جنبلاط ذلك الرجل الداهية
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
قال : ايش رماك على المر ..فأجاب بالأمر منه
وعالم السياسة هو عالم المصالح وتحقيق المكاسب وتقليل الخسائر بأقل ما يمكن ، ومنه تنضح الحكمة وتُقاس الأمور بالمقاييس الدقيقة
فجنبلاط الناقم على النظام السوري لتراكمات كثيرة ومنها : ما حمله تبعية قتل أبيه ، وفي زحمة الضجّة الدولية بمقتل الشهيد رفيق الحريري ظن جنبلاط أن النظام السوري صار قاب قوسين أو أدنى من النيل منه ، وفي غمرة التحدّي بين الأحزاب اللبنانية وخشية استهدافه ومن معه ركب الموجة اليمينية كما أسماها ، وتجول من أقصى اليسار إليها ، حتى صار من أهم رموزها ، بل تجاوز في تطرفه كُلّ حدود المعقول عندما نادى بأعلى صوته على ضرورة إسقاط النظام السوري ، فاجتمع مع بوش وشيراك وقادة المُعسكر اليميني هو دون غيره طالباً منهم العمل على إسقاط النظام الذي نال من أعلى رموزه ، وحاص وباص مُتنقلاً من دولة لأخرى ، ومعه كلبته البرجوازية الصغيرة ليُعرفها على ملامح العالم الغربي ، حتى أدرك بأنه ليس أكثر من أداة لتحقق ما يرغبه الغرب من الضغوط على النظام ، الذي لم يرغب يوماً بتغييره ، وربما بدأت مُراجعاته عندما اجتاح حزب الله بيروت لمعقل أقوى تيار وطائفة سياسية دون أن يُحرك أحد لساكن ، مما جعل المخاوف تراوده
والعملية تلك التي وصفها حزب الله الذي خاض الحرب مع إسرائيل دون أن تُعطي الثمرة لإحد الطرفين بالجراحية ، وهي بالفعل أعطت الإشارات والدلالات الواضحة لما هو عليه أمر الواقع بلبنان ، ومنها لهذا الزعيم الدرزي الاشتراكي الذي لم يعد يُفرق بين مبادئه ومصلحة طائفته وكرسي الزعامة الذي نازعه عليه أكثر من اتجاه ، حتى بات مُهددا من أساسه ، بينما كان جنبلاط يُقامر على التدخل الخارجي لإنهاء الكابوس الجاثم على صدره على حد تعبيره ، ولما لم تنفع كل مُحاولاته ، ورأى بأم عينه الاحتضان للنظام من جديد ، قرر الخضوع والخنوع لمتطلبات المرحلة ليرتاح ويُريح الآخرين بشغبه ، ولكنه أتعب حُلفائه في تيار 14 آذار الذين منحوه أصواتهم في الانتخابات الأخيرة مُستفيداً من حُلفائه الجُدد القُدامى في لعبة وُضعت لها الضمانات قبل القبول بها ، ويحصد من تلك المُعادلة إحدى عشر مقعداً نيابياً كفيلين ليقلبوا أسس المُعادلة السياسية في لبنان
بينما حُلفائه من تيار 14 آذار من المسيحيين والمسلمين الذين هم في وضع مُريح أكثر بكثير من جنبلاط التي تتقاسم قاعدة طائفته على دول ثلاث قد تستطيع أن تعمل له هزّة كبرى أو انقلاب يُطيح به وبعائلته الجنبلاطية - كانوا يميلون بالأساس إلى التهدئة والواقعية لما طرأ على الأجواء العالمية من تغييرات ، ولكنهم يسعون إلى موقع أفضل للبنان ، وشروط أفضل لعملية التلاقي والمصالحات والوفاقات ، وربما جُلّ همهم بأن يأخذوا ضمانات لعدم التدخل ثانية في شؤونهم الداخلية وعدم عودة الاغتيالات ثانية لهذا القطر الشقيق ، وفي ظل الانتظار لما ستؤول إليه حركة جنبلاط الانقلابية ، يبقى التوجس سيد الموقف على كلا الطرفين ، فإلى الآن لا نعلم مدى التأييد لدرزي وأقطاب الطائفة لهذه الحركة ، وهل هذا سيؤدي إلى انشقاقات مُعينة في جماعة جنبلاط ؟ وينحاز قسم منهم إلى تيار 14 آذار كما انحاز أقطاب من جماعة لحود الرئيس في السابق لهم ، ولم نعرف بعد إلى أين سيذهب جنبلاط بمغامرته أو واقعيته تلك ؟ وهل ستُعتبر بداية النهاية له ولحياته السياسية، أم بداية الطريق للعب دور مُهم في التوافق السياسي اللبناني والعربي
وأخيراً : ستكون نصيحتي لتيار 14 آذار بالتوقف عن مُهاجمة جنبلاط ولو مؤقتاً إن لم يستطيعوا ضبط النفس ، وليتخذه كواجهة يعبرون فيها إلى مطالبهم بأسلوب سلمي ، فلبنان لا يحتمل الهزّات ، ولكي لا يجعلوا منه عدواً فيميل كل الميل ، وليتركوا معه على أقل تقدير شعرة معاوية ، عساها أن تنفع ولا تضر ، كما ونصيحتي لكل القوى السياسية السورية المُعارضة لأخذ العبرة ، وللمسارعة لإجراء مُصالحات بينية ، والتوجه بأفكار سياسية مُحددة تعمل عملها في ظل الجو الدولي والإقليمي الراهن ، لإنهاء المحن الإنسانية التي يتحملها شعبنا منذ فرض قانون الطوارئ منذ أكثر من نصف قرن ، وللعمل على إلغاء القوانين الاستثنائية ، وإعادة الحياة الطبيعية إلى بلادنا الحبيبة ، والعمل على إغلاق كل الملفات الإنسانية ، وأولها الإفراج عن مُعتقلي الرأي وعودة المنفيين إلى ديارهم وأهاليهم والتعويض على المُتضررين ، وفتح صفحة جديدة أساسها الاحترام المُتبادل وحرية الرأي والتفكير