مقاصد الشريعة وحكام المسلمين

مقاصد الشريعة وحكام المسلمين

بقلم : أمير أوغلو

 [email protected]

كثير من علماء الأمة يحرمون تكفير الحاكم المسلم والخروج عليه بحجة درء الفتنة وعدم جواز تكفير المعين إلا بشروط لا يمكن تواجدها في أي حاكم مسلم في زماننا الحالي , ويستند علماء الأمة إلى أحاديث صحيحة عديدة , وإلى تفاسير محددة لمعنى ولي الأمر , وكيفية استيلائه على الحكم , وإلى قاعدة درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة , إلى آخر ما هنالك من أدلة إسلامية تحفظ للحاكم سلطته وتحفظ للبلاد استقرارها وأمنها على زعمهم .

يشترك في هذا علماء السلطان والعلماء الذين مازالت الأمة ترتجي منهم الخير ولكن إلى مدة لن تطول إذا ظلوا ساكتين عن هذا الظلم الذي يعيشه الناس .

 

 لن نناقش هنا الموضوع من هذه الزاوية ولكننا نريد أن نرجع به إلى أصوله من جهة مقاصد الشريعة والتي حددها واتفق عليها علماء الأمة منذ دهور طويلة , فقد ذكروا لنا أن الشرع والدين والرسل والكتب السماوية كلها جاءت لتحفظ للناس أمورا خمسة في حياتهم الدنيا وهي :

النفس   الدين    المال    العرض العقل

 

وقد أجمعت الأمة على هذه الأمور الخمسة بغض النظر عن الترتيب والأولويات .

 

لو اعتبرنا الآن أن مهمة الحاكم المسلم في الأرض هي حفظ هذه الخمسة وتأمينها لشعبه بغض النظر عن درجة إيمانه وتعامله مع الدين أو الشريعة كفرد , لاستطعنا إيجاد أرضية صلبة ننطلق منها لدراسة صلاحية هذا الحاكم للبقاء في سدة الحكم , ولدراسة إمكانية محاولة عزله والخروج عليه بالوسائل المتاحة .

 

دعونا ننقاش النقاط واحدة واحدة :

 

ففي مجال النفس وهي الروح والحياة والتي هي أصل الوجود وأصل كل شيء نرى أن في بلاد المسلمين يموت خمس الأطفال قبل بلوغهم السنة الخامسة من العمر وهذا باعتراف كل من له علاقة بالإحصاء في هذا العالم . فهل قام حكام المسلمين بدورهم في هذا المجال وهل أدوا مقصد الشريعة الأساسي وهل يجوز الخروج عليهم لتحقيق هذا المقصد ؟

 

لقد شاهدنا حكاما مسلمين يفقدون الملايين من أبناء شعبهم بسبب حماقتهم وجهلهم ومطامعهم الشخصية فهل الخروج عليهم هو المفسدة أم أن المفسدة هي بقاؤهم في الحكم وتبرير العلماء لهذا البقاء . وكم من الشعب يجب أن يموت قبل أن يبيح العلماء الخروج على الحاكم ؟ ( عند السادة الأحناف حسبما قرأت يجوز هلاك ثلثي الناس في سبيل إقامة العدل والحكم الإسلامي ونحن نطبق الرأي الفقهي للأحناف ولكن بالعكس فنقول يجوز هلاك ثلثي الناس في سبيل بقاء الحاكم الظالم في الحكم !)  لقد شاهدنا حكاما يقصفون أبناء بلادهم بالطائرات التي اشتروها بأموال الناس , هذه الطائرات التي تستحي أن تخترق أجواء الأعداء الحقيقيين ناهيك أن تقصفهم , وشاهدنا مدافعهم ودباباتهم تحاصر العواصم والمدن لتقتل كل من يقول لا للحاكم , فمتى سنسمع صوت العلماء يقولون لنا لقد وصل الحاكم إلى المرحلة من الاستهتار بحياة شعبه إلى الدرجة التي تبيح لكم الخروج عليه ؟

 

أما في مجال الدين وهو ما يجب على كل حاكم مسلم تأمينه لشعبه وتسهيل ممارسته وأداء شعائره حتى نستطيع أن نصف المجتمع بأنه مجتمع مسلم , هذا بغض النظر عن تطبيق أحكام الشريعة , فالحوار حولها لن ينتهي  , فنرى أن الدول الإسلامية لم تعد تحارب أحدا من أعدائها بقدر محاربتها للمسلمين أو الإسلاميين أو الإرهابيين كما صاروا يسمون , ولو أحصينا عدد السجناء السياسيين في العالم العربي لكان نصيب الإسلاميين منهم النسبة الكبرى .

المساجد في كل أنحاء العالم العربي فقدت دورها وصارت تفتح للصلاة فقط وتغلق بعد الصلاة مباشرة . التربية والتعليم ابتعدا عن الدين بحجة حقوق الأقليات الأخرى , وصار العلم محايدا كما يقولون والتربية يمكن أن تسمى بأي اسم  غير أنها تربية إسلامية . فماذا يجب أن ينتقص من الدين حتى يبيح العلماء الخروج على الحاكم ؟ أما الدول التي تسمي نفسها إسلامية فلن أتعرض لها هنا لأن تفنيد حججها يحتاج لمقام آخر ومقال آخر .

