الدراما العربية وتجار رمضان
د. محمد رحال /السويد
الاستعداد لشهر رمضان في البلدان العربية هو استعداد شامل واستنفار عام في اروقة عالم الفن والرقص والكتابة والسيناريو والحوار , وهو استنفار في عالم الاخراج التلفزيوني خاصة , وفي مجال المسلسلات الدرامية بشكل اخص , ويكاد ان يكون السباق على تقديم افضل المسلسلات في هذا الشهر المبارك سباقا محموما وقد يؤدي في بعض الاحيان الى ازمات دبلوماسية , فالتنافس الخطير بين الدراما السورية والمصرية اخذت اشكالا من كسر العظام بعد ان تجاوزت الدراما السورية امها الدراما المصرية وباشواط واسعة وممتدة ووسيعة , خاصة وانها بدأت تطرح للمشاهد نمطا جديدا في الحياة المدنية بعيدا عن الفردية في اداء الادوار , وذلك بسبب كره المواطن للعمل والبطولة الفردية والتي ثبت لهم انها صورة من صور الفردية في الحكم , ولهذا فقد توسع طيف البطولة المشتركة في الدراما السورية حتى وصلت الى عشرات الممثلين , والى جانب هذا التنافس السوري المصري فقد برز الى السطح بعض الانتاج الدرامي الخليجي وبعض الاعمال الاردنية , في الوقت الذي لم تصل الى القمة الكثير من الاعمال المغاربية , ويعود السبب الى ابتعاد اصحاب الفضائيات عن شراء الاعمال المغاربية والتي تستعمل اللهجة الدارجة المغاربية والتي يستعسر فهمها في المشرق العربي وهم اصحاب القرار والمال في الشراء .
وتناحر هذه الفضائيات الموسمي على شراء الاعمال المميزة جاء من اجل الترويج لهذه المحطات والتي تنوعت وتعددت حتى ان بعضها والتي كان يشاهدها الملايين قد انخفض روادها الى العشرات والمئآت من المشاهدين فقط بعد التوسع الفضائي والتنافس بين اصحاب هذه القنوات, ولهذا فقد اتجهت الى الحصرية او التميز في هذا الانتقاء , كما وان هناك محطات فضائية تستغل هذا الشهر المبارك من اجل الترويج للفن العاري خاصة وان بعض الفضائيات تحاول ان تقلل جاهدة من المظاهر العارية في محطاتها احتراما لذوق المشاهد الصائم ولهذا فان بعض المحطات المختصة في تطوير وتحديث الفكر العاري للمواطن العربي المحروم, والتي يمتلكها الرأسمال العربي المتكرش والمهتم بابراز النعم الجمالية لدى بعض الفنانات وهي نعم صناعية او طبيعية او سليكونية وذلك من اجل استقطاب جمهور المحطات الاخرى والتي تتوب الى ربها نصف توبة في رمضان ثم تفتح ابواب الشهوات لما بعد رمضان , واختص بعض اصحاب الفضائيات والذين امتلكوا مجموعات فضائية , اختصوا بفتح محطة خاصة تتحدث عن الدين والايمان كنوع من انواع زكاة المحطات الفضائية الساقطة , وذلك على مبدأ ساعة لربك وعشرة لشيطانك , وترى شيوخ الدين يتسابقوا على تلك المحطات والتي لم تغفل ابدا من ان تستضيف بعض الشيوخ الملمعين فضائيا من اجل القاء بعض الدروس الدينية وذلك بعد الانتهاء من عرض مسلسل اباحي او اغنية لمطربة كست نفسها بعشر سنتيمترات من القماش المطاط , وجلست على كرسي امام المشاهدين وفتحت فخذيها وبدأت تشد تلك العشر سنتيمترات لتغطي فخذيها خوفا من الله وانطلقت في رحلة طويلة من النصائح الحميدة لنساء امتنا في كيفية تطوير الفنون والاخلاق حامدة الله على توفيقه لها في نجاحاتها الفنية المميزة .
