اقتل ملايين
اقتل مَلايين..
ويكفيك أن تُنقِذ شخصاً واحداً لتكون مَلاكاً !..
ابنة الحدباء
يَعجبُ كل متابعٍ للإعلام الأمريكيِّ المتصهين والأساليب الدعائيةِ المتّبعة، التي تنشرُ فكرهم المُضلّل وتمرّره ليمحوَ حقائق دامغةً لا تقبل الخطأ، ويُحلِّل إجرامهم المرتَكَب بحق
الشعوب والدول التي استباحوا كل مافيها، بل ليباركهم المسيح (كما تصوّر لهم عقولهم المريضه!..) الذي سينقذُ البشريةَ مما آلت إليه من ضياعٍ وفسادٍ ودجل وإن كانوا هم أساس البلاء فيها.. وبوسائل لا يمكن وصفها إلا كونها أكثر من دجليّةٍ ومضلِّلة في آن واحد.. لتُقلبَ الموازيين وتُمحَى الحقائق وتُزيّن الإجرام بالسير على المثل القائل: (اقتل ملاييناً ويكفيك أن تُنقِذ إنساناً واحداً لتكون مَلاكاً)!.
لكي
تتضح الصورة أمام القارئ، أنقل ما تمَّ عرضهُ على العالم في أحد البرامج الأمريكية
الأكثر شيوعاً هنا في أمريكة الشمالية، التي تحتل الرقم واحد من قبل المشاهد
الأمريكي أولاً، والمتابعين له عبر العالم ثانياً، ومن المؤكد أنّ الكثيرين قد
سمعوا عنه، إذ تحتل مقدمته السوداء المدعوة باسم: أُوبــــــــرا.. مكاناً أكثر من
مرموق، سواء على الساحة الإعلامية لامتلاكها مجلة خاصة بها، أو على الساحة الفنية
أيضاً، ناهيك عن كونها من أصحاب الملايين، لما حققه برنامجها المشهور الذي حمل
اسمها أيضاً: (أوبـــرا وِنفري)، وسننقل ما تمَّ عرضه في أحد حلقات برنامجها، ليشهد
القاصي والداني أيّ فكرٍ أكثر من دونيٍّ يتم تصويره للعالم، في كون إمبراطورية
الإجرام الأمريكي ليست إلا مشعلاً للعدالةِ والرحمة والرأفة، بحق كل محتاجٍ أو
مريضٍ أو مضطر، ومبعثاً لآمال الجميع، وأرضاً لأحلام كلِّ قادمٍ إليها!؟..
إذ استضافت هذه المقدمة طفلةً أفغانيةً تُدعى: زينب، التي كانت طفلةً مُعاقةً
ومشوّهةً في آن واحـد.. بتأثير الحروب التي أحرقت بلدها، حتى يَئِسَ الأطباء من
علاجها؟.. وفي خِضَمّ دخول القوات الأمريكية المحرِّرة لأفغانستان من نظام
طالبان!؟.. مَن قدموا حاملين في جعبتهم الآمال الوردية لهذا الشعب الذي أنهكته
الحروب، وفتكت به النـزاعات، ليهرع والد هذه الفتاة إلى أحد قادة التحالف الأمريكي
طالباً مساعدته!.. فما كان من ذلك القائد (صاحب الضمير الحي والإحساس العميق المرهف
بالطفولة!؟..).. إلا أن أجرى اتصالاته، ليتم نقلها إلى أمريكة وإجراء عمليات تجميلٍ
لها، لتُعرَض بصورةٍ مشرقة، ممتنَّةً للأمريكان، وحالمةً في البقاء على أرضهم
المعطاء!؟. وصفّق الجمهور وبكى بعض الحاضرين للتغيير الذي حصل لها، وذلك حين تحدّث
الطبيب عن حالتها، وعرض صورها قبل التجميل وبعده، وأطلق عليها اسم: (الطفلة
المعجزة)، لتحمُّلها حياة الإعاقة وصعوبة العمليات المعقدة التي أجريَت لها!؟.