لقد اتفق علماء المسلمين جميعا على أن غرض الحكم في الإسلام هو إقامة العدل فهل الذي تعيشه الدول العربية والمسلمة هو عدل ؟ وما هو الظلم إذا ؟

 

وفي مجال المال والمقصود هنا المال العام والخاص , فلا أعتقد أن عالما واحدا أو إنسانا واحدا عاقلا  في العالم العربي يمكنه أن يدافع عن الحكام العرب من ناحية تصرفهم بأموال العباد وأموال الدولة وتحويل الدول إلى مزارع خاصة يستغلونها مع أولادهم وأسرهم وأقربائهم والمقربين إليهم حسب مزاجهم الخاص , يحولون العام إلى خاص ويتصرفون بكل أنواع الواردات والصادرات ويحتكرون السلع والخدمات التي تجلب الأرباح الهائلة لهم ولأولادهم , بينما نرى الشعوب تكافح من أجل البقاء وتموت وتحيا من أجل لقمة العيش ونظرة واحدة إلى تقرير التنمية العربي يرينا المصائب الكبرى التي تجتاح بلادنا من ناحية البطالة وتوزيع الثروات والثراء الفاحش والفقر المدقع وحياة الناس تحت خط الفقر ومعدلات التنمية , أكل هذه المصائب لاتكفي علماءنا الأفاضل ليبيحوا لنا الخروج على الحاكم ؟

 

وفي مجال العرض ينقسم الحديث إلى العرض من ناحية الشخص ومن ناحية المجتمع , فالحفاظ على أعراض الناس لا يعني أنه الحفاظ عليهم بحيث لا يغتصبهم أحد ! – رغم أننا وصلنا إلى هذا المستوى في سجون بعض الحكومات – بل هو الحفاظ على عفة وطهارة المجتمع من كل ما يؤدي إلى الخبائث والمحرمات التي نهى الله عنها فأين حكامنا من هذا ؟ وعندنا الحاكم الشاذ والحاكم الذي تبيح حكومته للشواذ الحرية , والحاكم الذي تأتيه الفتيات إلى قصره في الليل أبكارا ليخرجن في الصباح ثيبات , والحاكم الذي يبيح في دولته جميع أنواع المفاسد والملاهي والمحرمات . فهل وصلنا إلى مرحلة الخروج أم مازال علماؤنا ينتظرون المزيد ؟

 

وأما العقل وهو الثقافة والعلم والتعلم فنرى إحصائيات الأمية الفعلية والأمية الحقيقية والأمية الثقافية والأمية المعلوماتية والأمية الإجتماعية والأمية التربوية , ونرى محاولات تغييب العقل العربي ونرى غسيل الدماغ المستمر للشعوب لخلق نماذج طيعة مسالمة مستسلمة كالأغنام أو أشد , فقد رأينا من الأغنام من تنتفض عند ذبحها أما الشعب العربي فممنوع من الإنتفاض حتى تحت حد السكين , ونرى تغييبا شديدا لكل ما يمكنه تحريك الوعي الجماعي والحس الجماعي للشعوب , فهل يشفع للحاكم أنه يفتح المدارس لتعليم فك الخط للناس , وينشئ الجامعات التي تخرج أفواج العاطلين عن العمل وأفواج الشباب الذين يحق لهم التفكير بكل شيء إلا بمساوئ الحاكم وعوراته وطرق تغييره ؟ ياسادتنا العلماء متى يحق لنا  أن نقول إن الحاكم اغتصب العقل في بلادنا وأننا يجب أن نخرج عليه ؟

 

أحبائي وسادتي علماء الإسلام , لقد بلغ السيل الزبى , وعندما انتفض الناس في أوروبا على ظلم ملوكهم وعلى الكنيسة وتجمعوا تحت شعار " اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس " كانوا على حق , فقد عرفوا وقتها أن الذي يستخدم الدين ليبرر للحاكم بقاءه وظلمه وتسلطه وتوريثه الحكم لابنه , هو السبب الحقيقي فيما يعانونه من ظلم واضطهاد وقمع وفقر وذل وتخلف , فلا تدعوا هذه الشعوب التي وثقت بكم إلى الآن تصل إلى هذه المرحلة واتقوا الله فيها واتقوا الله في العلم الذي أعطاكم , أنتم ورثة الأنبياء الذين لم يورثوا درهما ولا دينارا بل حقا وحقيقة وعلما وشرعا , ورثوا كلمة حق عند سلطان جائر وورثوا أن جهنم تسعر أول ما تسعر بعالم لم يعمل بعلمه بل استغله لدنيا يصيبها أو منصب يناله أو حياة رغيدة بعيدة عن المشاكل والمتاعب . لم يعد ينفع ياسادتي الكلام وراء الحجرات ومن خلف الستار ولم يعد ينفع النصح للحكام فقد تصلبت جلودهم وتحجرت عقولهم وقست قلوبهم , وهم يستغفلونكم منذ عشرات السنين وأنتم تسيرون خلفهم تبغون الإصلاح الذي لن يأتي إلا بزوالهم وأنتم  أدرى الناس بهذا . أفتونا أيها السادة كم يجب علينا الإنتظار , ولا تمنونا بقرب تغير الحاكم وصدق توبته فنحن لم نعد نستطيع الإنتظار , وإن كان الحاكم سينصلح فصلاحه لنفسه بعد أن يتركنا ويرحل وهذا أصلا من شروط توبته إن كان صادقا فيها .

 

أما الشعوب التي طال انتظارها للقائد الملهم الذي سيخلصها من الذل والعبودية لغير الله تعالى فعليها أن تعلم أن القائد هي التي تصنعه , وأن الثورة لا تحتاج لإذن حاكم ولا لفتوى عالم , الشعوب إن لم تأخذ بيدها زمام أمرها فسيطول ذلها وستصبح عبرة لمن يأتي من خلفها , بعد أن ضيعت حياتها سدى واستحقت جوابه تعالى لمن تحجج بالاستضعاف يوم القيامة : " ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك ...... "