حول جلاء اليهود من جزيزة العرب

حول جلاء اليهود من جزيرة العرب*

محمود محمد شاكر

  قال حبر اليهود "ابن محارب" للصحابي الجليل محمد بن مسلمة:

"يا أبا عبد الرحمن إنه لأشدُّ ما تتهجمون علينا أيها الناس، فوالله ليكونن لهذا اليوم الذي فضحتمونا فيه وأجليتمونا عن أرضنا وأرض آبائنا وأجدادنا يوم مثله، يكون لنا عليكم، فقد جاء في كتبنا أنه سوف يجيء يوم تدخل فيه يهود على أبناء يعرب هؤلاء فنذيقهم بأساً شديداً وعذاباً غليظاً حتى نرى اللقمة في يد المسلم وأدناها إلى فيه فإذا في رأسه رجال من أشداء يهود تنقره حتى يؤديها لهم.

  ولتدخلنّ نساؤنا على نسائكم حتى لا تبيت امرأة منكم إلاّ باتت بشرِّ ليلة مما تلقى من نسائنا.

  ولنسوقنّكم كما سقتمونا حتى نجليكم عن أرض آبائكم وأجدادكم.

  ولنفعلنّ الأفاعيل حتى تكون لنا الكلمة العليا ونحن حينئذ أحقُّ بها.

  ووالله ما نصبر على ما آذيتمونا إلاّ انتظاراً لذلك اليوم كما قال أنبياؤنا.

  وإنكم لتقولون لنا: إن الله ضرب الذلة والمسكنة علينا، فلئن صدقتم اليوم، إذ الأمر أمركم، فلتعلمنّ غداً أننا شعب الله الذي لا يرضى له الذلة والمسكنة.

  ولقد كنا ملوك الأرض فدالت دولتنا كما دالت من قبلها دول، ولكن الله بالغ أمره يوم تولون كما ولينا، ويصير الأمر إلينا، فنحن قوم أولو بأس شديد، ونحن أهل الكتاب الأول، ونحن أتباع الحق، فإذا جاء ذلك اليوم يا أبا عبد الرحمن فستعلمون أننا أشد بأساً وأشد تنكيلاً.

فوالله لنتخذنكم عوناً لنا عليكم، ولنضربنّكم غاديكم برائحكم، ومُقْبلكم بمُدْبركم، ولنوقعنّ الفتنة بينكم، حتى يصبح الرجل منكم مؤمناً ويمسي كافراً، وليكونن لنا من أنفسكم رجال يخربون بيوتهم وبيوت آبائهم، وهم عنّا راضون، ولنا مطيعون.

  ويقول عمر بن ربيعة المخزومي: كان هذا الحوار عن محمد بن مسلمة .

  يقول الصحابي الجليل محمد بن مسلمة:

ـ وسمعت من اليهودي قولاً كثيراً.

ثم قال محمد بن مسلمة لحبر اليهود:

ـ يا ابن محارب لئن صدقت أنبياؤكم، وكان ذلك، فما صدقوا إلاّ ليصدقوا رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم في خبره، فأنتم اليوم أشتات مبعثرون في جنبات الأرض، وليزيدنّكم ربكم فرقة وشتاتاً.

  فإذا جاء ذلك اليوم، ودخلتم علينا أرضنا، وعلا أمركم في حيث يشاء الله منها، فلكي تتم فيكم كلمة الله، وليستأصل من يشاء منكم من أرضه، ولتكونوا عبرة للطاغين من أمثالكم.

ولقد صدق الصادق الصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" تقاتلكم يهود، فتُسلّطون عليهم، حتى يختبيء اليهودي وراء الحجر، فيقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله" .

  وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ليكونن ذلك اليوم كما أراد الله يومئذ، وليعضن طغاتكم وطواغيتكم أطراف البنان من الندم.

  أفما علمت يا ابن محارب، أن أمة محمد لايضام ثائرها، ولا يخطم أنفها بخطام الذل.

  فقال عمر بن ربيعة المخزومي:

ـ فإن ذلك لكائن يا أبا عبدالرحمن؟

فقال ابن مسلمة:

ـ يا بني ما علمي بالغيب، ولكن إذا جاء ذلك اليوم ليقضينّ الله بيننا قضاءً.

  فأمر المسلمين إلى الظهور، وأمر اليهود إلى حكم الله الذي ضرب عليهم الذلّة والمسكنة إلاّ بحبل من الله وحبلٍ من الناس والله يحكم لا معقّب لحكمه.

               

* نشر هذا الحوار في مجلة الرسالة المصرية في عددها الممتاز الصادر سنة1946 م متضمناً مقالاً بقلم الشيخ العلامة محمود محمد شاكر وذلك حول جلاء اليهود من جزيرة العرب وكان ذلك الجلاء على يد الصحابي الجليل محمد بن مسلمة في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.