المزرعة لن تصبح وطناً

الدكتور رضا حمّود

الدكتور رضا حمّود*

* عن الإتحاد اللبناني للحريّة / ألمانيا

عضو الهيئة التأسيسيّة للتيار الوطني / لبنان

ضع يدك على المحراث .... فالبذار جاهز والأرض أينعت .... والسماء فتحت أبوابها ....

فهلّ الخير واندثرت أيام الذل ....أيام القهر .... أيام النفي والعار ....

أيام التسكع أمام أبواب من قتلوك وسلبوك لقمة عيشك وعيش أطفالك ....

جعلوك مشرداً ذليلاً بلا مأوى بلا حدود .... جعلوك بلا كرامة ....

والكرامة هي التي تصرخ وتقول لا للظلم ....

لا للقهر ولا لتجويعي وبيعي سلعة على أبواب السفارات والسلاطين والأمراء والزعماء....

أنت الوطن ولا أحد يستطيع أن يبني وطناً بدونك أنت الوحيد الذي يستطيع أن يقول لا ويقول نعم ....

أنت الوحيد الذي يستطيع أن يغيّر تاريخ هذا الوطن ....

أنت الوحيد الذي أستهدفت ، فجعت وظلمت فأين أنت الآن في الدفاع عن حقك وحق أطفالك وحق وطنك ....

للوطن حق عليك أيها الشعب الحبيب يا شعب لبنان العظيم ....

اخرج من هذا القمقم اللاحضاري واضرب بعرض الحائط كل المغريات المذهبيّة والطائفيّة ....

ألم ترى فإننا ما زلنا نعيش في عصر يشبه عصر الجاهليّة ....

عصر الوأد والغزو المتبادل وعبادة الأصنام .... الأصنام كثيرة في عهدنا هذا ....

والأصنام التي نعبد هي أصنام التفرقة والمال والزعامة والجهل ورموز الفساد ....

الصنم هو الذي يبعدنا عن الحق ....

والدفاع عن الحق هوالدفاع عن الخالق إذا كنا نعبد هذا الخالق ....

الحق والحق يقال ولا شيئ غير الحق يقال ....

الفساد هو علة العلل والكل يعرف من هم المفسدون ....

والكل يعرف أن تاريخ الفساد في وطن الأرز أصبح وصمة عار على جبين الأكثريّة الوهميّة التي تسلّمت زمام الأمور ....

بقانون إنتخابي مهترأ أرادوه وأصروا على التثبت به بعد التحرير لا ضير سموه ما شئتم وصاية تدخل ....

فلكل رأيه في ذلك.... لكن الفساد وعلى مرأى من الجميع .... إنتقلت عدواه كفيروس معدي يتغلغل في كل أرجاء الوطن ....

والمواطن من كل الطوائف والمذاهب يلعن الزمن الذي يكافأ فيه السارق فيصبح مسؤولاً ....

والشريف ذليلاً محتقراً يوصف بالجنون والخبل....

وطن الأرز الذي أردناه .... وثورة الأرز التي لنا شرف انطلاقتهاوانتصارها ....

لم تكن يوماً دفاعاً عن فا سد ، أو مارق ، أو خسيس ، أوقا تل ، أو متسلق ، أو أنانيّ ....

ثورة الأرز التي أردناها ثورة ضد الظلم ، والقهر ، والتعسف ، والأحاديّة ، والفساد ، والجوع ، والتهجير ، والنفي القسري واللاقسري ....

ثورة الأرز هي رمز لإعادة بناء الوطن ....

ثورة الأرز ليست رمزاً للدفاع عن هذا أو ذاك من الزعماء وأمراء الحرب والمذاهب والطوائف في لبنان ....

ثورة الأرز هي طريق لبنان الجديد الذي لا تقوده عصبيّات المذاهب والطوائف ولا تدخلات السفارات والمخابرات من كل أصقاع الدنيا ....

ثورة الأرز هي لبنان الوطن ؛ لبنان الشعب الذي يريد إعادة مجده وحضارته وإشعاعة نورهما في المنطقة كلها ....

ثورة الأرز ليست مسخ أو طرح لم يكتمل وكل من لعب و حاول عدم إكمالها هو المسؤول عن كل ما جرى بعد الإنسحاب السوري من لبنان .... وحتى الآن .

هذه ليست تهماً لأحد أو تهجمات على أحد .... هذه حقائق تاريخيّة يسجلها التاريخ على الجميع ....

إن أول مسمار في نعش ثورة الأرز هو عدم إيجاد قانون إنتخابي يتمثل فيه جميع الوطن على حد سواء ....

من هنا تابعت المشكلة مسيرتها ....

لأن المشكلة أصلاً قائمة منذ البداية ؛ إنها مخلفات حروب الأمراء والزعامات ....

ومخلفات التدخلات الإقليميّة والعالميّة ..... وجذور هذه المشكلة تكمن في الوطن نفسه ....

الجرثومة موجودة في الأساس ، والخلل الجينيّ هو خلل في فهم الديمقراطيّة ، وفي فهم الحريّة ، وفي فهم المواطنيّة ....

المواطن أصبح طابوراً خامساً ومتسولاً على أبواب المذاهب والطوائف .

إن إلغاء المواطن ودوره الحضاريّ والإنسانيّ أوصلنا أن نبني بلداً أقل ما نستطيع وصفه مزارع متناحرة متنافسة ....

وندعي بأننا نريد تحرير مزارع شبعا ....

فنحن لا نستطيع تحرير مزارع شبعا قبل أن يتحرر لبنان المزرعة ....

لبنان المزرعة ....

والصفة هذه حقيقة جغرافيّة وتاريخيّة حديثة في هذا الوطن ....

وكل من يحاول أن يغطي رأسه في الرمال يشارك بقصد أم بغير قصد في استمرار فقدان صفة المواطنيّة للمواطن ....

أن كل من يدّعي الثقافة والفهم ويضع نفسه في درجة الوعي الإنسانيّ عليه أن يخرج من قمقم المذهب والطائفيّة ....

ليس فقط الخروج منه بل تحطيمه وبدون رجعة ....

فلا مستقبل للبنان إلا بإعلان وفاة دولة المذاهب والطوائف وبهذا فقط تنتهي دويلات المزارع والطوائف ....

ولا يفكر رجالات السياسة في هذا الوطن بالإحتماء وراء مذاهبهم وطوائفهم حتى ولو إرتكبوا أفظع الجرائم بحق الوطن والشعب ....

إن لبنان يحتاج إلى ثورة حقيقية ؛ ثورة إعادة أسس الدولة الحضاريّة ؛ دولة الحق والعدل والمساواة .....

ودولة الرحمة أيضاً ....

فمن ياترى يعيد بناء الوطن غير شرفاء الوطن .... نعم الشرفاء من كل الطوائف والمذاهب والملل .....

فلنخرج من العشائريّة ، والعائليّة ، والمذهبيّة ، والطوائفيّة ....

ولنرى الوطن وطناً لجميع أبنائه ....

القانون يحمي الجميع ويحاسب الجميع ويبقى لبنان دولة أشعاع ونور في محيطه المظلم .

فلا تلعنوا الظلمة بل أضيئوا شمعة تطرد هذا الظلام ....

الوقت قد حان لنضع يدنا على المحراث ونحرث أرضنا ليزدهر الوطن ....

ونعيش بسلام وأمان .... ويبقى أبد الدهر لبنان