المكتومين
مأساتنا أحلك سواداً
وأشد ألماً
من مأساة آباءنا المنفيين
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
أن نسمع عن مشكلة الأكراد الممنوعين من الجنسية، وأعدادهم بعشرات الآلاف فهذا أمر مازال مستمراً، فمشكلتهم لم تنتهي كلياً، ولم تحل جزئياً، منذ قرابة النصف قرن .
وقد تناولنا قضاياهم وانعكاساتها الإنسانية، بكل مالها من آثار موجعة، وهذا أمر نفتخر به ونعتبره واجباً، كونهم إخواننا وأبناء الوطن الواحد، مما يعني أن لهم مالنا وعليهم ما علينا
ولا يعني تناولنا لقضاياهم المأساوية ، تجاهلنا لفئة منهم حاولت الدسيسة، والتعامل مع الشأن الكردي وكأنه كردياً خالصاً، وليس سورياً وطنياً أصيلاً ثم أرادت تلك الفئة تجيير المآسي لحسابها الخاص ، محاولةً أن تدق إسفيناً مابين شرائح المجتمع. فقد تطرقنا لهذا الأمر كما تطرقنا لمأساة إنسانية أخرى كان ضحيتها عشرات الآلاف من المغيبين دخل السجون السورية منذ ثلاثة عقود، ولكننا ومع الأسف،ولغاية الآن لم نلق من ردود فعل بما يتناسب وحجم تلك المآسي الإنسانية التي لم يعد لها مكان ولا وجود في هذا العصر.
ومثل ذلك المشكلة الأكثر اتساعاً، وهي مشكلة المنفيين قسراً عن سورية وأعدادهم بمئات الآلاف، التي ما غابت ولن تغيب عن بالنا ، وكيف تغيب وهي جرح مستمر نزيفه !!
بالأمس القريب تناولت بعضاً من مُعاناتهم المأسوية في سلسلة من خمسة مقالات متتابعة ، وستستمر الكتابات مادام الإجحاف والظلم واقع على كل هذه الأصناف لا سيما بعد اتصالي اليوم في السفارة السورية التي أعربت فيه نائبة القنصل عن ترحيبها بالحل والتسوية لقضية المكتومين والتي طلبت مني الانتظار لتُعلمني بما هو المطلوب من السفير، ولكنني وبعد عدة اتصالات لم ألتقيها أجابني عنها في القسم القنصلي أحدهم وقال : بأن الأوامر والتعليمات تنص على أن المُعاملة لا تتم إلا في سورية ليتبين لنا بأن التعقيدات مصدرها السفير عبد الغفور الصابوني نفسه الذي بدأت الدعوات إلى الله تتوجه إليه بأن ينتقم منه ومن وراءه وأمثاله، وليس هذه فحسب بل وحتى اعتبار مُعاملات الأبناء والزوجات كرهائن للدفع ، ونفسه هذا السفير من صدر بحقه من قبل إدانة من مُنظمات حقوق الإنسان في السابق وبأنه يمارس دوراً سلبياً للغاية ضد مصالح ووجود السوريين المهجرين المقيمين في اليمن ، والطلب من السلطات اليمنية تسليم عدد منهم. ويحاول استغلال منصبه ونفوذه لإلحاق الأذى بهم. ولعل من آخر فصول تصرفاته أنه يحاول جاهداً الحيلولة دون حصول المهجرين السوريين في اليمن على تراخيص إقامة بدعوى أن وضعهم غير قانوني متنكراً بذلك لكل المعاهدات والمواثيق الأممية في حماية اللاجئين والمهجرين وتقديم كل عون ممكن لهم ، وهذا السفير نفسه كان في الأردن ومارس نفس التصرفات الشنيعة.
وبعيداً عن هذا السفير نتكلم اليوم عن المكتومين من أبناء السوريين المنفيين قسراً، وأعدادهم بالمئات ، هؤلاء الضحايا الذين لن أكتفي بشرح أحوالهم كتابة لكون معاناتهم تتطلب أشكالا أخرى من النقل أكثر توضيحا وشرحاً من الكتابة ، بل أسعى بكل جهدي إلى عمل روبرتاج إنساني تلفزيوني يُظهر قضيتهم للملأ وكذلك قضايا آبائهم وأُسرهم الذين شَقوا من سوء المُعاملة، وشقت بهم عوائلهم وأبناءهم وأحفادهم ، وتعبت الأعصاب من سوء المُعاملة وبرود القائمين على خدمتهم ورعايتهم ، ابتداءً من هذا السفير الذي لا يرعوي لله عهداً ولا أمانةً ولا مسؤولية ، وإنتهاءً بمن عينه ويُلقمه الكراهية والحقد تلقيماً ، هذا السفير الذي لم نفتح له بعد ملفات الفساد التي يُديرها والتي هي جاهزةٌ بين أيادينا ، وكذلك لا أُخفي على أحد بأنني سأتوجه في الأسبوع القادم بطلب رسمي الى مكاتب الأمم المُتحدة لشرح قضايا المكتومين ونقل مظالمهم التي تتم عنوة وقهراً وجهاراً نهاراً.
