العقل المستقيل إذ يقوم بالمراجعة

أحمد مولود الطيار

العقل المستقيل إذ يقوم بالمراجعة

"ايديولوجي زمانه" نموذجا

أحمد مولود الطيار

[email protected]

في ردّه (ماذا بعد ؟ المراجعة المطلوبة) على مقالي (نتائج انتخابات الأمانة العامة لإعلان دمشق : هزيمة تيار أم عقلية ؟) دون أن يسميني ، يتحفنا الأستاذ " ايديولوجي زمانه " بنفخة استعلاء آرية ، تكاد شظاياها – النفخة – تصيبه في مقتل هو قبل غيره ، ويخلص " المراجع المذكور " في نهاية ردّه ، أن العيب ليس فيه وإنما في الآخرين حيث يقول : " نعم هناك أخطاء ارتكبناها في مسيرة العمل الوطني نجمت أساسا عن رغبة أكيدة منا بالحرص على جمع أكبر طيف وطني وتقديم الكثير من التنازلات ، وعن تغليب حسن النوايا بالآخرين عن القراءة الموضوعية للمسار الذي يتجه إليه هؤلاء "  ويخلص " مراجعنا " العتيد إلا أن " اللا هي فعل مراجعة وليست تعبيرا عن نزق أو مجرد رد فعل " .

يقول في موضع آخر من مقاله : " النقطة الهامة في قضية المراجعة هي في اختيار حلفاءنا وتحالفاتنا وفي عدم استيعاب التغيرات لدى أولئك الحلفاء ، وهي تغيّرات جوهرية لم نستوعبها بأحكام ، أو تجاهلناها تحت دوافع رغبة جامحة بالامساك بنهج التغيير واستيعاب ضروراته وحشد كل القوى من أجله " .

الوثوقي و " ايديولوجي زمانه " في جميع مراجعاته التي أجراها ، لم يجد عيبا ، إلا في طريقة اختيار الحلفاء ، وكل ما عدا ذلك ، كان منسجما وصحيحا وان تأخر في الوصول إلى أهدافه . فهو في " رده " ،  القابض على الجمر والقابض على الحقيقة والنكسات التي تعرض لها الحزب منذ خسرانه لمنتدى " جمال الأتاسي " ((لم يبين لنا " ايديولوجي زمانه "  كيف خرج المنتدى عن الخط الذي قام من أجله !! وما رأيه في اغلاق المنتديات الأخرى التي دفنت في مهدها ؟! وهل هي أيضا خرجت عن الخط ؟! كذلك عن أي خط يتحدث  ؟ ! ومن يرسم الخطوط ؟!  )) وصولا إلى تحالف إعلان دمشق يقرر : " في كل هذه التجارب كنا الأكثر امساكا بالهدف الذي قامت من أجله (أي المشاركة من أجل تقدم الوطن )" . القوسان وما فيها ل" ايديولوجي زمانه " وليس لي !!

بعد استعراض (...) ل أهدافه العامة ومبادئه واستراتيجياته المرحلية والبعيدة ، يعلن استنكاره وتعاليه وعصمته في جملة لا تخفى دلالاتها : " هذه هي المسائل التي يطالبنا البعض بمراجعتها " . ثم يتواضع قليلا ليقول : " هي فعلا كانت مجال حوار موسع في جميع مؤتمراتنا ومؤسساتنا القيادية .. " .

لا أخفيكم كابدت كثيرا في الحوار مع نص ايديولوجي مئة في المئة لا علاقة له  بالواقع ، تتداخل فيه المفاهيم مع الشعارات الرنانة والكثير من التناقضات مع اتهامات مبطنة ومعلنة والغمز واللمز الذي وصل إلى حد الاتهام المباشر والصريح باللاوطنية ، وإلا ما معنى قول " ايديولوجي زمانه "  : " بالنسبة لنا لا يمكن أن نختار التخلي عن هوية أوطاننا ولا أن نتماشى مع المشروع الاستيطاني الصهيوني ونقرّ بمشروعيته ليكون قاعدة للتسليم أو الاستسلام بدعوى الواقعية " ( النظام السوري في كل اتهاماته الرخيصة للمعارضة السورية  لم ينزل إلى هذا الدرك ) .

مشكلة (....)، أنه يدور في فضاء مغلق ،  قائم في ذاته ، تقوده أزمته نحو " النرفزة " ،  الجمود ثم الانحطاط والتخلف . الواقع الاجتماعي بكل تعقيداته وأزماته ومشاكله ، يغيّبه " ايديولوجي زمانه "  قسرا ، لأن مجرد النظر فيه ، يحرمه لذة الحلم ، لذة اليوتوبيا ، بتعبير أكثر مباشرة ، لذة الوحدة العربية . وإذ يصطدم فيه – الواقع – فانه .((  يقرر ))  المساهمة في حله وليته لم يفعل . لماذا ؟ لا يستطيع سنّ أدوات جديدة ( يعترف أن لبعض القوى من حوله مراجعات ويقرّ لهم حريتهم وهذا شأنهم .. لكنه يستنكرها ، لا لشئ ، سوى أنها هزت عقائده الراسخة .) فيمارس " المداورة " حسب " جان بياجيه " من جديد عبر طرق ماضوية وايديولوجية مفوّتة بدل أن تساهم في الحل تزيد من المشاكل وتعقدها .

