حتى أنت يا برو... عباس؟!
فيصل الشيخ محمد
طوى الموت قائد الثورة الفلسطينية ياسر عرفات، الذي أبى الاستسلام للعدو الصهيوني أو الانصياع لشروطه، وقاوم الحصار بلحم جسده لشهور طويلة، في الوقت الذي كانت فيه عصابة أوسلو تتقلب في نعيم ورياش فنادق الخمس نجوم في رام الله وأريحا، وتمضي الليالي الحمراء في نوادي تل أبيب الليلية، بصحبة قادة العدو الصهيوني، وقد فضحت إسرائيل ذلك عبر تسريبها لصور عباس ودحلان وهما يتبادلان نخب كؤوس الخمر وتبادل الأحاديث الودية والضحكات والهمسات والغمز واللمز، تشفياً بما يحدث لعرفات وما يتعرض له من تضييق وحصار ومحاولات قتل.
مات الرجل عزيزاً منتصب القامة كنخلة عربية باسقة، أبى حني ظهره حتى وهو محمول إلى الطائرة التي أقلته إلى باريس.. وقد أكل السُّم أحشاءه وفتّت قلبه..يوزع القبل الأخيرة على تراب فلسطين الذي أحب وعشق وهام فيه حتى الرمق الأخير.
وجاءت تصريحات فاروق القدومي الأخيرة التي أطلقها من عمان يوم الأحد الماضي 12 تموز واتهم فيها صراحة عباس ودحلان بالتواطؤ مع شارون في تسميم ياسر عرفات كوقع القنبلة على رؤوس عصابة أوسلو، وقد ظنوا أنهم سيكونون في منأى عن كل ما حدث لعرفات وما اقترفوه بحقه وحق الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، لتجيء تصريحات القدومي ضربة مؤلمة على أقفيتهم، فراحوا في تخبط يكيلون للقائد فاروق القدومي سيلاً من الشتائم والسباب والنعوت، وهذا سلاح الضعفاء عندما يواجهون الحقيقة ويقعون في (حيص بيص) فلا يعرفون كيف يفعلون ليمسكوا بطوق النجاة من هذا البحر اللجي الذي أوقعهم فيه أبو اللطف وهم في سكرتهم يعمهون!!
ورد أبو اللطف على شتائم ونعوت عصابة أوسلو بكل رصانة ورباطة جأش قائلاً: (إنني لم اتهم أحداً وإنما هناك وثيقة ومحاضر جلسات عقدت بين شارون وعباس ودحلان تؤكد تورطهم في تسميم الرئيس الفلسطيني الراحل)، مشدداً (على أن الوثيقة صحيحة مائة بالمائة، وليبرهن من يشكك فيها على كذبها).
وفي تفسيره لأسباب إعلانه متأخراً عن الوثيقة، كشف القدومي في تصريحات أدلى بها لقناة الجزيرة يوم أمس الأربعاء 15 تموز أنه (منذ عام 2004 وهو يحاول التأكد من صحة ما جاء فيها وعندما وصل لقناعة تامة بصحتها أبلغ بعض أعضاء فتح وكان ينوي عرضها على المؤتمر السادس للحركة، إلا أنه عندما استبد عباس برأيه وقرر عقد المؤتمر في بيت لحم وليس في الخارج مثلما كان مقرراً في السابق، قرر الكشف عنها).
عصابة أوسلو في مضمار ردها غير المتوازن على تصريحات القدموي أقدمت في خطوة هستيرية على إغلاق مكاتب قناة الجزيرة في الضفة الغربية، بحجة أنها نقلت تصريحات أبو اللطف وأجرت معه لقاء صحفياً حول تصريحاته في عمان.. علماً أن جميع وسائل الإعلام العربية والدولية أعلنت عن تصريحات القدومي تزامناً مع إعلان الجزيرة لها.
وإقدام فياض على إغلاق مكاتب قناة الجزيرة في الضفة الغربية هو حلقة جديدة تؤكد على أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن قلوب عصابة أوسلو مليئة حتى الشرايين حقداً وغضباً على قناة الجزيرة المحاربة التي كانت النصير الأول للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة منذ انطلاقتها قبل ثلاثة عشر عاماً، والتي كان مراسلوها يتعرضون للموت والضرب والمضايقة من الصهاينة على ما يقومون به من فضح ممارسات الاحتلال وإرهابه وفي كل الظروف والأنواء بشهادة كل العرب والأجانب المحايدين والشعب الفلسطيني، وإغلاق مكاتب الجزيرة حلقة تؤكد أن هناك صلة بين موت عرفات وأصابع الغدر التي امتدت لتشارك العدو الصهيوني فعلته الدنيئة والرخيصة في تسميم قائد الثورة ياسر عرفات والانتهاء منه كعقبة كأداء في إنهاء حلقات أوسلو التي خططوا لها من وراء ظهره.