وللدخول في الموضوع فقد التقيت بأحد المكتومين السوريين وهو أحد أبناء المنفيين قسراً عن سوريتنا الحبيبة ، لأسأله عن الصعوبات التي يُلاقيها في حياته العملية من جراء وضعه. وبكلماته الخاصة عبر الرجل عما يجول في داخله من معاني قائلا : "والله لو كنا أبناء الصهاينة الذين اغتصبوا الأرض، وشردوا الأهل، وداسوا المُقدسات في فلسطين، لما عوملنا هكذا من دولتنا وحكومتنا، التي يجدر بها أن تكون الراعية، والحاوية لكل أبناءها ، ونحن سوريين أبناء سوريين ولدينا شهادات ميلاد من الدول التي ولدنا فيها بأسماء آباءنا الذين كانوا بدورهم عاجزين عن الحصول على وثائق من السفارات السورية التي تعاملت مع أهالينا على أساس منعهم من الحقوق المدنية في حينها ، واستمر الحال على ما هو عليه إلى اليوم الذي هدأت فيه الأمور وأردنا أن نُثبت وضعنا النظامي ، وإذ بنا نُفاجأ بالكثير من العراقيل التي تحدثت عنها أنت في مقالاتك ، ونحن منذ ثلاث سنوات والى يومنا هذا نُحاول ونبذل الجهود دون جدوى ، ولا أمل يلوح في الأفق يبشر بإنهاء مأساتنا، ومما يزيد من هذه المأساة هو اضطرارنا للعيش في المنفى القسري مع آباءنا رغماً عنّا، كوننا لا نطمئن في حالة العودة إلى الوطن من أن يقوم النظام بأخذنا كرهائن، كما فُعل مع الذين سبقونا . ولكن عدم وجودنا حاليا رهائن في الداخل، لا ينفي كوننا رهائن من خلال القيود التي تفرض علينا، ومن خلال طريقة التعامل المتنافية مع القيم الإنسانية التي نعامل بها، فنحن محرومون من أبسط حقوق المواطنة، وعلاوة على ذلك مستبعدون من أدنى الحقوق الآدمية في هذا العصر وهو امتلاكنا لوثيقة إقامة أو حق التعليم والسفر... وأنت تعرف ما معنى وثيقة الإقامة التي بدونها لا يعترف بك مقيما،ولا تستطيع التنقل، ولا التسجيل في المدارس، والجامعات ولا أن تأخذ نصيبك من التطبيب أو العلاج إلى ما هنالك من احتياجات...فأي وضع لا إنساني هذا الذي نعيش!!"
وآخر قال : "سمعنا عن الوحشية في المُعاملة، ولم نُجربها من قبل إلى أن قررنا الذهاب إلى أبواب السفارات، حيث عوملنا كمُنكرين ومنبوذين وعبيد وكأنه لا وجود لنا ولا اعتبار لنتسائل عن المغزى من وراء ذلك ، وهاهي السفارات التي جعلت لتكون لنا عونا وسندا للمواطن المغترب ترفض أن تؤدي دورها معنا برفضها تقديم أي شكل من أشكال العون لنا، تحت حجة عدم امتلاكها لأية صلاحيات ابتدعها هذا السفير، فلماذا اسمها سفارة إذاً؟؟!! وما مُهمتها في البلدان؟!
وأين تذهب أموال الضرائب المستقطعة من المواطن تحت بند الإنفاق على البعثات الدبلوماسية؟!
وكيف تسمح دولتنا أن يعامل مواطنوها معاملة بهذا السوء تحت أنظار العالم أجمع ؟!
ألا يكفينا ما نُعانيه مع آبائنا من آثار النفي وتبعاته ، ومن قلة ذات الحال وبؤس الحياة ، ألا يكفينا أننا عوقبنا مثلما عوقب آباءنا، عن أشياء ليس لنا ولا لهم يد فيها، مما يزيد الطين بلّةً علينا، بحرماننا حتى من الوثائق، الذي تعني وجودنا ، فأي نظام وأية دولة في عالم اليوم تعامل أبناءها بهذه القسوة واللا إنسانية التي لا تستند إلى أسباب أو مبررات وجيهة!؟"
وللعلم بأنني اتصلت بالعديد من الأصدقاء في كل دول العالم ، ومعظمهم أكد لي على سوء هذا السفير وسوء إدارته للسفارة في اليمن ، ليتسلق مناصباً أعلى على حساب مُعاناة المواطنين ، وهذا السفير نفسه سيكون له الجزء الأكبر في مقالات قادمة لنُقدم أوراق فساده على الخلائق دون أن نحسب له أي حساب على مُعاملات أجراها وتعاملات قام بها بالخفاء