وتناسى بعض الحاضرين وهو يصفق ويبكي، أنَّ جندهم المحرِّرين قتلوا آلاف الأطفال في
أفغانستان بالذات، الذين عُرِضَت بعض صورهم على العالم.. كما أبادوا قرىً من على
وجه الأرض، ودكّوا مدناً أفغانيةً، وأحرقوا آلاف الأسرى أحياءً هناك!. وخرج ساستهم
يبرِّرون هذا الإجرام المرتَكَب، على لسان السفّاح السادي: رامسفيلد!؟.
كما تناسوا أيضاً أن هناك آلافاً بل عشرات الآلاف من الأطفال الذين أحرقتهم صواريخ
العدالة الأمريكية، وشوّهت ملامحهم البريئة الجميلة، وقُطِّعت أشلاؤهم، ومُحِق
ذووهم وعوائلهم، ويُتِّمَ عشرات الآلاف منهم دون أن يرفَّ لهم طرف عين.. ناهيك عن
استخدام الأسلحة المحرَّمة الحارقة، التي لا تُبقي ولا تذر، سواء في أفغانستان أو
العراق أو كل بقعةٍ دنّستها أقدامهم.. فيكفي أن تُعرَض طفلةٌ واحدةٌ للعالم
وللمشاهد الأمريكيّ بالذات تم إنقاذها، ليُبَرَّر من خلال ذلك ذبح عشرات الآلاف
الأخرى من الأطفال، إذ تُغَيَّبُ حقيقة ما جرى لهم ومازال يجري على أيدي سفاحيهم
الأمريكان والمرتزقة التابعين.. ولا يتم عرضهم على العالم وما ارتكبوا بحقهم
وطفولتهم.. بحروب الإبادة الجماعية، سواء في التدمير العشوائي، أو في الحصارات
والتجويع والقتل والخراب والاغتصاب والاحتلال والنهب والسلب وشتى أنواع الإجرام
المنظم والمبرر أمريكياً وعالمياً..
مارقَّ ضمير هذا المشاهد الأمريكي وهو يشهد ما ارتكب جندهُ بحقّ هؤلاء الأطفال،
وكيف أحالوا طفولتهم إلى جحيمٍ مقيم..
ما اهتزَّت مشاعر أحدهم وهو يرى بأمِّ عينه المحارق الجماعيةَ والتدمير الأكثر من الفاضح، لدولٍ لم تؤذهم، ولم تؤذِ أطفالهم.. فيكفي أن تنقذ طفلةً واحدةً كزينب، أو طفلاً كعليّ حينما بُتِرَت أعضاؤه وأبيدت عائلته ومُحِقَ بيته.. لينقله أطباء الرحمة الأمريكيين والبريطانيين، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه!....أو لربما تتبنى أطفالاً عدة، من يتامى البوسنة والهرسك، التي أحال العالم الغربي المتحضر مدنهم إلى مسالخ ومذابح يندى لها جبين البشريـة جمعاء، ليُظهر لنا الإعلام القذر طفلاً بوسنياً متبنى أمريكياً، وهو يبتسم أو يتسلّم جائزةً مـــــا!.. لتظهر بودار التغيير الايجابي على محيّاه حالةً واحدةً ليس إلا، لتُقلَبَ موازيين الكون ويُغسَلَ العار والإجرام المُرتَكَب، وتُنقل صورة إعلامية مزيّفة، تُظهر المجرمين ملائكة رحمة، والمحتليين منقذين للبشرية.. والجلاديين بسياطهم القذرة ضحايا.. فيكفي العالم أن يشهد إنقاذ طفلٍ واحدٍ أو اثنين، ليبرِّر ما تفعله الآلة الحربية الأمريكية من إبادةٍ للطفولة، ويصدق المثل:
(اقتل مَلاييناً ويكفي أن تُنقِذ شخصاً واحداً لتكون مَلاكاً)!..