مجزرة صيدنايا

من انقلاب الثامن من آذار إلى مجزرة صيدنايا

وماذا بعد؟!..

د.محمد بسام يوسف*

[email protected]

لا يمكن لأيٍ من أصحاب الضمائر الإنسانية الحيّة، إلا أن يتفاعلَ إيجابياً، مع ما جرى منذ عامٍ واحدٍ في (سجن صيدنايا) المغروز في خاصرة دمشق.. دمشق التي لقّنت، على مَرّ التاريخ البشريّ، كلَّ الطغاة الذين حاولوا إهانتها.. دروساً ما تزال الأجيال الإنسانية تُشبِعها دراسةً وتحليلاً واستنباطاً واستثماراً، فصارت دروس الحرية في تاريخ دمشق، منارةً لكل شعبٍ يتوق إلى التحرّر من العبودية والذلّ والاضطهاد والظلم!.. وحين نامت دمشق أو نُوِّمَت، عن كبريائها وحقّها في الحياة الحرّة الكريمة.. نامت كل القِيَم الإنسانية للضمير البشريّ، الذي أصبح ضميراً مستَتِراً مُخَدَّراً بالهرطقة الميكيافيلية، التي تهبط بالنفس الإنسانية إلى مهبط الصمّ البكم العمي الذين لا يعقِلون!..

مواجهة الاستبداد في (سجن صيدنايا) تفجّرت، منذ أن اجتاحت دبّابات الطائفيين في عام 1964م جامعَ السلطان في قلب حماة، فسحقت أكثر من خمسين مسلماً حموياً آووا إلى حرمة مسجدهم ومحرابهم وصلاتهم، وأحالت المسجدَ الشريفَ إلى ركام!..

مواجهة الدكتاتورية في (سجن صيدنايا) اندلعت، منذ أن استيقظت الشام ذات صباحٍ على مقالة (أسطورة آدم)، التي اقترفها الطائفيّ الملحد وأحد مؤسّسي حزب البعث (زكي الأرسوزي)، على صفحات مجلة (جيش الشعب) الرسمية!..

مواجهة القمع في (سجن صيدنايا) اشتعلت، منذ أن اقتحمت قوّات الحرس القوميّ للحزب الحاكم في عام 1965م الجامعَ الأمويَّ في قلب دمشق، فدمّرت ما دمّرته من الجامع الشامخ، وقتلت وجرحت واعتقلت المئات من روّاده، الذين حموه بصدورهم وقلوبهم!..

مواجهة الباطل في (سجن صيدنايا) بدأت، منذ أن دنّست دبّابات الجيش (التقدّميّ) -المؤسَّس على معايير الانقلاب العسكريّ ليوم الثامن من آذار عام 1963م- جامعَ خالد بن الوليد في قلب حمص، وانتهكت حُرمتَه، وضمّخت بهمجيّتها وقارَ البطل الفذّ الذي ضمّه ثرى الجامع الشريف!..

مواجهة البطش في (سجن صيدنايا) انطلقت شرارتها، منذ أن أشرقت شمس سورية ذات نهار، لتصطدم بوقاحة المدعو (إبراهيم خلاص) في عام 1967م، الذي دعا على صفحات مجلةٍ حزبيةٍ حكوميةٍ رسمية، إلى (وضع الله -جل جلاله- والأديان.. في متاحف التاريخ)!..

مواجهة الحكم الطائفيّ في (سجن صيدنايا) انبعثت أدخنتها، منذ أن أرّقت قوّات (علي دوبا) و(رفعت أسد) في عام 1980م ليلَ عاصمة الأمويين، بمداهمة جوامعها ومساجدها في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، فعاث الطائفيون فيها فساداً، ومزّقوا المصاحفَ وداسوها ببساطيرهم العسكرية، وسرقوا محتوياتها!..