ما ادهشني وراعني حقا هو انصراف تلك الدراما الوطنية والمتخصصة بشهر رمضان والتي تتحدث عن الاخلاق والمثل الكريمة لامتنا , ماأدهشني انها وعلى كثرة اعدادها لم تتطرق في اي منها الى مشاكل العراق الحبيب المحتل , وكأن هذا البلد لايقع ابدا على الخارطة العربية والاسلامية وانه مجرد بلد يقع في كوكب زحل , في الوقت الذي تحشر فيه المواقف الرجولية التافهة في تلك الدراميات العربية والتي تتعلق في غالبها بزعيم من شقاوات الاحياء والذي خلا عقله من العلم واعتمد على استعمال عقله في ضرب الخناجر والسيوف في رجولة على ابناء حارته او ابناء بلده , في الوقت الذي تتبخر فيه رجولته امام شرطي الحارة والذي يستطيع ان يشحط اكبر شارب في الحارة الى السجن او الكركون او القاووش وهناك ترفع رجليه ليدق على قدميه فلقة يخرج منها هذا الزعيم منتوف الشوارب يقبل الاقدام وبعد ان يدفع المعلوم والمجهول من انواع الرشى في ظاهرة من مظاهر تكريس الخنوع العربي المدروس , في وقت احتل فيه العراق ولم يقدم في تلفزيونات العرب وفي شهر الصوم الفضيل ولو مشهد درامي واحد عن البطولات العربية والاسلامية الخالدة والتي سطرتها دماء ابناء الرافدين الاكارم , ولم تصور لنا لقطة واحدة او مشهد واحد من تلك المشاهد الخالدة للام العراقية التي صبرت على الاحتلال ونامت على ارض البيت الفارغ من الاثاث تطوي ظلمات الليل فارغة الامعاء وحيدة في بيتها بعد ان قطع المحتل بانواعه الكهرباء والماء عنها , وبعد ان استشهد زوجها واعتقل ابناؤها الشباب في سجون الاحتلال وعملائه , ودون تهمة معينة في بلد يقبض فيه على الشباب ويلقى بهم في السجون خوفا من ان يفكروا يوم ما في ان يحملوا السلاح في وجه المحتل , وهناك في السجون ترتكب فيهم الفظائع لا لسبب معين وانما فقط لانهم ينتمون لفئة بعينها او حملوا اسما معينا او من اجل عداوة قديمة جاء دور تصفيتها وتحت رعاية دينية لشيوخ الشياطين اكثر منهم ايمانا وتقوى وفي ظل نظام عميل ادعى انه جاء من اجل رفع المظلومية عن شعب العراق واهله.
هذه الاعمال الدرامية والتي تركت الادباء يواصلون الليل بالنهار من اجل عصر ذهنم وفكرهم وحشر تلك المنتجات الاعلامية ليس من اجل دفع المواطن العربي والمسلم من اجل ان ينصرف الى شهر اراده الله للتوبة والاستغفار والتراحم في تظاهرة سنوية يندهش لها العالم , وانما انصرفت تلك المنتجات الدرامية والادبية والاعلامية للمواطن العربي والمسلم لتبعده عن اخلاق رمضان في التعبد والتنسك والا تجاه الى الله وبكل وسائل الغواية لتقطع اي اتصال بين المواطن العربي والمسلم وبين اي خيط من خيوط الاخلاق التي ساهم الاعلام بتدميرها وتحطيمها ثم البكاء عليها كمرثيات وتفصيل الثياب لها كفلكلور من الماضي البعيد , ورضي اعلامنا العربي وممولي هذا الانتاج ان يحل محل ابليس في دوره الابليسي خاصة وان شياطين الاعلام والفن العربي ومنتجيه سمعوا عن بعض الشيوخ ان الشياطين والاباليس تقيد حركتهم في شهر رمضان ولهذا فقد وجد اباليس الانس في شهر رمضان متسعا لهم للحلول مكان اباليس الجن وشياطينه كنوع من انواع الشهامة العربية العربية نحو الاباليس والشياطين .