الانقسام المبارك...؟

الانقسام المبارك...؟

د. محمد يحيى برزق

[email protected]

بعد عملية الحسم العسكري الذي قامت به حماس في 14-6-2007 دخلت السلطة الفلسطينية في حالة ما يعرف بالانقسام...

مقالات وتحليلات سياسية كثيرة تبكي كلها زمان الوصل وتلعن الساعة التي حدث فيها الانقسام ويزيدون على ذلك بعض البهارات الوطنية والقومية والإسلامية. يقولون إن المستفيد من حالة الانقسام هو العدو  الصهيوني اللئيم وأن الخاسر الأكبر هو جل الشعب الفلسطيني وعلى رأسهم فتح وحماس ويدللون على ذلك بأن اليهود زادوا من وتيرة بنائهم للمستوطنات في الضفة الغربية ومصادرة الأراضي وزاد  نهمهم في ابتلاع ما تبقى من القدس.. والمشهد العام يقول.. كأن ندما ما بدأ يغزو عقول وقلوب فصائل المقاومة فتسمع وتقرأ عن أن الحسم كان  اضطراريا (أي أنه لو عاد الزمان إلى الوراء فسوف لن نحسم شيئا وسوف لن نقسّم شيئا) وتسمع أيضا أن الحوار استراتيجية حقيقية وأن هدفنا هو تحقيق الوحدة الوطنية وإعادة اللحمة بين شطري الوطن وفي هذا السبيل نحن مستعدون للتعالي على الجراح والأوجاع وذلك رغم كل ما يحيط بالحوار من ما يشبه الركل والصفع والضرب بالنعال إلى آخره من أبشع وسائل الإذلال والإهانة والإجرام الذي مازالت عصابة أوسلو الفتحاوية تمارسها في حق حماس..

فهل حقا أن حماس وصلت إلى نقطة الندم على ما أحدثه  الحسم من حالة الانقسام هذه..؟

و إلا فلماذا يقول الحمساويون إن رأب الصدع وتوحيد شطري الوطن هو توحيد للجهد الوطني ورص للصفوف  ضد العدو الواحد وبذلك  فإن تحقيق الوحدة مطلب وطني استراتيجي يجب تحقيقه مهما كلف الثمن ومهما عظمت التضحيات؟ لقد ورد هذا المعنى في كلمة الأستاذ الفاضل عزيز دويك عندما هتف "الوحدة.. المصالحة.. الحوار نيابة عن الأسرى, و طلب من الجميع أن لا يتدخل بينه و بين "الأخ" "الرئيس" و أن أول من اتصل به بعد الإفراج عنه كان هذا "الأخ".. ولقد سمع الجميع مثل هذا الكلام في خطاب الأخ الفاضل خالد مشعل, إذ بعد وصفه لما يمارسه مجرمي دايتون في حق حماس أكد قائلا: سوف نذهب إلى القاهرة يوم الأحد القادم 27/6/2009 لكي نستكمل الحوار مع "الإخوة" في فتح".

ليسمح لي كل من يؤمن بهذا الكلام وكل من يروجه داخل حماس وخارجها مهما كان مقامه أن أصف توجههم بالسراب الكبير.. و أتوجه للدكتور دويك الذي انتخبناه لكي يمثلنا ويعلي صوتنا.. بالنسبة للوحدة, مع من؟ و ضد من؟ هل الوحدة مع فلسطينيي دايتون الجدد  تيار الخيانة الذي أكل فتح؟ و هل هذه الوحدة ضد دولة اليهود؟ و ذات الاستفهام حول المصالحة.. نتصالح مع مجرمين و ساقطين و جواسيس عالميين و خونة لكل ما يعتز به الدكتور عزيز الدويك وأمثاله من الشرفاء؟ نتصالح مع هؤلاء الحثالة؟ لماذا؟ هل نحن مثلهم لكي نتصالح معهم؟ إن الذي بيننا وبينهم دين عظيم وفلسطين.. إذا تصالحنا معهم بحجة رأب الصدع, ماذا عن تقسيمهم لفلسطين بيننا واليهود وتجاوزهم لكل محظورات الدين؟ أما بالنسبة للحوار فأنا لا أعرف كيف تواصلون الحوار "الوطني" مع قادة الفلتان الأمني والتآمر لمسح حماس والمقاومة من الوجود.. كيف تصفونهم بالوطنية أمام شعبكم وشعوب الأمة الإسلامية بعدما أكدتم وأثبتّم لها أنهم قطعان من الوحوش والخونة؟ أم أن كلامكم كان فقط كلاماً في الهواء "مناكفات إعلامية".. أما بالنسبة لرجاء الدكتور دويك الجميع أن يخلّو بينه وبين الأخ الرئيس فكأن دولته يرى أموراً لا نراها ويرجو أموراً يظن أنها غابت عن الجميع.. للتصحيح فقط يا دولة رئيس المجلس التشريعي. أبو مازن ليس أخوك وسوف تثبت لك الأيام بل قل الساعات القليلة القادمة. كيف يكون أخوك وهو يناصب كل إخوانك أشد العداء؟ ثم إن أبو مازن هذا لم يعد رئيساً.. أرجو أن لا تنسى هذه الحقيقة الهامة يا دولة رئيس المجلس التشريعي! أي أن الذي اتصل بك هو الآن مجرد زوج السيدة أم مازن وأحب أن أشدد هنا على أن أي اتصال من طرفكم بالمدعو أبو مازن يمكن أن يفهم منه اعترافاً به و بحكومته سيكون بمثابة مخالفة للدستور.. القصد هو أننا لا نستطيع شرعا ودستورا أن نطيعك فنخلّي بينك و بين من أسميته "خطأً" رئيس.

