نعم لدخول حركة حماس انتخابات المجلس التشريعي

نعم لدخول حركة حماس

انتخابات المجلس التشريعي *

 

د. خالد محمد صافي

     منذ أن أعلنت حركة حماس عن قرارها يوم السبت الموافق 12/3 خوض انتخابات المجلس التشريعي المزمع إجراؤها في السابع عشر من تموز المقبل حتى كثر اللغط في الشارع، وتعددت المقالات والتحليلات على صفحات الصحف المحلية والدولية، وتنوعت البرامج المرئية والمسموعة حول تقييم ذلك سلباً وإيجاباً. وقد جاء الترحيب بهذه الخطوة على الصعيد الرسمي في تصريح لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ـ أبي مازن ـ الذي اعتبر ذلك أمراً متوقعاً في ظل المتغيرات السياسية التي شهدتها وتشهدها الساحة الفلسطينية والإقليمية والدولية. وهو بذلك يلمح إلى أن ذلك يمثل إنجازاً سياسياً للاتصالات التي قام بها مع حركة حماس في الفترة الأخيرة. ولكن في الوقت نفسه حذر فاروق القدومي بأن حركة فتح ينبغي أن تستعد جيداً للتعامل مع ما وصفه بفوارق القوة خلال الانتخابات التشريعية المقبلة. ولست هنا بصدد تحليل قرار المشاركة من ناحية الفكر السياسي والاستراتيجي للحركة فهذا يحتاج إلى دراسة بحثية عميقة تعود إلى جذور الفكر السياسي ليس فقط لحركة حماس بل للحركة الأم وهي حركة الأخوان المسلمين. ولكنني سأتناول هذا القرار من ناحية البعد السياسي المجتمعي الفلسطيني، وهذا يدفعني إلى تثمين موقف حركة حماس للدواعي التالية:

 

ـ إن حركة حماس شاء من شاء وأبى من أبى تشكل نحو نصف المجتمع الفلسطيني أو أقل من ذلك بقليل أو أكثر من ذلك بقليل. وقد أصبحت قوة على الأرض لا يستهان بها، ولديها عمق جماهيري كبير. وهي بالتالي جزء هام من النسيج السياسي والمجتمعي الفلسطيني. ولا بد لهذا الجزء أن يساهم بدور فعال في الحياة السياسية الفلسطينية. حيث يعني ذلك مشاركة جميع إن لم يكن أغلب أفراد المجتمع في القرار السياسي، وتحمل المسؤولية لما يكتنف مستقبل الوطن من تهديدات حقيقية.

 

ـ إن حركة حماس قد ساهمت بتضحيات كبيرة سواء في الانتفاضة الأولى أو الانتفاضة الحالية. وهذه التضحيات الجسام لا بد أن تترجم على الأرض من خلال المشاركة في القرار السياسي. ودخول حركة حماس الانتخابات يعني تجسيداً عملياً وفعلياً للشعار الذي تم رفعه من قبل الحركة وهو "شركاء في الدم شركاء في القرار". فلا يعقل أن تساهم حركة حماس بهذه التضحيات وتتعرض بعد ذلك للإقصاء والتغييب الذي يحلو للبعض ممارسته.

 

ـ إن دخول حركة حماس الانتخابات التشريعية يعني وجود معارضة حقيقية في المجلس التشريعي الفلسطيني المقبل. فقد أدى تغيب حركة حماس عن المجلس السابق غياب معارضة حقيقية فعالة. فهناك من الأعضاء من رفع في البداية لواء المعارضة في المجلس السابق ولكن سرعان ما تم شراء ذمته وإسكات صوته من قبل القيادة الفلسطينية والسلطة التنفيذية عن طريق إسناد مناصب وزارية له، أو إغداق الأموال عليه على شكل سيارات وهبات. ولذلك لم تكن هناك رقابة فعلية حقيقية سواء على السلطة التنفيذية التي عانق تجاوزها وفسادها وثرائها عنان السماء دون حسيب، ودون تطبيق للشعار المرفوع من أين لك هذا. وبالرغم من صدور تقرير هيئة الرقابة العامة وتشكيل لجان تحقيق من قبل المجلس التشريعي في بعض قضايا الفساد فإن السلطة التنفيذية قد ضربت بذلك عرض الحائط في ظل غياب دور قوي وفعال ومتكتل لقوى معارضة داخل المجلس. ولذلك يمكن القول: إن حركة حماس يمكن أن تشكل صمام أمان ورادع قوي للسلطة التنفيذية في حالة نجاحها في تشكيل كتلة برلمانية معارضة ومتماسكة. وصمام الأمان هذا يمكن أن يكون على الصعيد المالي لمنع أي تجاوز أو إهدار للمال العام، أو على الصعيد السياسي لمنع السلطة التنفيذية من عقد اتفاقات سياسية لا تلبي الحد الأدنى من الثوابت الوطنية الفلسطينية.

