثيراً خصوصاً بعد مجيئ الأسد الأبن. والآن نؤكد تمسكنا بضرورة ايجاد مخرج سياسي من شأنه أن يوقف القتل اليومي ، وأن هذا الأمر اصبح حاجة ماسة لكل أبناء الشعب بمن فيهم أهل النظام . ونرى في مقررات جنيف1 أساساً صالحاً للدخول في تسوية تاريخية أساسها المحاسبة والمصالحة الوطنية ، تعيد الأمن والوحدة بين أبناء شعبنا ، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية .
*** *** ***
إن أي بحث في الحل السياسي ومحاولة تمريره بمختلف الأساليب بما يتعارض مع تطلعات شعبنا في الحرية والديمقراطية والكرامة ، لن يسهم في حل الأزمة . فشعبنا رغم كل ما أصابه من نكبات لن يقبل بحل يحول دون بلوغ أهدافه . وطريقه لتحقيق ذلك هو التوافق ووحدة الحركة والتنسيق بين جميع فعاليات الثورة، وتوحيد بنادقها باتجاه الهدف بصرف النظر عن ايديولوجية حاملها ، مادام سعيه منصباً على اسقاط النظام والظفر بالحرية ، في ظل دولة لكل مواطنيها دون تمييز أو اقصاء . إنها غاية الثورة ومعقد كفاحها .
دمشق 7 / 1 / 2015
اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري