متى يتصادم المشروع الأمريكي مع المشروع الإسلامي
متى يتصادم المشروع الأمريكي مع المشروع الإسلامي
بقلم : محمد الحسناوي *
نبادر منذ البداية فنوضح أن المقصود هنا بالمشروع الإسلامي هو مشروع جماعة الإخوان المسلمين في سورية لأنها الجماعة الأكبر بين الجماعات الإسلامية ، والمقصود بالمشروع الأمريكي هو مشروع الشرق الأوسط الذي تتبناه الإدارة الأمريكية الحالية ، بقيادة المحافظين الجدد ، جماعة الرئيس بوش . وآخر المستجدات بتاريخ 18/3/2004 م تبني الكونغرس الأمريكي قراراً يعتبر لبنان <بلداً أسيراً >، ويحض الرئيس بوش على الإطاحة بالنظام السوري .
الداعي إلى طرح هذا التساؤل : متى يتصادم هذان المشروعان؟ هو وضع النظام السوري على (أجندة ) التغيير الأمريكي ، بعد الفراغ من ترتيب الوضع اللبناني ، الذي فرض أولويته على الأجندة الأمريكية ، بمناسبة اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري .
من المعلوم أن المشروع الأمريكي لمنطقتنا يختلف عن المشروع الأوربي أو يتصادم معه ، ومن باب أولى أن يتصادم المشروع الإسلامي مع المشروع الأمريكي ، لكن المشروعين الأمريكي والأوروبي تقاطعا أو تطابقا في ترتيب الوضع اللبناني مؤخراُ منذ قرار 1559 ، فهل هناك تقاطعات أو توافقات يمكن أن تحصل أيضُا على المدى القريب في ترتيب الوضع السوري ؟
مما يؤكد هذا السيناريو في القطر السوري على النموذج الجيورجي والأوكراني ودول المنظومة الاشتراكية ، هو أن النظام السوري وصل إلى أبواب مسدودة مع نفسه ومع شعبه ، إذ لم يقبل المصالحة الوطنية ولا الاستقواء بشعبه وبالمعارضة السورية ، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين حتى الآن ، برغم كل الطروح المغرية والفرص المواتية ، ومع استعداده في الوقت نفسه للتفاوض فالاستسلام للأجندة الأمريكية والصهيونية بلا شروط مسبقة ، على حدّ أقوال صانعي القرار فيه ( الرئيس بشار ووزير خارجيته الشرع ) . هذا سبب وسبب آخر هو قصور النظام عن فهم المعادلة والتوازنات المحلية والإقليمية والعربية والدولية التي اختلت ، واختلفت عما كانت عليه في الماضي ، حين كانت تتيح له أن يكون لاعباُ مهماُ في المنطقة ، أو تضمن وجوده واستمراره .
في الخمسينات من القرن الماضي عرضت الإدارة الأمريكية على تنظيم الإخوان المسلمين في سورية (صفقة) مؤداها (المقايضة) في القضية الفلسطينية مقابل وصولهم إلى السلطة أو تسهيل وصولهم إليها ، لكن جماعة الإخوان المسلمين رفضت هذه الصفقة لتعارضها الجذري مع عقيدتها الإسلامية واستراتيجيتها العامة ، ولا سيما خوضها حرب فلسطين عام 1948م بكتائب سورية ومصرية ومن أقطار أخرى ، وكان الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للتنظيم السوري على رأس الكتيبة الإخوانية السورية ، وصاحب الخطاب المشهور في( مؤتمر بحمدون) عام5 195 ، ذلك الخطاب الذي أحبط محاولات الاستدراج الأمريكي للقوى الإسلامية ، باسم محاربة الشيوعية ونفوذ الاتحاد السوفياتي المتزايد .
اليوم وبعد مرور خمسين عاماُ ، ولو لم يحدث عرض ، تتجدد ( الصفقة ) برغم التبدلات والتحولات الكثيرة ، أولها تحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى إمبراطورية استعمارية على الشكل القديم ، وظهور ما يسمى(الإرهاب) ، وتبني الإدارة الأمريكية (مشروع الشرق الأوسط الكبير) الذي يتضمن دعاوى نشر الديموقراطية في العالم . وبالمقابل على الضفة الأخرى ازدياد الوعي الشعبي الفلسطيني فالعربي فالإسلامي بالقضية الفلسطينية وبالتعاون الاستراتيجي بين المشروعين الأمريكي والصهيوني ، ثم ظهور تنظيم (القاعدة) عالمياُ ، ومنظمة (حماس ) فلسطينياُ ، مع الفارق بين التنظيمين . وفي الوقت نفسه وصول تنظيم الإخوان المسلمين في سورية ، مع الصحوة الإسلامية العامة ، ومع سياسات الاضطهاد السورية .. إلى أن يكون فصيلاُ معارضاُ يحسب حسابه داخلياُ وخارجياُ ، لدرجة أخذت معها تقارير (معاهد الدراسات الأمريكية ) المتخصصة تتحدث ( بقلق) واضح عن الدور الذي قد يلعبه إخوان سورية إذا سقط النظام .
