تركيا : إمبراطورية تنهار تبعث أخرى منهارة

تركيا : إمبراطورية تنهار تبعث أخرى منهارة

أسعد العزوني

[email protected]

ما أن حطت حرب لبنان الأخيرة صيف 2006 أوزارها حتى بدأ  المارد التركي بالخروج من عنق الزجاجة ليعلن تمدده او رغبته في التمدد على المساحة الممتدة بين البلقان والقفقاز مرورا بالمنطقة العربية وتم الاعلان رسميا : سنبسط نفوذنا حيث يتواجد مواطن تركي وفي المنطقة التى تواجد فيها تركي !

هل هذه أحجية أم أن أنها برنامج خطط له جيدا ليخلق واقعا جديدا في المنطقة ، بل وفي العالم ؟ العالمون ببواطن الأمور يقولون أن الأمر مدروس جيدا ، بمعنى أننا سنشهد الفصل الأخير من لعبة الشطرنج " كش ملك " ! بمعنى  أن هناك مخططا أمريكيا تؤيده الدول العربية الحليفة يقضي بتقليص نفوذ ايران التى دعمت حزب الله في حربه الأخيرة مع اسرائيل ، وتدعم حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين ، وأن تتربع تركيا على عرش المنطقة بدلا من ايران 0

عادة ما ينجح البعض في كتابة قصص خيالية ، لكن النجاح في كتابة قصص واقعية أمر يشوبه الشك والسؤال هنا : هل تستطيع تركيا تنفيذ المهمة بنجاح ؟

المكتوب يقرأ من عنوانه كما يقولون ، وهناك لا كبيرة تستند على زاويتين الأولى أن تركيا تقيم علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية وحتى عسكرية مع اسرائيل عكس ايران كما أن تركيا لا تحظى بانجاز آخر سوى الانجاز الاقتصادي حيث تحتل المرتبة 16 في الاقتصاد العالمي بينما ايران  ستفاجىء العالم قريبا بدخولها النادي النووي 0

 الفرسان الثلاثة الذين تعهدوا تنفيذ بعث الامبراطورية العثمانية هم الرئيس عبد الله غول ( صاحب الفكرة ) ورئيس الوزراء رجا الطيب  أردوغان ( حامل اللواء ) ووزير الخارجية الجديد البروفيسور أحمد داوود أوغلو ( المنفذ ) 0

ولعل الشاهد في هذه القضية  هو تسليم اوغلو الذي يوصف بأنه كيسنجر تركيا وزارة الخارجية ، وهو يتمتع بقدرات دبلوماسية فائقة حيث كان مبعوث السلام التركي بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، وعراب المفاوضات السورية – الاسرائيلية غير المباشرة في أنقرة ، وهو صاحب كتاب " عمق الاستراتيجية التركية " وتحدث فيه عن الانزواء التركي عن المنطقة  والتى بأتت فصوله تظهر يوما بعد يوم 0

هذا الثلاثي يدعو لاتحاد كومنولث في المنطقة يضم تركيا وسوريا وايران ، في خطوة احتوائية ذكية لكل من ايران وسوريا ، وذلك بعد أن أدرك الأتراك استحالة دخولهم بوابة الاتحاد الأوروبي بسبب اللافتة الحمراء التى تقول : ممنوع على تركيا المسلمة دخول نادي أوروبا المسيحي 0

والدليل الأخر على حرمان تركيا من عضوية الاتحاد الوروبي قيام الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي بتأسيس ما أطلق عليه " الاتحاد من أجل المتوسط " وضم كافة دول المتوسط بما فيها تركيا ، وهذا ما دعا الأتراك إلى مواصلة قرع باب الكونفدرالية المقترحة بقوة من خلال الانفتاح على كافة جيران تركيا ومن ضمنهم ايران وسوريا كدول وحماس كتنظيم سياسي فلسطيني مع الملاحظة بأن تركيا تعمل على مناكفة اسرائيل دون أن تتعرض للانتقادات الأمريكية كما كان الأمر في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش 0

المباركة الأمريكية للمشروع التركي واضحة مثل الشمس في عز النهار وكانت زيارة الرئيس الأمريكي الجديد باراك حسين اوباما لتركيا ( عربونا ) بالعملة الصعبة ، وضوءا أخضر للانطلاق نحو الغد التركي في المنطقة وكانت رسالته واضحة : أنتم بوابتنا ووكيلنا الوحيد في الشرق الاسلامي0

هذا الانطلاق التركي غير المسبوق يستند الى ملفات وساطة عديدة قام بها تركيا حزب العدالة وهي الوساطة بين ايران وأمريكا ,وبين ايران والاتحاد الأوروبي ، وبين سوريا واسرائيل ، ولا شك أن هذه الملفات كلها استراتيجية لكن احتضان انقرة لمفاوضات غير مباشرة بين سوريا واسرائيل يعد ضربة معلم لا يقوم بها الا لاعب قوي 0

يأتي ايكال مهمة بروز  الدور التركي الى البروفيسور أوغلو الذي يعارض فرض العقوبات على ايران ، وهو من كتب عن الانزواء التركي ، دليل على الرغبة الملحة في احداث التغيير 0وهو يتحرك على أرضية منجزات رئيس الوزراء رجا الطيب اردوغان الذي سجل لنفسه العديد من النقاط في مقدمتها انسحابه من منصة مؤتمر دافوس الأخير احتجاجا على عدم افساح المجال له للرد على الرئيس الاسرائيلي شيمون ييرز  اثر العدوان الاسرائيلي على غزة في حين آثر عميد العرب وأمين عام جامعتهم العتيدة عمرو موسى البقاء على " البيست " واكتفى بوداع أردوغان مصافحة 0

المنطقة تشهد فراغا سياسيا بسبب غياب الاستراتيجية العربية ، وبالتالي فاننا بانتظار مندوب سامي ايراني او تركي او اسرائيلي فالمنطقة تكره الفراغ 0

العالم  حاليا يمر بحالة تشكل جديدة ، والمطلوب من تركيا الاسهام بهذا التشكيل , وهذا طموح لا حدود له يعكس ثقة تركيا بنفسها ، ومعروف أن تركيا قوة ناعمة وناهضة في المنطقة وها هي بانسجام فرسانها الثلاثة تتمدد تثبت وجودها على الخارطة السياسية الدولية  ، دون أن تطلق رصاصة واحدة وهي بهذه السياسة تسجل نقاطا متواصلة في مجال الاحتواء 0

بعد العداء مع سوريا والذي وصل حد الاحتراب هاهي الجيوش التركية والسورية تجري مناورات عسكرية معا ، الأمر الذي ازعج اسرائيل حليف تركيا 0 لكن الجنرالات الأتراك لم يكترثوا لذلك الاحتجاج ، واستمرت المناورات ، تماما كما هو الحال بالنسبة لاستمرار سياسة الاحتواء الناعم للمنطقة 0

حتى اليوم تشير كافة الدلائل الى نجاح انقرة في هذه السياسة ولكن ماذا لو تصالحت امريكا مع ايران ؟