بالأعراس الجماعية تُقاوم "غزة "
بالأعراس الجماعية تُقاوم "غزة "!
هنادي نصر الله
يأبى الفلسطينيون إلا أن يجمعوا في ثنايا حياتهم اليومية كل الأحاسيس الإنسانية؛فتراهم يهبون جماعاتٍ وأفراد؛لمشاركة بعضهم البعض لحظات الفرح والحزن لا مجال لأن تجدهم متنازعين وإن كانوا غير مستقرين حتى الآن على وضعٍ سياسيٍ متوحد يجمعهم سويًا؛فيكيدوا المحتل الغاشم ومن يتربصون من حولهم ومن خلفهم ومن أمامهم ومن تحتهم!.
وهذه هي طبيعة الفلسطينين وفطرتهم النقية المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف والتي تميل دومًا إلى المصالحة والإيثار والمشاركة وحب الجماعة والتفاعل الإيجابي.
يوم الخميس الماضي الذي صادف السادس والعشرين من شهر أكتوبرـ تشرين الأول ـ لعام 2007م،تجسدت أروع الصور الجمالية،وتألقت"غزة"وهي تحتضن أبناءها وتُصفق لهم فرحًا؛بعد أن منّ الله عليهم بعرسٍ جماعيٍ ما كان ليحدثّ لولا إدراكِ شعبنا الفلسطيني بكل شرائحه وأطيافه وعلى رأسه حكومة تسيير الأعمال التي يرأسها السيد"إسماعيل هنية"لأهمية مثل هذه الأعراس الجماعية التي تجلب لمجتمعنا المجاهد فوائد جمة أبرزها"تحصين الشباب المسلم تمهيدًا لتكوين أسرٍ إسلامية جديدة يكون لها دورًا ملموسًا في بناء المجتمع وتحقيق رفاهيته والزود عنه.
لاسيما وأننا مقبلون في الأسابيع المقبلة على مشروع التعداد السكاني الذي يُعتبر من أهم مؤشرات الحضارة الفلسطينية؛إذ سيؤهل وُلاة أمرنا لمعرفة احتياجاتنا من مدراس ومستشفيات ومرافق عامة....إلخ،عدا عن ذلك سيُمكنهم من تكوين إحصائية رسمية حقيقية تُوضح أعداد المجتمع وتركيبته وبنيته التحتية ونسبة شبابه وأطفاله وشيوخه ونسائه..وما إذا كان مجتمعنا شابًا فتيًا أم لا؟ متعلمًا أم لا؟وغيرها من المعلومات والبيانات التي لاغنى عنها لضمان نجاح مشاريع التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية .
وهذا بالطبع يُرهقُ"إسرائيل"التي تخشى
من مواجهة الزيادة في أعداد الفلسطينين والتي تعتبرها خطرًا ديمغرافيًا يُهدد
كيانها ويُنذر بفشلِ مخطاطاتها في تهويد المنطقة بأسرها؛فهي تحسبُ ألف حساب لنتائج
عملية التعداد السكاني المزمع إجراؤها في فلسطين،والتي من المتوقع أن تُبشر بنتائج
إيجابية وحيوية عن أعداد الفلسطينين بالرغم من عمليات الإبادة التي يشنها الإحتلال
والتي يذهب ضحيتها مئات بل آلاف الشهداء.
فالخطر الديمغرافي الذي تواجهه"إسرائيل"لا يقل خطورةً في نظرها عن خطورة إطلاق
صواريخ المقاومة التي تصل سديروت وتضرب العمق الإسرائيلي،الأمر الذي ينجم عنه هروب
"اليهود"من "فلسطين التاريخية"إلى بلادهم الأصلية.
لا شك أن"الدولة العبرية"تبذل مساعي
جبارة وحثيثة وتقود حملةً من التعبئة والتأثير لإقناع يهود العالم في اتخاذ ما
يُسمى"بإسرائيل"موطنًا وسكنًا لهم.
غيرّ أن ّ كل محاولاتها هذه تضطرب أمام إصرار الفلسطينين على الإبداع والإنجاز
بالرغم من كل المخططات الهادفة إلى القضاء على لُحمتهم ونسيجهم الاجتماعي بل
ووجودهم الشرعي!!.
فالحصار الظالم والأوضاع الإقتصادية الصعبة لم تمنع الإصرار على الحياة والإقبال عليها بل قوةٍ وعنفوان،ولعل مشهد العرس الجماعي الذي نظمته حركة المقاومة الإسلامية"حماس"لأكبر برهانٍ على ذلك،فهو يحمل رسائل متعددة"لإسرائيل"مفادها"حماس لن تعترفَ بكِ،فلديها وسائل جمة لمحاربتكِ فهاهي الأسر الفلسطينية في طريقها إلى النمو والإذدهار،وها هي"حماس"تعتني بشبابها وتأخذ بأيديهم،وتحميهم وتُحصنهم،ولا تُبالي بالحصار!!"
بينما كان الفلسطينيون يُبدعون ويتألقون في التغلب على قسوة الحصار كانت"إسرائيل"تخطط لارتكاب جرائم بشعة بحقهم؛فكانت عملية التوغل في حي الشجاعية بغزة،حيث ارتقى عدد من الشهداء إلى الفردوس الأعلى؛فما كان من"الغزيين"الذين احتفلوا بالأمس القريب وشاركوا في حفل الزفاف الجماعي إلا أن ينتفضوا ليُشاركوا في أعراس شهدائهم وليزفوهم ـ كعادتهم ـ بزغاريد النصر إلى الحور العين!!
عرسٌ جماعي كان الخميس؛ليشجع الشباب المسلم على الزواج بالرغم من صعوبة الحياة،وعرسٌ بطولي كان الجمعة لشهداءٍ كِرام أبوّا إلا أن يُعبدوا لنا طريق التحرر والنصر،ولا ننسى بالطبع إنجاز المقاومة الرائع والنجاح المتألق الذي يُحسبُ لها من خلال عملية"صيد الأفاعي" البطولية.
للهِ درك يا"غزة"وأنتِ تبدعين وتجمعين بين كل المتناقضات،ودائًما تُكابرين وتبتسمين؛فتغيظين بصبركِ وإصراركِ وإبداعكِ كل المحتلين؛فليخسأ مؤتمر"أنابولس"مادمنا قادرين على العطاء,ولتتشابك كل الأيادي لتنظيم المزيد من الأعراس الجماعية التي توفر المال وتقلص النفقات،وتُسهم في إدخال جوٍ من البهجة والسرور على مئات الأسر الفلسطينية التي تُعاني من الكبت ومرارة الحصار،بُوركت جهود"الغزيين"وإلى الأمام يا شعب فلسطين.
ولامجال هنا إلا أن أهنئ عوائل العرسان بشقيهم الذين استشهدوا بالأمس فزفوا إلى الحور العين،والذين كان لهم نصيب بالزواج من خلال العرس الجماعي ودامت"غزة"عامرة بالأفراح والإنتصارات بالرغم من الجراح والحصار والمؤامرات.