لا تُصلِحُ (البيطارُ) ما أفسدَ الأسدُ
لا تُصلِحُ (البيطارُ) ما أفسدَ الأسدُ
د.محمد بسام يوسف
ازدحمت الساحة السياسية السورية في الأشهر الأخيرة بالمناضلين والمناضلات، وأصحاب الأحزاب والليرات، وبائعي الوطنية والنـزاهة والشعارات !.. وكل حزبٍ بما لديهم فرحون، وسبحان الله مُغيّر أحوال بعض الناس، من تجارٍ إلى سماسرة، ومن بورجوازيين هائمين على وجوههم منذ خمسين عاماً إلى سياسيين صاخبين لا يُشَقُ لهم صُراخ !..
كلما بثّت بعض وكالات الأنباء والفضائيات والصحف.. تحليلاً سياسياً، بأنّ النظام الحاكم السوري قد يتهاوى في أية لحظة.. نشهد إعلاناتٍ عن تشكيلاتٍ جديدةٍ لأحزابٍ لا يتعدى عدد أعضاء أحدها الشخص الواحد أو أكثر بقليل، والكل برز مناضلاً لا يلين، وكلهم سياسيون محنّكون ومخضرمون، لا يقل عمل أحدهم في الساحة السياسية عن ربع ساعةٍ بالتمام والكمال !..
آخر نكتةٍ سمعها المواطن السوري، كانت بعد ساعاتٍ من الإعلان عن (إعلان دمشق) التاريخيّ الشهير، الذي يُعتَبر بحق، منعطفاً تاريخياً في الحياة السياسية السورية، إذ يؤهل لإجماعٍ وطنيٍ واسعٍ بأطيافه المتعددة.. على التغيير الإيجابي لصالح الوطن والشعب والأمة، بعيداً عن التدخلات الخارجية السافرة بشؤون الوطن والشعب، التي كان النظام وما يزال يصنع مبرراتها، لأنه المستفيد الوحيد من ذلك، للحفاظ على عرشه الذي يميد به !..
النكتة كانت تصريحاً (من العيار الثقيل)، لمواطنةٍ سوريةٍ كانت قد شكّلت حزباً منذ أقل من ثلاثة أشهر، وأعلنت عنه في حفلة عُرسٍ (مؤتمرٍ) صحفيٍ بدمشق، وزعمت فيه أنها غير منحازةٍ لا إلى هؤلاء (المعارضة) ولا إلى هؤلاء (النظام الحاكم).. أي بالعربي الفصيح، حزبها من فئة : المذَبذَبين بين ذلك.. لكن تصريحها لوكالة (فرانس برس) يوم أمسٍ الإثنين في 17/10/2005م، قد كشف أنّ حزبها ليس من تيار المذَبذَبين، بل من فئة المتملّقين.. والتملّق هنا للنظام الحاكم طبعاً ، لأنه من شدّة الحنكة السياسية لهذا الحزب، لم يستوعب حتى الآن أنّ النظام الدكتاتوري آيل إلى الانهيار، وإلى السقوط المدوّي الذي سيجرف معه كل المتملّقين والمتملّقات، والمنافقين والمنافقات، والمذَبذَبين والمذَبذَبات !..
ورد في صحيفة (القدس العربي) ليوم الثلاثاء في 18/10/2005م ما يلي :
[وقالت رئيسة (حزب التجمع الديمقراطي الحر) (رهاب البيطار) في تصريحٍ إلى وكالة (فرانس برس): (إنني أشكك بنيّة بعض أحزاب المعارضة التي أصدرت بيان دمشق في هذا الوقت، مستفيدةً من الضغوطات الخارجية والإقليمية من قِبَلِ دول الجوار على سورية)!.. واعتبرت البيطار (أن أي استهدافٍ للنظام في هذا الوقت هو استهداف لسورية، خاصةً من قِبَل مَن يستفيدون من قوىً أجنبية)]!.. ا.هـ
لا نعلم لمصلحة مَن هذا الاصطفاف السافر إلى جانب النظام الحاكم الجائر، ولماذا هذا الترويج المجانيّ لِبِدَعِه وافتراءاته، ولستُ متأكداً إن كانت رئيسة الحزب (العتيد) قد كلّفت نفسها بالاطلاع على (إعلان دمشق) لأحزاب المعارضة السورية وشخصياتها الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني السوري.. فاختارت أن تتخندق حول النظام المستبد، ضد الوطن الجريح والشعب السوري المنكوب بنظامه، فلو فعلت، أي لو اطلعت (البيطار) على إعلان دمشق برويّةٍ وحُسْنِ نيّةٍ من غير نظرةٍ مُسبَقةٍ مبرمَجة.. لعرفتْ أنها تتحدّث من بنات أفكار النظام المستبدّ الظالم، ولَلَمَسَتْ أنّ بعض أصحاب الإعلان والمنضمّين إليهم أو معظمهم، قد أمضى مدةً في الحياة السياسية السورية والهمّ الوطنيّ، تحت مطارق النظام واضطهاده ودكتاتوريته واستبداده.. قد تعادل عمرها كله منذ أن ولدتها أمها، وأنه من المعيب أن يسلك رئيس حزبٍ لم يولد إلا منذ أقل من ثمانين يوماً.. هذا السلوك من أول الطريق، وأن يتنكّر لهموم المواطن السوريّ الذي ما يزال يئنّ تحت وطأة الظلم والقهر السلطويّ، للنظام الذي تضعه (البيطار) في كفةٍ واحدةٍ مع الوطن السوريّ كله، بشعبه وأرضه وتاريخه وحضارته، وذلك حين تعتبر أن استهداف النظام هو استهداف لسورية، مع أنّ أي مواطنٍ سوريٍ شريفٍ بات يعلم يقيناً، أنّ النظام الجائر في واد، وسورية الوطن والشعب في وادٍ آخر، وأنّ هذا النظام لم يبقَ ما يتنازل عنه لكل عدوٍّ لسورية.. إلا مَلابِسه الداخلية، وهو مستعد للتنازل عن ثلاثة أرباع سورية وكرامتها كلها، في سبيل الحفاظ على عَرشه المهتزّ !..
