تقرير زيارة طبية إغاثية إلى دارفور – السودان

تقرير زيارة طبية إغاثية إلى دارفور – السودان

   أقامت جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية في عمان – الأردن، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي – فرع الأردن، مأدبة إفطار في قاعة جمعية خليل الرحمن في عمان، تحدث فيها الدكتور  علي مشعل – رئيس بعثة المستشفى الإسلامي إلى ولاية دارفور – السودان.

    وذلك في الساعة الثالثة والنصف عصر يوم السبت 23 من رمضان 1425هـ - 6/ 11/ 2004م حضرها جمهور من المثقفين، نقدم – فيما يلي تقريراً حول ذلك:

خلفية:

دارفور ولاية سودانية كبيرة تقع غرب السودان ويحدها من الغرب والشمال ليبيا وتشاد، وتزيد مساحتها عن مساحة فرنسا، وعدد سكانها حوالي (6) ستة ملايين نسمة جميعهم من المسلمين ومن المذهب المالكي. وفي الولاية عدد من المدن التي تؤوي مئات الألوف من السكان وفيها جامعات وكليات طب ومطارات.

والطابع السكاني خارج المدن هو قبلي رعوي أو زراعي. وكجزء من حياتهم وتراثهم التقليدي فإن غالبية الرجال القبليين مسلحون، وتتواتر بينهم الاحتكاكات القبلية بسبب الماء والرعي، وذلك منذ أقدم الأزمنة. والقبائل تعود في أصولها القديمة إما إلى السلالات الأفريقية مثل قبائل الزغاوة المنتشرة في السودان وتشاد، أو إلى القبائل العربية التي هاجرت إلى السودان ونشرت الإسلام فيه قبل مئات السنين، والتي تمازجت مع القبائل الأفريقية وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من مجتمع دارفور والسودان بشكل عام.

وقبل أكثر من عام نشب نزاع قبلي بين مجموعات من قبيلتي الزغاوة وأولاد زيد حول إحدى مشاكل الماء والرعي، أدى إلى قتلى كان أكثرهم من الزغاوة. تدخلت حكومة السودان – كعادتها في مثل هذه النزاعات – عن طريق الوجهاء، وعقد لقاء للصلح عرضت فيه الحكومة دفع جميع الديات، ووافق رؤساء العشائر على ذلك. غير أن مجموعة من رجال الزغاوة خرجوا على هذا الاتفاق وقاموا باعتقال زعيم عشيرتهم، وأعلنوا مطالب سياسية جديدة لم يعلنها أحد سابقاً، وظهر في الأفق أن هناك من يمولهم ويحرضهم على طلب استقلال الإقليم وخروج الحكومة منه. وبعد ذلك أخذوا يقومون بغارات على مواقع الحكومة وعلى القرى والقبائل الأخرى التي ردت عليهم بغارات مماثلة وقع نتيجتها ضحايا من الجانبين، واضطر عدد من القرويين وسكان البوادي إلى الهجرة من ديارهم ومضاربهم إلى أماكن أكثر أمناً. وقد تراوح عدد هؤلاء النازحين بين ثلاث مئة ألف إلى مليون لاجئ، لجأ أكثر من (80%) منهم إلى المناطق المحيطة بالمدن وخصوصاً المدن الرئيسة في الولاية وهي مدن الفاشر ونيالا والجنينة، حيث تيسر للحكومة بسط الحماية والأمن والطعام لهم، ونزح عدد قليل من سكان المناطق الحدودية إلى تشاد حيث توجد روابط القربى القبلية.

ومنذ بداية المشكلة تفاقمت المعاناة الإنسانية للنازحين بالفقر والجوع والمرض، واشتدت الحاجة إلى الإغاثة الإنسانية بشتى أنواعها للتخفيف من هذه المعاناة.

أنشطة وملاحظات الفريق الطبي:

تحرك الفريق الطبي من عمان يوم 28/ 9 / 2004، بمشاركة أربعة من الأطباء الاختصاصيين وعاد آخر أفراده يوم 8/ 10 / 2004، وقد جمع الوفد حوالي (700) كيلو غرام من الأدوية والمواد الطبية الضرورية تبرع بها المستشفى الإسلامي وبعض المؤسسات الدوائية في الأردن، وتركزت أنشطته في مستشفى مدينة الفاشر – شمال درافور – وفي أحد أكبر تجمعات النازحين في معسكر (أبو شوك) حيث يتجمع أكثر من أربعين ألف نازح. والرحلة بالطائرة من الخرطوم إلى فاشر استغرقت حوالي الساعتين. وكانت وزارة صحة الولاية في استقبال الوفد الذي توجه إلى مستشفى الفاشر التعليمي حيث قام مدير المستشفى بجولة مع الوفد وأطلعهم على حاجات المستشفى والعمل الطبي، وقام الفريق الطبي بالعمل في المستشفى بما في ذلك إجراء الجراحات، كما تم تسليم المواد الطبية التي أحضرها الوفد من الأردن إلى صيدلية المستشفى. وقام الوفد بزيارة معسكر النازحين على بعد حوالي (20) كيلو متراً من المدينة، واطلع على أوضاعهم وحاجاتهم وقابل الناس والمسؤولين وموظفي الهيئات الدولية العاملة فيه وخصوصاً الصليب الأحمر الدولي، كما اجتمع وتشاور مع فريق أطباء الجيش المصري الموفدين إلى دارفور، وفريق الهلال الأحمر السعودي الذين حضروا إلى المنطقة وقدموا ما استطاعوا من عمل إغاثي طبي.