 

ـ إن حركة حماس تضم بين صفوفها كفاءات متنوعة وفي جميع المجالات. وهذه الكفاءات يجب أن يتم الاستفادة منها في جميع مؤسسات السلطة بلا استثناء،  فهي تشكل دماء جديدة ستنعش الحياة السياسية والمؤسساتية الفلسطينية. وأن احتكار فصيل سياسي لمؤسسات السلطة يعني خلل خطير في تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص. فالوطن ملك للجميع والمشاركة في بنائه والنهوض به هو واجب الجميع بلا استثناء.

 

ـ إن دخول حركة حماس معترك المنافسة على السلطة لحركة فتح يشكل تحدياً كبيراً لها. وهذا بالطبع يتطلب مواجهة حقيقية مع الذات، وتغييراً جذرياً في عمل وممارسة حركة فتح. وأن الحركة التي شكلت في السنوات السابقة حزب السلطة قد تدافع الكثير من أفرادها إلى تقاسم الوظائف والبحث عن الاستحقاق الوطني بدون وجه حق في العديد من الأحيان. وأدى ذلك إلى ظهور فئة من الانتهازيين الذين بحثوا ولهثوا وراء مصالحهم الخاصة، فعاثوا في الأرض فساداً، وازدادوا غنى في الوقت الذي ازداد المضحون الحقيقيون فقراً. واتسعت بذلك الفجوة بين الشعب وسلطته وبين قاعدة حركة فتح وقيادتها التي تقوقعت حول نفسها في بروجها العاجية. وأحدث كل ذلك انقسام حاد في صفوف الحركة، وخلافات متعددة وفي أكثر من اتجاه. وحيث أن معركة الانتخابات تعني بالدرجة الأولى أن الصوت الانتخابي وليس الماضي النضالي (الوهمي أحياناً) هو الذي سيحدد مصير ومستقبل الوجود السياسي فإن القيادات التي تجاوزت وأهملت الشعب سابقاً لا بد أن تخضع للمحاكمة الشعبية الانتخابية. وهي محكمة حقيقية وعادلة ستقصي بالطبع من أثري على حساب الشعب. وستجعل الجميع بلا استثناء خاضع لرقابة الشعب ومحاسبته.

 

ـ إن مبدأ تداولية السلطة هو مبدأ ديمقراطي هام يجعل باب المشاركة في إدارة الشؤون السياسية والعامة مفتوحاً للجميع. ويدفع الجميع إلى التفاني في خدمة الشعب والقاعدة من أجل نيل صوتها. وهنا يتجسد مبدأ البقاء للأصلح. ويجعل المجتمع الفلسطيني في حالة حراك دائم وتنافس مستمر في إحداث التغيير وتحقيق الإصلاح في جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والقانونية.

 

ـ إن دخول حركة حماس المعترك السياسي سيبرز مدى قدرتها وكفاءتها على أرض الواقع. فهو يشكل تحدي لها أيضاً لإثبات مصداقيتها في ممارسة شعاراتها فعلياً. فأما أن تكون على مستوى المسؤولية التي تتغنى بها أو سيكون مصيرها الفشل وفقدان المصداقية التي تعاني منها حركة فتح حالياً. فالنجاح في الانتخابات يعد نجاحاً هاماً ولكن الحفاظ على النجاح سيكون الأكثر أهمية. 

 

ـ إن دخول حركة حماس الانتخابات سيعزز من صورة الشعب الفلسطيني إيجابياً، وأنه شعب يقبل ويمارس الرأي والرأي الآخر. وهذه سيقوض الصورة النمطية التي تسعى دولة الاحتلال إلى ترويجها بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. فالشعب الفلسطيني الذي يمارس الديمقراطية تحت الاحتلال لهو شعب يستحق الاستقلال وحق تقرير المصير، ويستحق أن يكون له مكانه رفيعة بين الأمم المتحضرة. وفي الوقت نفسه سيعزز ذلك صورة حركة حماس كحركة سياسية مقاومة تتفاعل مع المتغيرات بروح إيجابية وبراغماتية. وإنها تمتلك القدرة على حمل السلاح ضد الاحتلال كما تمتلك الخيار للاحتكام إلى صندوق الاقتراع.

ولذلك تعتبر مشاركة حماس في الانتخابات ليس مطلباً شعبياً فحسب بل حاجة وضرورة لإعادة رسم الخريطة السياسية الفلسطينية على أسس سليمة.

         

* عن كنعان النشرة الألكترونية  السنة الخامسة ـ العدد 591   28 آذار (مارس) 2005