أما بالنسبة لما ورد في خطاب السيد خالد مشعل أمام نخبة قيادات حماس فأنا لا أفهم (رغم معرفتي بالمنطق وباللغة العربية) كيف يصف أخانا  أبا الوليد عصابة الجريمة والخيانة عبيد دايتون بأنهم بلغوا في إجرامهم ما لم يبلغه العدو منذ عام 67 ثم بعد ذلك و بكل هدوء وسهولة يسميهم "الإخوة" في فتح, رغم أنه يعلم تماما أنهم ليسوا إخوة وليسوا فتح.. أنا آسف أن أقول بأن هذا الكلام غير مقبول لأنه غير مفهوم ولأن من شأنه أن يزيد من عدم وضوح الرؤية في قواعد حماس والمقاومة وأكثر من ذلك في أذهان كل من يريد أن يصدق ما جاءت به حماس من وثائق وبراهين حول عمالة ونجاسة الإخوة في فريق أوسلو الذي نريد أن نذهب لنحاوره في القاهرة؟؟

   إخواني.. أحب أن اذكر الجميع بأنّ الوحدة التي يتحدثون عنها ويبكون عليها كانت موجودة قبل الحسم الحمساوي.. فهل كانت هذه الوحدة في مصلحة الوطن أو المجتمع أو أي شيء فيه..؟

لقد كانت عصابة أوسلو ومنذ أن احتلت مناطق السلطة وشغلها الشاغل محاصرة المقاومة وإذلال المواطن والعمل على تحقيق التجانس التام مع أجهزة العدو الأمنية من موساد وشاباك وشين بيت وهذا ما كشفته ملفات هذه السلطة السرطانية إضافة إلى الانحطاط الأخلاقي الذي وصل إلى أفحش درجات النجاسة..

لقد استطاعت هذه العصابة أن تكرّس الانقسام الخطير بين فتح والمقاومة وعلى رأسها حماس وذلك من خلال سياسة الإقصاء الأمني للحمساويين فلا يحصلون على أي وظيفة وتحويل جل فرص العمل للفتحاويين الذين قبلوا بشروط هذه العصابة فتمّ تحويلهم إلى نوع من المخلوقات الوفية لسلطة الجريمة التي هيأتهم نفسيا وموضوعيا للتحول من خندق المقاومة إلى مجرد طلاب رواتب ومناصب إن بالحق أو بالباطل و بذلك تكون هذه المخلوقات الوفية مستعدة لتنفيذ كل أنواع الأوامر الصادرة لها وهذا ما حدث..

إن هدف هذه العصابة هو تنفيذ أوسلو وخارطة الطريق وهذا يعني إعدام حماس والمقاومة.. فهل هذا كان يحقق وحدة الكلمة ومصلحة الوطن والشعب يا حماس؟

إن الذي حدث بعد الحسم ليس انقساما بل تطهيراً مباركاً لأرض غزة من غرغرينة القيح التي كانت تفتك في كل شيء فيها, فلقد تم استئصال شأفة الفساد والمفسدين الذين فقدوا هويتهم الوطنية وصاروا علينا أعدى من الأعداء..

وبعد كل ذلك أيها السادة الكرام  تريدون منا أن نبكي الوحدة الوطنية ونلاحق جلسات الحوار مع ذئاب ما زالت أنيابها ومخالبها تخوض في أبناءنا وبناتنا وقادتنا ملاحقة وتعذيبا وتقتيلا غير بعيد عن طاولة الحوار الخربة.

وفي هذا المنعرج الخطير ليسمح لي الأخوة في حماس.. أن أعلن لهم الآتي:

أنا ضد الحوار الوطني وضد  الوحدة الوطنية وأبارك الانقسام والقطيعة مع هؤلاء القتلة الأنجاس وضد كل الاتفاقيات التي وقّعها عباس من وراء الشعب ولا يعترف بها أحد من الشعب وكذلك فأنا لا ولن أعترف أو ألتزم أو احترم هذه الاتفاقيات وأعتبر أن كل المبادرات التي تقر بشرعية الاحتلال على شبر واحد من فلسطين أنها عين الخيانة للوطن والشعب  والدين والتاريخ وتفريط بالحاضر والمستقبل وأن من حقي أن أرفضها وأن أواجه أصحابها بما يستحقون من تسخيف وعداء.. أنا لا أؤمن أبدا بأن أي دعوة لقواعد حماس والمقاومة أن يبتلعوا صديد وقيح الغرغرينة النجسة ولو تحت شعار التعالي على الجراح, لن يكون مفيدا لا لحماس ولا لفلسطين.. وإنني إذ أقف هذا الموقف أزعم أنني لا أمثل نفسي فقط بل لعلي أنوب عن القطاع الأوسع في حماس والشعب والأمة والله وحده من وراء القصد.