منقبة جديدة لزين العابدين التونسي
منقبة جديدة لزين العابدين التونسي
أمير أوغلو / الدانمارك
[email protected]
مناقب الرئيس التونسي عند شعبه كثيرة لا تعد ولا تحصى، وأفضاله على هذا الشعب كبيرة، وكذلك سياسته المليئة بالحكمة والعقلانية لا مثيل لها في شرق ولا في غرب.
آخر ما أتحفتنا به الدراسات في تونس دراسة أجراها ثلاثة من أكبر الأطباء التونسيين المتخصصين في الأمراض النفسية والعصبية كشفت عن ارتفاع نسبة الإنتحار في تونس إلى أعلى نسبة في العالم العربي، فقد وصلت الأرقام إلى عشرة آلاف محاولة سنوية أي واحد بالألف من نسبة السكان التونسيين السعداء بحكم ابن علي.
أشارت الدراسة إلى أن أهم أسباب الإنتحار هو انتشار الفضائيات وأفلام العنف فيها والأغاني الهابطة والطموحات المزيفة والأحلام الوردية غير القابلة للتحقيق عند الشباب.
عالم الإجتماع التونسي الشهير عبد الوهاب محجوب يرجع هذه الظاهرة إلى تفاقم الأزمات النفسية والإجتماعية الناجمة عن التناقض الذي يعيشه الأطفال والشباب بين قيمهم العربية والإسلامية والواقع الفاسد الذي انتشرت فيه السرقة والفساد والإباحية، وانعدمت فيه الثقة بين الشباب وممثلي القانون والدولة والحكومة، بدءا من رجل الأمن العادي وانتهاء برئيس الجمهورية مرورا بالأب والمعلم والجار الكبير وكل الرموز التي من شأنها في الأوضاع العادية أن تمنح الشاب أو الطفل الثقة والأمان والطمأنينة.
لماذا نحمل المسؤولية في مثل هذه الظواهر للحاكم بشكل رئيسي؟ الجواب بسيط : لأن الحاكم جعل من نفسه في دولنا العربية، إلها مسؤولا عن كل شيء، وبيده كل شيء، ويتحكم في كل شيء، ويملك كل شيء، ويعرف كل شيء، ولا يفوته شيء، فهو إذا في النهاية مسؤول عن كل شيء، وعن كل مصيبة وعن كل ظاهرة من الظواهر السلبية أو الإيجابية في المجتمع. لو كان هناك فعلا مؤسسات حرة مستقلة تتصرف دون الرجوع إلى الحاكم ومخابراته وأمنه وعسكره وجيشه، لكنا قلنا إن هذه المؤسسات تتحمل جزءا من المسؤولية بقدر ما لديها من الحرية في اتخاذ القرارات وتوجيه الإعلام وتربية الجيل وتعليم الشباب. لكن بما أن كل شيء يأتي من الأعلى، وكل الأوامر تتنزل من العرش الملكي، وكل الخطط والمناهج توضع باشراف الأمن والمخابرات فلا بد أن يكون الرئيس الأوحد والمفكر الملهم والقائد الفذ هو المسؤول عن كل المصائب، تماما كما تنسب إليه كل الإنجازات الصادقة والكاذبة والوهمية والخيالية.
الدراسة طبعا لم تتكلم عن الأسباب السياسية، لأن مثل هذا يعتبر من المحرمات والدكتور المحجوب لم يقل كل ما يعرف عن الموضوع، لأن هناك حدودا وخطوطا حمراء لا يستطيع الكلام فيها، مثل الإعتقالات العشوائية، وثقافة الخوف، وملاحقة المخابرات للناس، ومراقبة الهواء الذي يتنفسه المواطن التونسي، وتعقيم الجو التونسي من جراثيم الديمقراطية والحرية وتعدد الآراء والأحزاب (رغم وجود مظاهر شكلية يعرف الجميع قيمتها وحقيقتها).
الدراسة لم تتكلم عن الفراغ الروحي الهائل الذي يشعر به المواطن التونسي الذي أجبر منذ سنوات على ترك دينه عمليا بطريقة أو بأخرى، بحجة التقدم والعلم والحضارة التي تتنافى مع ما يقدمه الدين الإسلامي من عقائد غيبية وأحكام فقهية عفا عليها الزمن .
الدراسة لم تتكلم عن أثر السياحة في صناعة الحلم الكاذب بالهجرة إلى بلاد الشقراوات حيث المال والجنس وكل المحرمات, ولم تتكلم عن أثر الخمر وانتشارها كأساس في جلب هذه السياحة إلى البلد ومعها الأموال الطائلة والإستثمارات التي تجلب العمل للناس، والدمار للأسرة والمجتمع.
الدراسة لم تتكلم عن الإستبداد وأثره في قتل النفس الإنسانية وقتل روح الطموح والعمل والجدية عند الشباب, ولم تتكلم عن النفاق السياسي الذي أصبح سلعة رائجة بل واجبة، وأثره في تدمير كل خلق شريف لدى الشاب، وتحويله إلى كائن وصولي لا هدف له ولا مبادئ ولا أخلاق، يتحين الفرصة للإنقضاض على زميله وأخيه وقريبه في سبيل الوصول إلى منصب أعلى أو راتب أكبر أو شقة أوسع أو منحة أطول.
باركنا في مقال سابق لتونس بولادة ولي العهد وزيارة شارون المرتقبة، ونبارك لها اليوم مرة أخرى بهذا القائد الفذ، وبهذه الإحصائيات المتقدمة على دول الغرب، وبانتظار تكشف حقائق جديدة حول وضع الشعب التونسي الحقيقي ووضع الإنسان التونسي ووضع الشباب التونسي، إلى اهل تونس أجمل العزاء وأحر الأماني بالخلاص القريب.
17 نيسان - أبريل 2005