هل يستطيع النظام السـوري أن يخرج من جلده ...!؟

هل يستطيع النظام السـوري أن يخرج من جلده ...!؟

بدر الدين حسن *

كثرت الأحاديث في هذه الفترة بالذات عن انقلاب أبيض في ســوريـة بناء على المتغيرات المحليـة والاقليميـة والدوليـة يتخلص فيه النظام البعثي من ارث الماضي القمعي الارهابي والبوليسـي اللاانسـاني ، فيطلق الحريات ويبعث الى التقاعد بحرسه القديم وشلله من(الشبيحة) والمنتفعين والمرتزقة ويلغي حالة الطواريء والأحكام العرفية ، ويطلق سراح من بقي على قيد الحياة من معتقلي الرأي والفكر. 

ومازالت الرسـائل تتوالى من الزعماء والساسة العرب منبهةً ، والنصائح تتتابع من أستاذة الفكر والرأي والثقافة موضحـةً ، والنداءات تتوارد من قادة الاتجاهات الـمعارضة منذرةً ، ومازالت الـصرخات تأتي من عموم الناس المخلصين من أبناء الشعب السـوري المقموع وغيرهم مستغيثةً.

 

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا ، هل يستطيع النظام السوري أن يخرج من جلده ويغير من طبعه ؟

 

المؤشـرات حتى اللحظة هذه تؤكد أن هذا من الصعوبة بمكان ليس لأسـباب وطنية أو قومية أو انسانية (لاسـمح اللـه) ، فالنظام البعثي البوليسي القمعي ما عرف عنه يوماً حرصه على وطن أو عروبة أو انسانية ، فالوطن عنده مزرعة لعائلة يعبث بها كما يشاء ، وينهب منها ما يشاء. والعروبة عنده شعارات جوفاء يجترها  في المناسبات. والانسانية منه بريئة لأنه حزب ونظام قام على الكراهية والأحقاد. فعند البعث والبعثيين من الحقد الأسود والكراهية لو وزع على أهل الأرض لوسعهم. واسألوا ان شئتم الصغير والكبير والرجل والمرأة والمريض والمعافى ممن ذاق طعم البعـث (الـعـبـث) وقمعه في العراق وسورية والكويت ومن ذاق عرف.

 

أحد جنرالات البعث ( العظام ) يعترف في حوار صحفي أنه يتعرض لنوبات شـنيعة من الكوابيس وهو لايتذكر عدد التواقيع على أحكام الاعدام التي جرى بها قلمه. وأضاف كنا في الثمانينات نشـنق كل أسـبوع 150 شـخصاً من المعارضة ولكن انظري ( مخاطباً الصحفية) 36 سنة من الهدوء بدون انقلاب. وهو مع هذا يشكو من الكوابيس.

جنرال آخر..! قتل في نصف سـاعة قرابة 700 شـخصاً على أقل التقديرات التي نقلت عن مجزرته تلك في محاكم تفتيش القرن العشرين ، وهو مع هذا يتحرك اليوم مقدماً نفسه كرجل انقاذ مما يحيق بسورية من مكاره وضغوطات مطالباً بتغييرات حقيقية في قضايا الاصلاح والديمقراطية.

ومازال النظام حتى اللحظة يجترّ نفس كلامه منذ أكثر من نصف قرن عن السياسات الامبرياليـة والصهيونيـة في المنطقة والمؤامرات الأمريكية وحلفائها على المنطقة العربية وسـورية بالذات بقيادتها ونظامها العتيد حامي الديار ومنقذ الأمة وقائد معركتها التحررية في مقارعة أعداء الأمة ومعوقي حركتها ونهوضها. وفي سبيل هذه الشعارات الجوفاء والتي باتت من المهازل والسخريات لكثرة اللت والعجن بلا طائل والتي لأجلها استعبدوا المواطن وتوارثوا الوطن مزرعة للنهب والاثراء ، وقهروا الناس وسـلبوا حرياتهم واعتدوا على أعراضهم للحفاظ على شرف الأمة وعرض الوطن وهم الذين لم يبقوا له شرفاً ولاعرضاً ولاكرامة.

رسالة الاتحاد الأوروبي ضغطت على النظام البعثي السـوري أن يطلق سراح اثنين من المواطنين السـوريين من معتقلي الرأي وهما: رياض سـيف و مأمون الحمصي قاربت مدة محكوميتهم على الانتهاء ولكن النظام يتردد في الاسـتجابة مضحياً بعلاقته مع الاتحاد الأوروبي وما لها من الأهمية.

ان نظاماً يقلق أمنه اثنان من المواطنين ويعجز عن تقدير أهمية اطلاق سراح هذين المعتقلين وروحه تتحشرج في صراعه على البقاء – وقد دنت المنية – لهو أعجز من أن يحقق مطالب المخلصين ، وأن يستجيب لنصح الناصحين وصرخات الأصدقاء والمحذرين. انها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

           

* كاتب سـوري