حينما تغلق معابر السفر
ريما عبدالقادر - غزة
كل يوم انظر إلى التقويم وتبعث في نفسي أمرين في إحداهما الخوف وبالأخرى شيء من الأمل، خاصة حينما أجد الأيام تمر سريعا لتقترب من انتهاء جواز سفر والدتي، ويليها بفترة قصيرة جدا انتهاء جواز سفري الأردني. في ذلك الوقت تفوح بداخلي الكثير من الكلمات التي أحافظ على صمتها لأحافظ على الهدوء قدر المستطاع وأعطي لنفسي أمل قريب بفتح معبر رفح، وأن استطيع العبور من خلاله. لا أنكر إن قلت في نفسي أن هذا الأمل صغير جدا خاصة أن الأمر مرتبط بفتح المعبر أولاً والسماح لنا بالمرور ثانيا لكن كل ذلك يتلاشى بمجرد أن أقول في نفسي" والله إن أذن لي المولى عزوجل بالسفر فسوف تفتح لي كل المعابر، وإن لم يشاء فستغلق المعابر وإن كانت مفتوحة". كما لا أخفي أن القلق الذي ينتابني هو خوفي على والدتي التي أصاب قلبها حزن شديد باستشهاد نجلها وحبيبها فادي فكانت تجد بتجديد جواز سفرها فرصة للتحليق في مكان أخر لبعض من الوقت، فاخشي أن يأتي تاريخ 28/7 ولم يستطع أن يجتاز أحدنا معبر رفح.
لا اعلم بالضبط إن كانت أربعة شهور أو أكثر أول أقل بقليل حينما جهزت حقيبة السفر، ظناً مني بأن الموعد يقترب بكل يوم، فكنت ولازلت أتابع كل خبر صغير كان أو كبير يتعلق بفتح المعبر. وفي كل يوم أجد والدتي بانتظار أن أسمعها أخبار جديدة، وفي كل مرة الإجابة تكون شبه واحدة "لا جديد بالأمر" لكن بالوقت ذاته أذكرها بأن ثقتنا بالله تعالى يجب أن تكون كبيرة ولازال الأمل موجود حتى وإن أغلقت معابر الدنيا فمعبر رحمة الله تعالى مفتوح ولن تغلقه سلطات بشرية.
لا أنكر بأنني حاولت أن أجتهد عند كل فتحت معبر بمحاولة السفر لظروف اضطرارية لكن لم يكتب بها الله عزوجل الموافقة بعد بالسفر. فحاولت تكرارا الاتصال بشخصيات لها علاقة بالمعابر ليس من منطلق عملي بالصحافة بل من منطلق أنني مواطنة تنطبق عليها شروط السفر وهي: جواز أجنبي سوف ينتهي بالأيام القريبة، وإنني قمت بالتسجيل حسب ما طلب مني بوزارة الداخلية بحكومة غزة واحترمت بذلك كافة القوانين فحصلت على تذكرة سفر رقمها 60 ويعد شهور طويلة من فتح المعبر أصبحت رقم 11 والآن أعتقد أصبحت رقم 5 ولا أعلم إن كان هذا الرقم سينقذني بالعبور قبل انتهاء جواز السفر أو لا. كانت إجابات الاتصالات إيجابية لكن للأسف لم تحرك من الأمر شيء. كنت كثير ما أقول لمن حولي "والله هذه الاتصالات والإجراءات هي فقط من أجل أخذ بالأسباب فقط وإنني أدرك بأن الأمر و كلها بيد الله عزوجل وحده".
لازلت أتذكر حينما تم فتح معبر رفح قبل ما يقارب أقل من شهر وأتذكر جيدا حينما وجدت أسمي واسم والدتي واسم شقيقي وشقيقتي في قائمة المسافرين، فجهزنا أنفسنا وودعنا أحبتنا واتصلنا على من نعرف من خارج فلسطين وأخبرناهم بأن سفرنا قريب جدا إلا أن ذلك كله تبخر كما يتبخر الماء في درجة الحرارة المرتفعة حينما انتظرنا لساعات قليلة وبعدها قيل لنا المعبر أغلق فعدنا للبيت والتعب المحزن كان واضح علينا. لا أخفي أنني كثير ما كنت أقول في نفسي"إذا انتهت الجوازات ماذا سنفعل ؟؟ هل يمكن لنا العبور؟؟! لكن سرعان ما أغير هذه الأفكار حينما أتيقن بأن رحمة الله أكبر من كل شيء".
بعد ظهر اليوم اطلعت على صحيفة فلسطين فوجدت فيها مقالة مناشدة من قبل رئيس التحرير الصحفي مصطفى الصواف عنوانها" نداء إلى خير سند بعد الله، الأخ رئيس الوزراء" كان من خلالها يتمنى أن تستطيع حالتان السفر إحداهما امرأة تجاوزت السبعين تريد السفر لابنتها التي أصيبت بالجلطة في مصر الشقيقة، والثانية لفتاة تريد أن تلتحق بخطيبها في دولة خارج فلسطين. هذه الحالات لا ترتبط بقريب أبو بعيد من الصحفي مصطفى إنما طلب منه أن يقدم مساعدة إن استطاع فمن واجبه الديني والأخلاقي كتب هذا المقال. فكنت كلما اطلع على كلماته أقول في نفسي" كم تمنيت يا أستاذ مصطفى، أن تكون ذكرت حالة ثالثة بالمقال وهي حالتي أو بالأصح حالة والدتي، والله إن كان الأمر على قدري فلا بأس لكن الأمر يشمل والدتي الحبيبة". مقال أ. مصطفى شجعني على أن أكتب هذا المقال وأن أناشد من ناشدهم أيضا لكن بعد الله تعالى. بأن يساعدوا والدتي على السفر خاصة أن السفر ليس من أجل نزهة أو سياحة كما أن والدتي الحبيبة هي والدة شهيد فقد كرمها المولى عزوجل بأن تكون أم شهيد فبالله على كل مسؤول ألا تستحق والدتي أن تسافر من أجل ظروف مختلفة؟؟! قد يصل مقال أ. مصطفى للكثير من المسؤولين خاصة أنه نشر على صحيفة فلسطين، لكن السؤال الذي يدور في ذهني هل يصل مقالي إلى المسؤولين ذاتهم؟؟! كنت أجيب بنفسي بأنه ممكن أن يصل فلا مشكلة كبيرة بذلك وإن لم يصل فلا بأس فكما قلت في بداية الكلمات أنني أخذ بالأسباب فقط وأعلم أن الأمر بيد الله عزوجل إنما يقول للشيء كن فيكون سبحانه بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير. يا أرحم الراحمين وأنت أعلم مني بكل كلمة بأنني ما كتبت هذا المقال حتى لا ألقي اللوم على نفسي بأنني لم أخذ بالأسباب التي استطيع القيام بها.
"اللهم إن أغلقت معابر البشر فلن تغلق معابر رحمتك"