ما نقاط الاحتكاك بين المشروعين ؟
لاختلاف موازين القوى .. ترتبط نقاط الاحتكاك بالقوة العظمى ،المبادرة للصدام أو الاحتكاك، وهي الإدارة الأمريكية ، أي هي نقاط مشتقة من المصالح والأهداف الأمريكية في منطقتنا ، وفي مقدمتها ما يلي :
1 – وضع اليد على ثروات النفط العربي والإسلامي .
2 – حماية الكيان الصهيوني ، والتسوية المحققة لذلك .
3 – الهيمنة الأمريكية بأنواعها .
4 – الحملة على ما يسمى(الإرهاب) .
5 – نشر الديموقراطية (الأمريكية) في المنطقة .
يبدو الخلاف حول معظم هذه النقاط بين المشروعين الإسلامي و الأمريكي .. خلافاٌ جذرياُ ، غير قابل للتقاطع أو التهادن على المدى المنظور ، ومع ذلك استطاع حزب إسلامي تركي ، وهو حزب العدالة الوصول إلى (معادلة) توافقية مع الإدارة الأمريكية ، لأسباب منها البعد (الجيوسياسي) التركي عن منابع النفط وعن الحدود المباشرة لفلسطين والكيان الصهيوني ، على حين لم يستطع تنظيم إسلامي آخر موازٍ للإخوان العرب في باكستان هو الجماعة الإسلامية ( المودودي – القاضي حسين) إيجاد معادلة توافقية أخرى ، برغم بعد باكستان الجيوسياسي عن آبار النفط وعن الساحة الفلسطينية . لكن وجود القنبلة الذرية الباكستانية ، وهي قنبلة لإسلامية بمعنى من المعاني ، واستباحة أفغانستان القطر المجاور لباكستان عوامل مسهمة في تصادم المشروعين أيضاُ .
في الخمسينات من القرن الماضي حين رفض الإخوان المسلمون( صفقة المقايضة ) مع الإدارات الأمريكية .. قبلها غيرهم من القوى والأحزاب العربية ، مثل الضابط حسني الزعيم في سورية والضابط جمال عبد الناصر في مصر(كما ذكر مايلز كوبلاند في كتابه : لعبة الأمم) ، وقبلها حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية والعراق ( كما صرح صدام حسين: وصلنا في قطار أمريكي ) ، واستطاعوا الوصول إلى الحكم فالانفراد به ، لكن النتيجة أنهم سقطوا ،أو انتهوا إلى السقوط ،لأسباب متعددة ، منها تفاوت موازين القوى بين طرفي ( الصفقة)، ومنها الخلل الأخلاقي الشديد في جوهر الصفقة نفسها ، أي السماح لشعب غريب أن يغتصب أرض شعب آخر ، ويطرده ،ويقيم كياناُ خاصاُ به ،أو الاعتراف ، في الأقل ، بهذا الكيان .
فما الجديد في المعادلات والتوازنات المحلية والإقليمية والعربية والدولية بشأن الوضع السوري في المنطقة وبمناسبة وضع النظام السوري على منضدة الأجندة الأمريكية بعد لبنان ؟
الإدارة الأمريكية ترغب بتغيير النظام السوري ، لأنه أصبح عبئاُ عليها كبقية الأنظمة الاستبدادية الشمولية . والمعارضة السورية الوطنية ، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين ، ترغب بتغيير النظام بعدما وصلت معه إلى الأبواب المسدودة ، على خلاف بين مشروعي الإدارة الأمريكية والمعارضة السورية . والنظام السوري يوفر الفرص الكافية لإسقاطه أو تغييره ، وذلك بممارساته المعروفة المتراكمة ، و ( بتمترسه ) بها حتى آخر لحظة، ولإصراره على مواجهة مصير(أمثاله )،على الرغم من استعداده لتنفيذ الاستحقاقات الأمريكية والصهيونية بلا شروط مسبقة !