مواجهة وحشية الأسديّين في (سجن صيدنايا) ومجزرتها وُلِدَت، من رحم مجزرة حماة الكبرى، التي ارتكبتها قوّات (حافظ أسد) في عام 1982م، فقتلت أربعين ألفاً من سكانها، وأبادت أكثر من نصف المدينة وثمانيةً وثمانين مسجداً وثلاث كنائس!..

مواجهة الظلم في (سجن صيدنايا) استُنبِتَت، في سجن تدمر الصحراويّ، الذي ما تزال تتردّد في جنباته، تكبيرات أرواح آلاف المظلومين الذين قُتِلوا واغتيلوا فيه، واستغاثاتهم التي تشكو إلى الله وحده، ظلمَ الظالمين وتقاعسَ المتقاعسين!..

مواجهة القهر في (سجن صيدنايا) استعرت نيرانها، يوم استقوت حثالات الأسديّين على نساء سورية المحجّبات وفتياتها في عام 1981م، في شوارع دمشق، لتمزيق حجابهنّ الإسلاميّ بالقوّة جهاراً نهاراً!..

حرب (سجن صيدنايا) بدأت، منذ وقوع الانقلاب الدمويّ لأصحاب الشعارات المزيّفة الخادعة: بدءاً بشعار: الوحدة والحرية والاشتراكية.. حتى شعارات: الممانعة، والمقاومة، والخيار الاستراتيجيّ.. مروراً بشعارات: أمة عربية واحدة، والتحرير، والتوازن الاستراتيجيّ، والصمود والتصدّي!..

*     *     *

ما الذي فعله سلوبودان ميلوسوفيتش أو شاوشيسكو أو بوكاسا أو بينوشيه، أو أمثالهم من طغاة العصر، نسبةً إلى ما اقترفه هذا النظام السوريّ السفّاح طوال أكثر من أربعة عقودٍ من عمر سورية؟!.. فلماذا يصمت هذا العالَم المنافق، الذي يُسمّي نفسَه بالعالَم الحرّ.. على الفظائع التي يرتكبها هؤلاء السفّاحون الأسديّون الساديّون الطائفيّون؟!..

ما القِيَم التي صارت تحكم فرنسة، التي استقبلت (بشار أسد)، بطل مجزرة باستيل دمشق الرابض في (صيدنايا).. استقبلته على راحتَيْ العاصمة باريس، التي هدمت الباستيل الفرنسيّ، وأهدت مشعل الحرية إلى الدولة التي تتزعّم العالَم اليوم؟!.. ولماذا عاد قلب الجنرال (غورو) لينبضَ في شرايين الرئيس (ساركوزي)؟!..

ما سرّ تجلّي هذه الأزمة العميقة، في حياة بعض الحركات الإسلامية وقياداتها المأزومة، التي باتت ترى، أنّ المصحف الشريف الذي أهين في غوانتانامو، ومُزِّق في (باغرام) الأفغانية والمساجد العراقية.. هو غير المصحف الشريف الذي داسه جلاوزة بشار أسد في سجن (صيدنايا)؟!..

ما الذي جري في أروقة المفاوضات بين النظام الأسديّ والعدوّ الصهيونيّ، وبينه وبين الإدارة الأميركية، التي تُرجِمَت في قلب العروبة والإسلام: دمشق، تدنيساً لكتاب الله، ومجزرةً رهيبةً بحق شرفاء سورية في (صيدنايا)؟!..

هل يستطيع العالَم كله، بِغَربه المنافق، وشرقه الأصمّ، وبعض حركاته الإسلامية والقومية البكماء، وأنظمة حكمه العمياء، وأجهزة إعلامه الداجنة.. هل يستطيع كل هؤلاء أن يقفوا بوجه المرجل الشعبيّ السوريّ، حين يصل صدى دويّ انفجاره إلى قطبي الأرض الشماليّ والجنوبيّ، ويكتسح كلَّ ما بطريقه من خَبَثٍ وذلٍ وقهرٍ وتواطؤ.. واحتلالٍ وتآمرٍ وطغيانٍ وباطل.. وكلَّ أوكارِ الشياطين الخُرس؟!.. هل يستطيع؟!..

              

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام