هل ستمحو الحفلات الغنائية وقمة الثماني الفقر حقا من العالم ؟

هل ستمحو الحفلات الغنائية وقمة الثماني الفقر حقا من العالم ؟

المهندس طارق حمدي/لندن

[email protected]

Tel: +44 7917662363

عُقدت في الأسبوع الماضي حفلات غنائية عديدة حول العالم بهدف تسليط الأضواء على الفقر في أفريقيا والديون التي تثقل كاهلها. ويعتبر منظمو هذه الحفلات بأنها وسيلة ضغط على الدول الثماني الصناعية التي ستجتمع في اسكتلندا هذا الاسبوع ، واستعدادا لهذا الاجتماع عقد وزراء مالية هذه الدول اجتماعا في 10/6/2005 واصدروا بيانا ذكروا فيه بأنهم اتفقوا على إلغاء ديون 14 دولة فقيرة ومضاعفة المساعدات لدول أخرى .

 ولكن المدقق في هذا التقرير يجد بأنهم سيلغون الديون وسيساعدون فقط الدول التي لبّت شروط صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وإجراء ما يسمى بالإصلاحات في اقتصادها .

 فصندوق النقد الدولي يفرض تطبيق إصلاحات مثل إلغاء وتخفيض التعرفة الجمركية على السلع الأجنبية، مما يتيح للدول الغربية أن تغرق أسواق الدول المدينة ببضائعها التي تكون مدعومة مثل المنتوجات الزراعية التي دمرت سلعا أفريقية محلية. فمثلا في غانا،  الدجاج المستورد المدعوم من أوروبا وأمريكا يباع بنصف قيمة الدجاج المحلي ولهذا انخفضت نسبة الدجاج المحلي الذي يباع في عام 1992  من 90% الى 11% . وبالنسبة للأرز فقد كانت غانا تنتج أغلبية حاجتها ولكن بسبب الأرز الأميركي المدعوم فقد أصبحت تكفي فقط 35% وتستورد بقية حاجاتها من الخارج.     

  و صندوق النقد الدولي يفرض تخفيض ميزانية الحكومة برفع الدعم عن سلع أساسية مثل الخبز،  وقد رأينا نتيجة ذلك في الأردن ومصر ، ويفرض أيضا خصخصة شركات ومؤسسات أساسية وحساسة فيسمح للشركات الغربية بامتلاك مؤسسات الكهرباء والماء والاتصالات.  ذكرت رويترز في 22/5/2005أن  رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف قال: ان الاولوية في الخصخصة هذا العام هي العمل على خصخصة قطاعات النفط والغاز والنقل والقطاع المصرفي وقطاع التأمين بالاضافة الى بدء عملية خصخصة الشركة المصرية للاتصالات.

  اضافة لذلك فان الدول المدينة تسير اقتصادها لرد الديون، فمثلا مصر قررت التركيز على  زراعة الزهور والورود بغرض تصديرها بينما تقوم باستيراد السلع الاساسية ، فها هي  تستورد 40% من حاجتها من القمح بدلا من زراعته، وللعلم  فأن غالبية القمح المستورد ياتي من اميركا.

 ولذلك فإن الدول الافريقية التي ستعفى من ديونها ـ مع العلم بأنها ردّت أصول الديون أضعافا مضاعفة ـ هي الدول التي ستقبل بتدمير اقتصادها وهيمنة الغرب عليها ، وهذا سبب الفقر المنتشر فيها وفي باقي أنحاء العالم .

  ولا يجب أن نتفاجأ من ذلك فإن الدول الثماني الصناعية دول رأسمالية لا تضع وزنا لحياة الإنسان ومعيشته بل تجعل وزنا للربح المادي فقط . فمنذ أن تحكّم هذا المبدأ الرأسمالي في العالم في القرون الأخيرة اشتعلت الحروب بشدة من أجل المصالح وانتشر الفقر في كل أنحاء العالم . فبريطانيا التي تقود حاليا حملة محو الفقر في العالم هي التي استعمرت العالم ، ونهبت ثرواته، وتلتها أميركا التي أصبحت الدولة الأولى في الاستعمار والنهب . فأميركا حاليا تنفق 400 بليون سنويا على الأسلحة للسيطرة على العالم، بينما تنفق 10.7 بليون على مساعدة الدول الفقيرة .

  وتستعمل الدول الغربية صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والديون لتطبيق سياستها على الدول المدينة ،  فنجد أن أميركا تعفي أو تؤجل ديون الدول الحليفة والتابعة ، فكافأت مصر باعفاء بعض ديونها في 1991 عندما ساندتها في الحرب ضد العراق وكافأت الباكستان عام 2001 لمساندتها في أفغانستان وتستعمل الديون كوسيلة للضغط فيعطي د/ احمد ثابت استاذ الاقتصاد السياسى بجامعة القاهرة  امثلة لتأثير المعونة الاميركية  فى القرار،  حيث رفضت الولايات المتحدة ان تشترى مصر قمحاً ارخص من الارجنتين واستراليا، وتحت ضغوط من امريكا رفضت مصر عرضا من استراليا باستصلاح الاف الافدنة وزراعتها فى مصر.

  والمعروف أن معظم هذه الديون والمنح لا تذهب الى الشعوب بل الى جيوب الحكام  الذين يطبقون السياسات الاقتصادية التي رسمتها منظمات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.

 ولذلك فإن مثل هذه الحفلات الغنائية  التي تنظم منذ عام 1985 والحملات الإعلامية لمحو الفقر ،  ليس لها أي تأثير ، وهدفها فقط هو تجميل وجه الرأسمالية البشع لخداع الرأي العام العالمي. فقد أدركت جميع شعوب العالم بشاعة هذا النظام ، وظهرت حركات مناهضة تسعى للتخلص منه .

 ولذلك فإن حل مشكلة الفقر لن يكون بالإعفاء من الديون ، لأن استمرار الهيمنة الغربية وتحكم الرأسمالية ، سيعيد كارثة الديون عاجلا أم آجلا . ولذلك فإن الحل هو بالتخلص من هيمة الدول الرأسمالية على رقاب الشعوب والتخلص من عملائهم الذين ينفذون سياستهم ومن ثم تطبيق أنظمة جديدة لا تخدم الاستعمار . والنظام البديل هو  الإسلام الذي طُبق مدة ثلاثة عشر قرنا، والذي يخلق توازنا بين جميع القيم التي يتمتع بها الإنسان ، كيف لا وهو النظام الذي أنزله الله عزوجل على نبيه الكريم لرعاية الإنسان لا لشقائه.

 فالخلافة الإسلامية لم تفتح البلدان لنهب ثروات الشعوب، بل كان هدفها هو نشر وتطبيق الاسلام وإخراج الناس من الظلمات الى النور، ونتيجة لإحسان تطبيق الاسلام ، فقد رأت الشعوب عدله ما حفزهم إلى اعتناقه والدخول فيه أفواجا، واستمروا مسلمين حتى بعد زوال الدولة الاسلامية . فقارن ذلك بمدى كراهية الشعوب الآن لأميركا وهي التي لم يتجاوز خروجها للبشرية سوى بضعة عقود.

 والدولة الاسلامية قد رعت شؤون الإنسان كإنسان فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى)) يروي أبو يوسف في كتاب ( الخراج ) أن عمر رضي الله عنه رأى شيخاً يهودياً يتكفف الناس فسأله: من أنت يا شيخ ؟ فقال: رجل من أهل الذمة، فقال عمر: ما أنصفناك، أكلنا شبيبتك وتركناك في شيخوختك، ثم أخذه إلى بيت المال وفرض له فريضة. فقارن ذلك باستئثار الغرب بالثروات وكيفية تعاطيهم مع بقية شعوب الأرض القائمة على أساس التمييز العنصري والنهب.

والنظام الاقتصادي في الاسلام حرم التعامل الربوي الذي نرى ويلات التعامل به على الأمم ، وحرم  ايضا كنز المال في يد فئة قليلة . فيقول الله عزوجل : (( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ... )) الحشر ـ 7.

ولذلك فإن الحل الجذري للخلاص من ويلات الرأسمالية وشرورها المستطيرة لا يكون الا عبر تغيير الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين وإقامة دولة الخلافة مرة أخرى لتنقذ المسلمين والبشرية جمعاء معهم، ولتنشر الهدى ونور وعدل الاسلام في ربوع العالم.