وأقام والي شمال دارفور لقاء موسعاً في المساء مع جميع الوفود الطبية العربية العاملة هناك وأشاد بدورهم وأظهر سعادة الناس في دارفور لرؤية وجوه عربية وإسلامية قدمت لتقديم واجب المساعدة.

ونوجز فيما يلي أبرز المشاهدات:

(1) لا صحة لما تورده وسائل الإعلام الغربية من وجود مذابح جماعية وإبادة عرقية وحالات اغتصاب، فالنزاع قبلي يجري تضخيمه وتشويهه لأغراض خارجية سياسية لا تخدم مصالح السودان والمنطقة.

(2) نزوح القرى والمضارب كان في غالبيته إلى المناطق التي تحميها حكومة السودان، وأغلب معسكرات النازحين هي في رعاية الحكومة التي تعمل على تسهيل عودتهم إلى قراهم الأصلية. وقد نجحت الحكومة في إعادة حوالي (70) ألف نازح من هذا المعسكر إلى قراهم.

(3) غالبية الإيواء والدعم للنازحين – وهم من مختلف القبائل دون تمييز – هو من الحكومة السودانية، وأقله هو من المنظمات الدولية أو العربية.

(4) حوادث الاعتداء على القرى والقوافل هي من صنع المتمردين أو قطاع الطرق. وطوال مدة بقاء أفراد بعثتنا الطبية، شاهدنا ستة من جرحى هذه الاعتداءات حدثت في مناطق نائية، وجرى إحضارهم إلى مستشفى الفاشر. وقد تحدث الوفد إليهم وإلى ذويهم وقالوا إنهم تعرضوا إلى إطلاق نار من قبل مجهولين، وإن إحضارهم إلى المستشفى استغرق أكثر من يومين بسبب المسافات وتعثر وسائل النقل.

(5) الغالبية المطلقة للحالات المرضية، التي تحتاج إلى رعاية وإغاثة ومواد طبية، هي حالات الأمراض المتوطنة في دارفور، وهي أمراض الملاريا والتيفوئيد، والسل والإسهالات وسوء التغذية وخصوصاً عند الأطفال. وينطبق ذلك على المدينة كما ينطبق على معسكرات النازحين.

أما المواد الطبية التي وجد الوفد أن الناس هناك بحاجة ماسة إليها فهي: المضادات الحيوية، أدوية الملاريا، المحاليل الوريدية وتلك التي تؤخذ عن طريق الفم، وأطعمة الأطفال، والفيتامينات، والقينات الوريدية وأنابيب إعطاء المحاليل والخيوط الجراحية، والمستلزمات الجراحية ومواد تطهير المياه، ومبيدات البعوض.

أما التخصصات الطبية المطلوبة فهي:

أطباء الأطفال والباطنية والجراحة العامة، ويلي ذلك أطباء العيون والعظام والمسالك البولية والتخدير. وكانت جميع العمليات الجراحية التي أجراها فريقنا من النوع العادي الذي لا علاقة له بالنزاعات المسلحة. وعلى الأطباء أن يكونوا جاهزين للعمل الطبي الإغاثي وكذلك للتدريب والتعليم. ولا بد من الملاحظة هنا أن هناك فرصة للأطباء للتعليم واكتساب الخبرة في طب المناطق الحارة التي لا تتيسر لهم في بلادهم.

ونحن نهيب بزملائنا الأطباء أن يذهبوا إلى تلك البلاد المحتاجة إلى العون والغوث الطبي، ويسر فريقنا أن يقدم لهم الرأي والنصح وأن يوصلهم مباشرة مع زملاء المهنة الطبية في السودان لتسهيل مهماتهم الطبية الإنسانية.

كما أننا نهيب بإخواننا المواطنين، وقبلهم إلى العاملين في الصحافة والإعلام في بلادنا، أن يتقوا الله في قرائهم وسامعيهم، وأن يتوخوا الحقائق عند نشر أخبار دارفور، وألا ينساقوا مع الأكاذيب الكبيرة والمغرضة لإعلام الغرب المضلل الهادف إلى غير مصلحة أمتنا وشعوبنا.

أعضاء الوفد الطبي:

د. علي مشعل، د. أنيس أبو ربيع، د. أنس غوشه، د. عاصم بلعاوي.