من يحمي المسؤولين المصريين من القانون الدولي؟

رأي القدس

بعد شهور من ضغوط عربية على بريطانيا لدفعها لإعلان جماعة «الإخوان المسلمين» تنظيماً إرهابياً، ولم تؤد الى النتيجة المطلوبة، يأتي إصدار المحكمة العليا البريطانية أمراً قضائيا بأن أعضاء الحكومة المصرية لا يملكون حصانة من المقاضاة في بريطانيا، والذي يتزامن مع الجولة الأوروبية الأولى للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ليضع الحكم المصري الراهن أمام حقائق الواقع مجدداً.

يؤكد القرار إمكان التحقيق مع المسؤولين المصريين لمعرفة هل هم متورطون في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهو أمر سيعيد تنبيه المسؤولين المذكورين، وهم سيعاودون التنبه والتذكر ما عاشوا، إلى وجود أزمة شرعيّة كبرى تحيق بوجودهم، تتعلّق بالطريقة التي تمّ فيها عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وكذلك بوجود أزمة قانونية تطال مسؤولياتهم عن أفعال أشارت منظمات حقوق إنسان عالمية ذات مصداقية، مثل منظمة العفو الدولية و«هيومن رايتس ووتش» إلى إمكان اعتبارها جرائم قتل جماعي حصلت خلال فض اعتصامي ميداني رابعة والنهضة.

وجاء القرار البريطاني بعد رفع محاميين فرنسيين دعوى قضائية ضد السيسي بعيد وصوله إلى باريس الأربعاء الماضي في زيارة رسمية، تتهمه بالمسؤولية عن «جرائم تعذيب وجرائم وحشية» في الفترة التي تلت أحداث 3 تموز/يوليو 2013.

وكان السيسي قد سمع نصائح لطيفة من البابا فرانسيس خلال زيارته للفاتيكان الاثنين الماضي طالبه فيها بـ «التعايش السلمي» خلال «المرحلة الانتقالية السياسية» في مصر، متطرقاً الى «حماية حقوق الإنسان والحرية الدينية»، فيما انهمك المسؤولون الايطاليون والفرنسيون في البحث في الشؤون الاقتصادية، وكان لافتاً في خطاب الرئيس المصري لحث الأوروبيين على الاستثمار في مصر قوله: «إن الدولة المصرية تحمي الفرنسيين إلى جانب حماية المصريين لهم»، وهو قول بليغ حقاً لو أن المصريين أنفسهم، بمن فيهم أهالي رفح الذين هدمت السلطات المصرية بلدتهم بيتاً بيتاً، محميّون هم أيضاً من العسف الأمنيّ، ليستطيعوا بعد ذلك حماية الفرنسيين وغيرهم.

والواضح أن المسؤولين المصريين منهمكون، تحت مسمّى «مكافحة الإرهاب»، في شق الوحدة الوطنية المصرية وتجريم كل من يواجه السلطات السياسية والعسكرية والأمنية الحاكمة، وكان مؤلماً تحميل «لجنة تقصي حقائق 30 يونيو» في مصر والتي شكلها الرئيس المصري السابق عدلي منصور، لمئات الضحايا الذين قتلوا وسجنوا وعذبوا، مسؤولية «أعمال العنف» التي تلت تاريخ عزل مرسي.

وتلا ذلك إقرار الحكومة المصرية مشروع قانون لمكافحة «الإرهاب» الذي سيمنح هذه الحكومة صلاحيات واسعة لحظر أي جماعات في تهم فضفاضة تتراوح من الإضرار بالوحدة الوطنية وصولاً الى الإخلال بالنظام العام، ويجرّم القانون قائمة طويلة من الأفعال التي يمكن مطّها وتلبيسها لأي اتجاه سياسي ترى السلطات الأمنية فيه إزعاجاً لها.

الاستثمارات الأوروبية الموعودة تمشي على سكّك لا علاقة لها بالتأكيد بالأمان الذي يعد المسؤولون المصريون به مواطني فرنسا وإيطاليا في مصر، فهذا الأمان، في ظل القوانين والممارسات التعسفية سيكون أمانا افتراضياً فحسب، بل تتعلّق بالدور المنوط بمصر إقليميا، وهي فواتير صغيرة يمكن دفعها للسلطات المصرية، ولا بأس بغضّ النظر عن انتهاكات حقوق المصريين، ما دام العمل جاريا على عزل الفلسطينيين في غزة، وتأمين حدود إسرائيل، وتأمين التغطية السياسية والعسكرية للعمل ضد الإسلاميين في ليبيا.

من المؤكد أن دعوات قضائية ستلاحق الرئيس المصري في أوروبا، وأن المسؤولين المصريين قد يتعرضون، بسبب حكم المحكمة العليا، لإمكانية التحقيق والمساءلة.

للمسؤولين المصريين أن يعدوا الأوروبيين بالأمان في مصر، ولكن السؤال هو من يحمي أولئك المسؤولين المصريين من القوانين الدولية، والأهم من كل ذلك: من يحميهم من حكم التاريخ؟