دعوة تفتقد لأبسط قواعد المنطق واحترام العقل
دعوة تفتقد
لأبسط قواعد المنطق واحترام العقل!!
فيصل الشيخ محمد
كما هي العادة فإنني أتصفح ما يكتب في بعض وسائل الإعلام وخاصة منها ما ينشر على مواقع الإنترنت من مقالات وأخبار قد لا تكون وسائل الإعلام الأخرى الرسمية وغيرها تسمح بنشرها لأسباب قد أتفق معها في بعضها وأختلف معها في البعض الآخر.. ولكن هذا الاختلاف لا يصل إلى درجة الذم والقدح والافتراء لأنني احترم عقل الإنسان مهما كان لونه وطبيعته، وهو حر فيما يفكر طالما أن الأمر لا يخرج عن دائرة احترام الرأي الآخر والاستماع إليه..
وقد لفت انتباهي مقالاً نشره موقع (كلنا شركاء) يوم السبت الماضي (11 تموز الحالي) للسيد (رائق النقري) تحت عنوان: (مدرسة دمشق للمنطق الحيوي تدعو الإخوان المسلمين السوريين لحل التنظيم وإلى الأبد) بدأه بالتهجم على جماعة الإخوان المسلمين ومفترياً على أهم رموزها الشيخ سعيد حوا رحمه الله.
وأنا هنا لا أريد أن أفعل الشيء نفسه وأخرج عن قواعد الأدب والاحترام، وسأترك الأمر للقارئ الكريم ليتلمس ضحالة وصغر ما كتبه النقري من مفتريات وأباطيل - ليس فقط بحق جماعة الإخوان المسلمين فنحن لا نغضب لأنفسنا - بل بحق التاريخ الذي لا يمكن لأي قلم رخيص أن يطال من حقائقه الموثقة والمحفوظة والمحفورة في أذهان جيل الوحدة المصرية السورية التي عايشناها بكل تفاصيلها بحلوها ومرها.
يقول السيد رائق النقري في مقاله: (لقد حلت الأحزاب نفسها عام 1958 من أجل الوحدة ومن بينها البعث والإخوان المسلمين.. ألا ترون أن قلب صفحة الماضي وتدعيم الوحدة الوطنية جديرة بالتضحية ومن ثم البحث عن بدايات جديدة حيوية توحيدية احتوائية تجعل غير المسلمين يفخرون بها قبل المسلمين وتجعل غير العرب يفخرون بها قبل العرب هذه هي دعوتي لكم من القلب والعقل.. فهل ترونها دعوة المنطق الحيوي؟).
بداية أريد تصحيح معلومة حول حل الأحزاب السورية لنفسها عند قيام الوحدة المصرية السورية والتي جاءت بناء على رغبة عبد الناصر الذي اشترط على الموافقة على قيامها بحل الأحزاب السورية حتى تتساوى الساحة السورية التي كانت مملوءة بالحيوية والنشاط الفكري المتنوع، مع الساحة المصرية التي كانت فارغة من أي لون سياسي منافس للنظام العسكري الذي كان يحكمها..
صحيح أن الأحزاب السياسية السورية المتعددة، ما عدا الحزب الشيوعي السوري الذي أعلن عداءه للوحدة قبل قيامها، قد أعلنت عن حل نفسها عند قيام الوحدة وكان من بينها جماعة الإخوان المسلمين وحزب البعث، وعندما التزمت جماعة الإخوان المسلمين بهذا الحل، كان حزب البعث يعمل تحت الأرض منذ الساعة الأولى لإعلان قيام الوحدة رافضاً الحل، بدليل أن أمينه العام ميشيل عفلق توجه إلى بيروت وأقام فيها ينشط ضمن منظمة الحزب في لبنان ويجري الاتصالات مع قيادات حزبه في سورية، وموازياً إلى ذلك قام نفر من الضباط السوريين البعثيين المقيمين في مصر بتشكيل (اللجنة العسكرية) التي راحت تخطط للاستيلاء على الحكم في سورية عندما تتاح لها الفرصة، كما قامت مجموعة حزب البعث التي شاركت في الحكم وعلى أعلى المستويات (نائب رئيس جمهورية ووزراء) بالاستقالة الجماعية بعد أقل من عام من قيام الوحدة لإرباك النظام وإفشال الوحدة والتربص بها لأنهم لم ينالوا ما ظنوا أنهم سينالوه عند قيام الوحدة (جعل الإقليم السوري مزرعة لهم).. وراحوا يسعون إلى الانفصال وشق صف عرى الوحدة حتى تم لهم ذلك في 28 أيلول 1961، حيث تصدروا مجموعة إصدار بيان الانفصال، بل وكان من بينهم من صاغ نص البيان، ووقع عليه رمزان من رموز حزب البعث، لا نريد ذكر اسمهما لأنهما الآن يعيشان في عالم الأموات احتراماً لروحهما وسمعة ذويهما، أما جماعة الإخوان المسلمين فقد رفضت الانفصال وقاومته وامتنعت حتى دخول القاعة التي صيغ فيها بيان الانفصال رغم ما تعرضت له جماعة الإخوان المسلمين من نظام الوحدة من مضايقات وحرمان وإبعاد وإقصاء وملاحقات، وقد ترفعت عن كل ذلك في سبيل الوحدة التي هي جزء أساسي من أهدافها وطموحاتها.
وفي الوقت الذي تقدم فيه عدد من الضباط من أصحاب المراكز المهمة في الجيش السوري بعرضٍ للقيام بانقلاب وتسليم جماعة الإخوان المسلمين الحكم رفضت الجماعة ذلك مستهجنة ذلك الفعل، فقد نفذ حزب البعث انقلابه في الثامن من آذار من عام 1963 بواسطة (اللجنة العسكرية) التي كان قد شكلها في عهد الوحدة، واستولى على الحكم بقوة البندقية، وخاصم جماعة الإخوان المسلمين ولاحق أعضاءها، في حين رحب بعودة الأمين العام للحزب الشيوعي السوري خالد بكداش، الذي رفض الوحدة وتآمر عليها، وأعطاه عدداً من الحقائب الوزارية ومنح بعض أعضائه النيابة في مجلس الشعب، ولا يزال حزب البعث يحكم منذ ذلك التاريخ ونحن الآن في العام 2009 دون أن يقبل بمشاركة أي فصيل سياسي آخر في الحكم الذي استأثر به من دون كل الأطياف السياسية والفكرية التي قد تختلف معه في الرأي أو المنهج.
أخيراً أليس في طلب السيد رائق النقري من جماعة الإخوان المسلمين أن تحل نفسها وهي التي التزمت بقرار حل نفسها عند قيام الوحدة ولم تفعل أي شيء يعكر صفو الوحدة أو يهدد كيانها كما فعل الشيوعيون وحزب البعث، ولا يطلب نفس الشيء من حزب البعث الذي استولى على الحكم بأسلوب غير شرعي، أن يحل نفسه ويترك للشعب السوري اختيار نوع الحكم وشكله ومضمونه عبر انتخابات نيابية حرة ونزيهة، ولو فعل النقري ذلك لكان قد أنصف في طلبه، وكانت جماعة الإخوان المسلمين أول المتقبلين لمثل هذا الطلب، إذا كان يحقق العدل والإنصاف ومصلحة الوطن والوحدة الوطنية وقد فعلت ذلك الجماعة من قبل؟!