في الثورة السورية.. قد يفقد الطفل أباه مرتين
في الثورة السورية..
قد يفقد الطفل أباه مرتين
محمد إقبال بلو
لاح لمجموعة من مقاتلي الجيش الحر كانت تتمركز عند أحد حواجز بستان القصر في حلب؛ طيف امرأة تتوجه إليهم.. باستغراب شديد راقبوا مشيتها السريعة باتجاههم. كانت تهرول إلى الحاجز وكأنها تسابق الزمن، أو تهرب من موت إلى حياة، على حد وصف أحد عناصر الحاجز. لكن المرأة لم تصل حاجز الجيش الحر بعدما تلقت رصاصات أطلقها حاجز قريب لقوات النظام السوري لتترك طفلا كانت تحمله بين يديها بمفرده.
يقول العنصر المرابط على الحاجز في حديث خاص: "المرأة قدمت من جهة حاجز تابع للنظام في جبهة بستان القصر، وفكرنا حينها بإطلاق النار عليها، إذ من المستحيل مرور أحد في وقت متأخر من الليل، لا سيما أن الساعة تجاوزت الحادية عشر ليلاً، إلا أنهم تريثوا عندما لاحظوا أنها تحمل طفلاً بين يديها. وقبل وصولها إلى مقاتلي الجيش الحر بثوان معدودة، أطلق عناصر حاجز النظام النار عليها بشكل كثيف فسقطت أرضاً هي وطفلها، ليشاء الله أن يزحف هذا الطفل بحركات عشوائية أدت إلى وصوله لحاجز الجيش الحر الذي يقوده الشيخ عامر".
الشيخ عامر، أحد قادة الحر، أنجبت زوجته قبل الحادثة بعدة أيام طفلة جميلة فرح بقدومها إلا أنها سرعان ما توفيت لأسباب يجهلها الرجل. جاء الطفل، فاتخذته زوجته ابناً لها بعد مقتل أمه، وبدأت ترضعه حليباً كان من المفترض أن يكون من نصيب طفلتها المتوفاة.
وفي اليوم الثاني قام عناصر حاجز الحر بسحب جثة الوالدة التي أثار مظهرها الريبة في نفوسهم، فقد كانت ترتدي لباساً عسكرياً تحت العباءة النسائية السوداء التي سترت كل جسمها، ولم تكن تحمل أية أوراق ثبوتية تدل على هويتها، ما جعلهم يعتقدون أنها إحدى عميلات النظام اللواتي قرر التخلص منهن. وآخرون كان رأيهم أن لباسها العسكري تحت العباءة دلالة على اغتصابها لدى الحاجز المذكور. وفي النهاية، تم دفن الأم ودفن نسب الطفل معها، ليصبح الطفل ابناً لــ"الشيخ عامر" الذي أطلق عليه اسم "حذيفة" نسبة لمسجد "حذيفة بن اليمان" القريب جداً من الحاجز.
وبحسب العنصر في الجيش الحر، "مع مرور الوقت أصبح هذا الطفل الصغير أحد معالم الحاجز، بل وكان يتلقى الرعاية والعناية من الجميع، فالكل يحبه ويحب والده الجديد، والجميع يعرفون قصته ويقصونها لبعضهم، ويتندرون بأن الطفل مجهول الأب والأم فوجد اباً وأماً خلال دقائق، كما يتحدثون عن ابنة الشيخ عامر التي توفيت وكيف عوضه الله بطفل صبي في الحال".
جبهة بستان القصر كانت إحدى أشد الجبهات حساسية، إذ أنها على تماس مباشر مع قوات النظام، كما أن قناصي النظام في المباني المرتفعة في الأحياء الغربية من المدينة كانوا يستطيعون كشف الكثير من مواقع تمركز الجيش الحر في المنطقة، ما يضطر الثوار إلى اعتماد ما يشبه التحصينات، حيث يضعون سواتر ترابية تارة، وبعض المواد أو السيارات والحافلات المحطمة أحياناً أخرى.
ومعبر بستان القصر الذي تم إغلاقه نهائياً كان من أخطر المعابر في العالم، حيث يقتل عدد من الأهالي لدى مرورهم فيه يومياً، بينما تميز بسيارت الإسعاف التي كانت تعمل ضمنه والتي كانت عبارة عن "عربات خضار" ينقل عليها المصابون.
وكان الشيخ عامر يحكي لأصدقائه كيف أن زوجته أحبت الطفل حذيفة كأنه ابن حقيقي لها، وأنه اعتبره ابناً له، حتى أن الكتيبة التي يقودها الشيخ عامر كانت تعتبر هذا الطفل أحد أهم عناصرها الذين يشكل غيابهم مشكلة نفسية لدى الجميع، فيما وجوده يضفي البهجة.
في جبهة عزيزة كان اليوم الموعود بالنسبة لــ"الشيخ عامر"، حيث قتل هناك أثناء المعارك، ليعود الطفل حذيفة يتيماً مرة أخرى، وليشاء القدر أن يفقد هذا الطفل أباه مرتين.