لا نعلم مَن هي بالضبط رئيسة الحزب المذكور، ولا أين صُنِعَ حزبها الرضيع الذي يتطاول على أبناء شعبه الشرفاء، حين يُصدِر بياناً رسمياً حزبياً، يزعم فيه بلغةٍ اتهاميةٍ بائدةٍ عفى عليها الزمن : (أنّ ما يصدر عن بعض ما تُسَمى بالأحزاب والمنظمات والتجمعات والتحالفات، وبعض شيوخ العشائر.. لا يعبِّر عن سلامة النوايا، ويصبّ في قنواتٍ غير وطنية) !.. (القدس العربي 18/10/2005م).
وهكذا، فالحزب الوليد المستلقي على سرير (الخِداج).. يوزّع صكوك الوطنية على السوريين بمعيارٍ بعثيٍ عقيم، ويتغلغل إلى باطن النفوس، ليسبر أغوار (النوايا)، بمعيارٍ لا يخرج عن معايير السلطة المتكلّسة للنظام الحاكم ولغته البائدة ونهج أجهزته الأمنية القمعية، تلك المعايير التي يستخدمها النظام منذ أربعين عاماً، فيجترّها اليوم حزب البيطار، ولا يستثني من أحكامه الرعناء حتى شيوخ العشائر !..
الرئيسة الحزبية (البيطار)، لم تسمع بديكتاتورية النظام، ولا بالحكم الأحادي، ولا بانتهاكات حقوق الإنسان الصارخة اليومية في بلدها سورية، ولا بعمليات السحق التي يقوم بها ذلك النظام الجائر منذ أربعين عاماً، وما يزال.. ولا تعلم شيئاً عن الفساد الإداري والاقتصادي والثقافي والتربوي والقِيَمي للنظام، ولم تسمع عن مجازره بحق أبناء شعبها وبلدها، ولا تعرف أنها تعيش داخل جمهوريةٍ وراثيةٍ فئويةٍ محكومةٍ بالعسكر وقوانين الطوارئ والأحكام العُرفية والإرهاب، ولم تتأكد أنّ سورية النظام مُتخَمَة بالأقبية المظلمة والمعتقلات والسجون الصحراوية والمقابر الجماعية.. وغير ذلك من معالم الطغيان !.. لذلك فهي تصطف خلف النظام، وتتحدث بلسانه، وتقول ما يريده لها أن تقول، وتكفيه همّ التصريحات الرنّانة، التي توَزَّع فيها صكوك النـزاهة والوطنية وفق نزواته وباطله السلطويّ وألاعيبه الرخيصة المكشوفة !..
نقترح على رئيسة الحزب الخديج، أن تنصرف لممارسة أي مهنةٍ أو هوايةٍ مفيدةٍ لها ولأسرتها.. غير السياسة التي ظهرت بداياتها لدى حزبها بشكلٍ لا يبشر بمستقبلٍ سياسيٍ لهذا الحزب، مع أننا حقاً نتساءل : هل ازداد عدد أحزاب (مُتحف) الجبهة الوطنية التقدمية حزباً، أم أنّ هذا الحزب البيطاريّ (المحنّك)، هو من الأعضاء السرّيين لذلك المُتحف الأثريّ الجامد، والمتثلِّج حتى بمشاعره الإنسانية إن كان يملكها.. أم أنه صُنِعَ في مكتب المَنحور غازي كنعان أو الناحِر آصف شوكت وعصابته ؟!.. مجرّد تساؤل !..