من مَقرّّاتِهم تعرفونهم
من مَقرّّاتِهم تعرفونهم
أمير أوغلو / الدانمارك
اتخذ وزراء الخارجية العرب منذ أيام قرارا بتشكيل برلمان عربي موحد تكون دمشق مقرا له, كخطوة على طريق توحيد الأمة العربية وإصلاح الجامعة العربية.
هذا البرلمان سيتألف من أربعة برلمانيين من كل دولة عربية, تنتخبهم برلمانات بلادهم, وأما الدول التي لا يوجد فيها برلمانات فترسل أعضاء منتخبين من مجالس الشورى أو المجالس والهيئات التي تكافئ البرلمانات في البلاد الأخرى والتي تمثل السلطة التشريعية. وباعتبار أن عدد الدول العربية إثنتان وعشرون دولة –هذا إذا كانت الجامعة العربية مازالت تعتبر العراق وفلسطين والصومال والسودان دولا عربية ذات سيادة- فسيكون عدد أعضاء البرلمان الجديد ثمانياً وثمانين نائباً.
هذا القرار طبعا ناجم من الضغوط العربية الشعبية التي تنادي بإصلاح الجامعة وإعطائها دورا أكبر في حياة العرب السياسية خاصة بعد فشل قمة تونس الأخيرة وتحولها إلى مهزلة سياسية , بالإضافة إلى الموقف السياسي العربي في السنوات الأخيرة والذي يمكن تسميته باللاموقف, أو كما قال حسنين هيكل موقف الغياب والغيبوبة العربية.
إختار الوزراء دمشق لتكون مقرا للبرلمان الجديد, ولعل هذا الإختيار وحده كاف لإعطاء صورة عن هذا البرلمان المرتقب والآمال المعلقة عليه, فكل العرب وخاصة المسؤولين السياسيين في الجامعة يعرفون مدى الديمقراطية والحرية التي تتمتع بها دمشق ويتمتع بها برلمان دمشق الذي يسمى رسميا مجلس الشعب, وقد رأى العالم نماذج من قرارات هذا المجلس وتصرفاته بعد وفاة الرئيس السابق والد الرئيس الحالي. وبناء على قاعدة "فاقد الشيء لا يعطيه" فلكم أن تتصوروا حال هذا البرلمان العجيب.
إذا كان البرلمان العربي الجديد صورة للبرلمانات العربية الحالية فلا أعتقد أن أحدا من العرب, عدا الرؤساء والحكام طبعا, يسره أن يرى ولادة هذا البرلمان , فكيف إذا كانت صورة هذا البرلمان هي صورة لمسخ قميء يجمع مساوئ كل البرلمانات العربية ويفتقد إلى المصداقية وإلى القدرة على اتخاذ وتنفيذ قرارات لم تستطع الجامعة نفسها تنفيذها رغم أنها تتخذ على مستوى رؤساء الدول العربية؟
إذا كانت البرلمانات العربية والمجالس العربية التي تنتقى من الحاكم أو تنتخب بإشراف الحاكم ولا دور لها إلا التصفيق للحاكم, هي التي ستختار, بناء على توصية هذا الحاكم طبعا, الممثلين الأربعة الذين سيذهبون إلى دمشق الحرية لتشكيل البرلمان القادم, فما هي المصداقية التي ستتولد عند المواطن العربي حول هذا البرلمان؟
جميل أن نتكلم عن الفساد وعن الإصلاح ولكن هل سيصلح اجتماع المفسدين فساد كل منهم على حدة؟ جارنا أبو علي بائع الخضروات والفواكه في الحي كان يقول لي وهو يخرج قطع الفاكهة الفاسدة من الصندوق ويرميها بعيدا: تفاحة واحدة فاسدة تفسد كل الصندوق , فكيف لو رأى أبو على صندوقا يتألف من كل التفاح الفاسد في العالم؟ هذه المفاهيم طبعا لا يمكن تطبيقها على عالم السياسة العربية فهو عالم خال من المنطق ومن القوانين ومن المفاهيم أصلا, عالم السياسة العربية هو ترداد غبي وأبواق ناعقة تكرر ما يفكر به الحاكم حتى قبل أن يصرح به, طلبا لعطاياه وابتغاء مرضاته.
عجيب هذا التغابي والتعامي عن المشكلات الحقيقية لهذه الأمة وعجيب إضاعة الأوقات والأموال في تأليف مثل هذه المسرحيات الهزلية وعجيب موقف الأشخاص الذين قد نعتبرهم من العقلاء في إصرارهم على تجريب المجرب ومحاولة إصلاح المخرب وإحياء الجثث العفنه التي صار دفنها واجبا شرعيا وعقليا ومنطقيا وإنسانيا, إلى متى سنظل ندور ونلف حول مشكلاتنا ونتجنب الحديث عن أصلها وسببها ومنشئها ؟ وإلى متى سيظل مكتوبا على هذا المواطن العربي التعيس أن يرى هذا الإصرار العجيب على استغبائه ومعاملته كأنه من غير صنف البشر العقلاء .
إذا كان واجب الجامعة العربية وقراراتها على مستوى الحكام طوال السنوات السابقة هو اللهث وراء الحدث السياسي وإقراره أو تأييده أو استنكاره في أحسن الأحوال, فما هو المؤمل من مجلس البرلمان هذا وأعضاؤه لا يملكون في بلادهم صرفا و لا عدلا؟ إن مشكلتنا لم تعد مشكلة مؤسسات وجامعة وبرلمان بل هي مشكلة التعاكس بين أهداف الحكام وتطلعاتهم وبين أهداف الأمة وتطلعاتها, والحل لا يمكن أن ينبع لا من الحكومات ولا من المؤسسات التابعة لها , الحل لن يكون إلا من الشعوب التي يجب أن تأخذ زمام أمرها بيدها وتنصب حكامها بمشورتها الحقيقية وتحدد سياستها وأولوياتها بإجماع أهل الفكر والعلم والمعرفة فيها, بغير هذا سنبقى دائرين في الساقية.
19 كانون الثاني – يناير 2005