اذن ، عقل هذا النموذج مقود ومحشو بأوهام وغيبيات تمارس سلطانها وجبروتها عليه ، محيلة إياه في خاتمة المطاف ، أشبه بال"روبوت " يتحرك بواسطة " الريموت كنترول " إن تعطّل فيه زر واحد شلّت قدراته تماما .

المشكلة الأخرى في هذا العقل الذي يمارس التفكير " مداورة " ليس فيما يعتنق فهذا شأنه ، إنما في النظرة المعيارية ، حيث العالم كلّه يجب أن يطابق مرجعيته وقيمه وثوابته مع ما يقوده ذلك إلى الانزلاق من حيث لا يدري في استصدار أحكام وتعميمات تمتلئ باليقين ، لذلك تتكرر في المقالة المنقودة جملة (.. عندما تؤخذ الأمور بحسن النوايا ) ربما مرتين ، وهذا إن قاد إلى شئ فانه يقود إلى مصيبة أخرى من مصائب هذا العقل وهي الثنائية ، فالشخص الايديولوجي ، ضحية  ثنائيات  تأسره : خير وشر ، حلال وحرام ، قبح وجمال ، وطني وعميل ، و هم ونحن . عدّة ضرورية للشخص / النموذج المشار إليه ، يقيم هويته ويؤسس لكيانه . من كانت هذه عدّته يجترّ نفسه باستمرار ويظل أسير قوقعته وأسير ردّ الفعل المتسرع ، النادم فيما بعد . و ، انظروا إلى جملة التصريحات التي خرجت بعد نتائج انتخابات " الأمانة العامة لإعلان دمشق " ، حيث سهل على هذا العقل تصنيف تيارين فقط في " الإعلان " وان بمسميات مختلفة : تيار السفارات وتيار منتقدي السفارات (عانت المعارضة من اتهامات النظام في هذا المجال) تيار قومي وتيار ليبرالي ، تيار يرى " الخطر داخلي فقط " وتيار " نرى الخطر خارجي أساسا " .

بعد أن " فلينا " هذا " العقل " ودخلنا إلى تجاويف وتلافيف دماغه يبرز هنا السؤال المهم : كيف يمارس هكذا عقل السياسة وكيف يلجها ؟

قطعا ، عندما تتحول الآيديولوجيا إلى طريق ذهاب بدون إياب وعندما تتكدس على شكل إيمانيات وعقائد لا يأتيها الباطل لا من خلفها ولا من قدّامها فان السياسة تتحول إلى يوتوبيا .

كان مخططي  في هذا المقال بعد اظهار عورات ونقائص النص /  الخطاب ،  الانتقال منه إلى مستوى الممارسة ، يساعدني في ذلك أمور كثيرة ، لكن ضرورات مهمة منعتني  . انما  أعود وأكرر،  المراجعة مهمة لنا جميعا ، قطعا ليست على طريقة " ايديولوجي زمانه " لأن من كانت " استراتيجيته المرحلية اعادة وحدة الجمهورية العربية المتحدة " فسنظل نكرر هزائمنا ألف عام أخرى .

إستراتيجيتنا المرحلية وسياساتنا اليومية يجب أولا : كيف نحمي وحدتنا الوطنية ؟

نسيج مجتمعنا السوري تهتك ويتهتك يوميا والطائفية ترتفع أسهمها بمؤشرات مرعبة وبتنا عشائر وقبائل وبطون وأفخاذ ، ومخاطر تحللنا إلى مذاهب وشيع وملل كبيرة  إن لم (..) ونظام الإفساد والاستبداد يجلب لنا كل يوم كارثة جديدة ويحدثك  " ايديولوجي زمانه " عن الوحدة عربية ويضعها البند الأول في " أجندته " وكأن معطياتها في جيبه وينسى أن له مشاكل ، مع الكردي والأثوري ، مع الإسلامي مع الليبرالي مع اليساري  حتى مع جزء من القومي . من كان لا يستطيع الجلوس مع هؤلاء ليتحاور،  كيف تكون استراتيجيته المرحلية اعادة وحدة الجمهورية العربية المتحدة ؟!!!

الوحدة مطلبنا جميعا ، إنما الوحدة لا تقيمها أقطار منخورة حتى النخاع بالجهل والفقر والأمية ، الوحدة يقيمها الأحرار والأقوياء فقط أليس كذلك أستاذ (.......) ؟