هل هذا كافٍ لوقف الصدام أو حصول تهادن بين المشروعين الوطني أو الإسلامي في سورية وبين المشروع الأمريكي ؟ وبمعنى آخر إذا تعارضت رغبة الأمريكيين بين نشر الديموقراطية في سورية وبين تأمين حماية الكيان الصهيوني واستقراره أو استمراره ، فأيهما تفضل ؟
الجواب من حيث التبسيط ليس صعباُ ، فقد سبق للإدارة الأمريكية أن دعمت الأنظمة الاستبدادية المحققة لمصالحها ، وما تزال حتى الآن تلعب اللعبة نفسها برغم تبنيها مشروع ( الحرية ) أو ما تسميه نشر الديموقراطية عالمياُ وفي الشرق الأوسط بالذات . ولا أدل على ذلك من تبديل موقفها من نظام القذافي الذي لم تتبدل أساليبه غير الديموقراطية .
يضاف إلى ذلك أن تقارير معاهد الدراسات الأمريكية تثير موضوع تنظيم القاعدة ، وموقف الإخوان المسلمين من هذا التنظيم ، فهي لا تنكر معرفتها بأن لا علاقة بين التنظيمين ، وأن التنظيم الإخواني أسبق وأقدم وأكبر من تنظيم القاعدة ، وأن تنظيمات الإخوان المسلمين تتبنى ( الخيار الديموقراطي ) في التغيير وفي الحكم ، كما أعلن إخوان سورية في ( ميثاق الشرف للعمل الوطني ) الذي وقعوه مع أطراف الطيف السوري المعارض عام 2001م ، وفي ( مشروعهم السياسي لسورية المستقبل) عام 2004 م ، لكن الإدارة الأمريكية تعلن بالمقابل أنه ( من ليس معها فهو ضدها ) ، بمعنى أنها تطالب المنظمات الإسلامية ، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين أن لا تكتفي برفض العنف في خطابها ، بل أن تنخرط أيضاُ في محاربته على القياس الأمريكي ، مساوية في ذلك بتبسيط مفرط بين عنف ( القاعدة ) وبين جهاد منظمة (حماس ) في الأرض المحتلة ، ( كحركة تحرير وطنية ) بمقاييس المنظمات والهيئات الدولية .
إذا كان القطر السوري لا يملك قنبلة نووية كالقنبلة الباكستانية ، وإذا كان القطر رافضاُ للاحتلال الأمريكي للعراق الشقيق المجاور ، وإذا كان لا يستطيع أي طرف سوري وطني لاسيما المعارضة بما فيهم الإخوان المسلمون .. صوغ معادلة توافقية كالتي صاغها ( حزب العدالة التركي ) ، فإن المطلوب من الإدارة الأمريكية ، إذا صدق توجهها إلى الديموقراطية خارج حدودها الجغرافية ، أن تسعى بنفسها إلى صوغ مثل هذه المعادلة ، أو تسهيل صوغها ، بمراجعة سياساتها ، بدءاُ بالقضية الفلسطينية وتعريف الإرهاب تعريفاُ لا يطمس حركات التحرر الوطني .
على المدى المنظور ، لا يتوقع أحد أن يحدث تغيير كبير في سياسات الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية أو تعريف الإرهاب ، برغم فلسفتها البراغماتية ، وبرغم التكاليف الباهظة في حماية الكيان الصهيوني وفي حروب أفغانستان والعراق العدوانية .
لذلك مما يقلق معاهد الدراسات الأمريكية .. تقدير حجم الإخوان المسلمين السوريين ، ومدى احتمال وصولهم إلى الحكم بعد سقوط النظام السوري .
برغم تعتيم النظام السوري المقصود على الأوضاع السورية ، ورفض الإخوان السوريين الاستقواء بالقوات الأجنبية .. نستطيع أن ونضح الصورة اكثر :
نعم هناك انتشار شعبي للتدين في القطر السوري ، ونمو للحركات والمنظمات الإسلامية ، بما فيهم الإخوان المسلمون ، لكن الإخوان المسلمين ، على ضوء خطابهم المعلن ، وعلى ضوء المعطيات في الوضع السوري المعجون بالخراب طوال أربعين عاماُ ( من انهيار في الدولة وفساد عام ) .. كل ذلك لا يغري الإخوان المسلمين بالمغامرة ، في تحمل المسؤولية العامة وحدهم ، زد على ذلك تركيبة المجتمع السوري ( تعدد الديانات والإثنيات والأحزاب ) ، وتجربة الحزب الحاكم سيئة الصيت . كل ما في الأمر أن خطاب الإخوان السوريين والتوازنات السورية، تقتضي أن يكون الإخوان فصيلاُ مشاركاُ للفصائل السورية الأخرى ،لا أكثر،في الصيغة الديموقراطية مسعى ومآلاُ .
* كاتب سوري وعضو رابطة أدباء