وكان رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية والقيادي في حركة فتح فاروق القدومي اتهم رئيس السلطة الوطنية محمود عباس والمسؤول الأمني السابق النائب محمد دحلان بالتورط في خطة أمريكية إسرائيلية لتسميم عرفات.
وخلال لقاء مع الصحفيين في العاصمة الأردنية عمان يوم الأحد الماضي 12 حزيران ، لم يكتف القدومي رفيق نضال عرفات بمجرد الاتهام وإنما عرض أدلة واضحة تثبت صحة كلامه، منها الإشارة إلى اجتماع فلسطيني - إسرائيلي- أمريكي عقد في سنة 2004 وتم خلاله التخطيط لقتل الرئيس ياسر عرفات مسموماً، بالإضافة للتخطيط لتصفية قادة في حماس.
وأضاف القدومي ، الذي يعتبر أحد مؤسسي حركة فتح في عام 1965، أن محضر الاجتماع الذي جمع عباس ودحلان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إرييل شارون ووزير دفاعه شاؤول موفاز بحضور وفد أمريكي برئاسة وليم بيرنز في مطلع آذار عام 2004 يعتبر دليل اتهام قاطعاً تم خلاله التخطيط لتسميم عرفات واغتيال القيادي في حركة حماس عبد العزيز الرنتيسي وتصفية آخرين.
وتابع قائلا: (الاجتماع خطط، كما يكشف المحضر، لتصفية عدد من قادة حركة حماس مثل إسماعيل هنية ومحمود الزهار وعدد من قادة الجهاد الإسلامي وفي مقدمتهم عبد الله الشامي ومحمد الهندي ونافذ عزام، من أجل تصفية المقاومة).
واتهم القدومي أبو مازن بأنه يريد عقد المؤتمر العام للحركة (تحت حراب الاحتلال) في بيت لحم بهدف فرض برنامج سياسي على الحركة يسقط حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة ، ويحول حركة فتح إلى حزب السلطة.
وأضاف أن إصرار حركة فتح على عقد مؤتمرها السادس في مدينة بيت لحم في حضن الاحتلال الإسرائيلي وعلى مرأى من رجاله وأعوانه يتعارض مع قرار سابق للجنة التحضيرية والمركزية بعقد المؤتمر في الخارج.
وانتهى القدومي إلى نعت الرئيس عباس بـ (المنشق عن حركة فتح التي يقف ضدها، والفاقد لشروط عضويتها، والمستبد في تصرفاته الانفرادية، سعياً إلى اقتناص الألقاب، والاستيلاء على السلطة).
لم يكن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات هو القائد الوحيد الذي يتلقى الطعنة من الظهر من أقرب رفاقه، فالتاريخ يحدثنا عن كثير من مثل هذه المواقف والتي كان من أشهرها قصة يوليوس قيصر الذي قُتل غدراً بالرغم من كل ما أنجز لشعبه وبلده، لكن الطمع والجشع، وحب السلطة والثروة قاد المقربين منه للتخطيط واغتياله. فحتى لا يُتهم شخص واحد بقتله أُتفق على أن لكل واحد من قاتليه طعنة يجب أن يطعنه أياها فيتفرق دمه. كان أخر من طعنه أحب أصدقائه إليه ومحل ثقته، والشخص الأقرب إلى قلبه (بروتس) حتى قيل أنه كان ابناً له لكثرة ما أغدق عليه، ومنحه من الأوسمة والمناصب. نظر حينها "يوليوس قيصر" في عيني صديقه وهو يغرس خنجره في ظهره المسخن بالطعنات، وقال له: (حتى أنت يا بروتس)؟ فأجابه (إني أحبك لكني أحب روما أكثر)، فكان جواب قيصر له: (إذاً فليمت قيصر).
بحجة حب الوطن، وباسمه، وتحت رايته قُتل باني الوطن، وصانع نهضته زوراً وبهتاناً. وكانت كلمة قيصر الأخيرة (إذاً فليمت قيصر) قمة في السخرية من جلاديه وقاتلوه. وبنفس الوقت قمة في التضحية والتفاني. لسان حاله يقول إن كان هذا في سبيل الوطن فقد سامحت غدرك وخيانتك يا (بروتس). وإن لم يكن زعمك صحيحاً فلتذهب روحك إلى الجحيم. إن كان الغدر بي فيه تقدم للوطن، فقد أمضيت عمري كله في سبيل رفعته، فلن أبخل بروحي الآن عليه.
وهذا حال ياسر عرفات تكررت معه نفس المأساة وتلقى الطعنات من أقرب المقربين إليه، وودع الوطن وهو يقول عبارته المأثورة: (القدس عاصمة فلسطين شاء من شاء وأبى من أبى...!!).