الأحلاف .. والخراف الضالّة !

راجي مندو

خراف إسرائيل الضالـّة .. اسم قديم ، بل هو مصطلح قديم ، ورد ، كثيراً ، في أدبيات اليهود والنصارى ، القديمة .. وانتقل إلى العصور الحديثة !

· في العصر الراهن ، صار الحديث يتركّز ، حول دولة قويّة ، اسمها : إسرائيل ! هي ملء السمع والبصر، ترهب الكثيرين ، ممّن حولها ، ومن البعيدين عنها .. وتمارس الضغوط القويّة ، على أقوى دول العالم ، لتخدم سياساتها ، وتحافظ على أمنها ، وتعاقب من ترى لديه نزعة لإيذائها ، أو يهدّدها ، مجرّد تهديد !

· كثرت الأحلاف ، في العالم ، اليوم ، بأشكال مختلفة ، منها السياسي ، ومنها العسكري ، ومنها الاقتصادي ، ومنها الشامل ..!

· من أبرز الأحلاف المتصارعة ، في منطقتنا العربية ، اليوم ، حلفان : درجت وسائل الإعلام ، على ترسيخ تسمية ، لكل منهما ، بحسب ما يطلقه ساسة الغرب ، على أيّ منهما ، أو بحسب مايدّعيه كل منهما ، لنفسه .. وهما : حلف الاعتدال ، وحلف الممانعة ! ولكل من هاتين التسميتين ، إيحاءات ودلالات ، نابعة من طبيعة الموقف السياسي ، الظاهر ، لكل من الحلفين !

· يتصارع الحلفان ، على مغانم واضحة ، معروفة للجميع ، موجودة في المنطقة ، نفسها ! ويحرص كل منهما ، على تعزيز قواه ، وفرض هيمنته ، على ساحة الصراع !

· ساحة الصراع هي : الأراضي العربية ، والشعوب العربية المقيمة فيها !

· لكل من الحلفين وسائله وأساليبه ، في السعي إلى كسب معركته ، والنيل من خصمه ، أو تهديده !

· من وسائل الصراع ، التي يمارسها كل فريق : ادّعاء الحرص على أهل البلاد ، وعلى أمنهم ومصالحهم ، من ناحية .. ومن ناحية ثانية ، إخافتهم من الفريق الثاني ، الخصم ، الذي يسعى إلى اجتياح بلادهم ، وسحق شعوبهم ، ونهب ثرواتهم !

· المساحات المتنازع عليها ، بين الحلفين ، تضمّ ثلاثة أنواع من الفرائس ، هي : الحكّام ، والشعوب ، والبلدان !

ـ الحكّام : أكثرهم منقسمون بين الحلفين ، وكل فريق منهم ، يحتمي من الحلف المعادي له ، بقوّة الحلف الذي يؤيّده ، ويدعمه ! ويسعى كل حاكم ، إلى تعزيز قوّة الحلف الموالي له ، بما يستطيع تقديمه، من قوّة بلاده وشعبه ، مادّياً ومعنوياً! ومعارك كثير من الحكّام ، إنّما يخوضونها، دفاعاً عن مواقعهم في السلطة ، بصرف النظر عمّا يصيب شعوبهم ، من البؤس ، أو الخوف ، أو الجوع ! وأنواع الصراع ، التي يخوضونها ، هي أمنيّة بالدرجة الأولى ، وسياسية ، واقتصادية !

ـ    الشعوب : موزّعة الأهواء والآراء ، والمشاعر والأفكار ! تسمع كلاماً هنا ، فتصدّق بعضه ، وتكذّب كثيراً منه ! وتسمع كلاماً هناك ، فتكذّب بعضه ، وتصدّق كثيراً منه ! وهي بين مدّ وجزر: تخاف من هذا الحلف ، على أشياء .. وتخاف من الحلف الآخر ، على أشياء أخرى ! ومن أهمّ أنواع الصراع ، المنصبّة عليها ، بين الحلفين : الصراع الثقافي والعقدي ! فهي تخاف على بلادها ، المهدّدة من قبل هذا الحلف .. وتخاف على عقائدها المهدّدة من الحلف الآخر! وكل من الحلفين يعزّز لديها ، المخاوف من الحلف الآخر ، على ماتخشاه عليه ، منه ! هذا يقول لها : الحلف المضادّ ، هو عدوّ لك ، يريد السيطرة على بلادك ، بمشروعه الإجرامي ! وذاك يقول لها : الحلف المعادي يريد إفساد عقائدك وثقافاتك ، وتخريب عقول أجيالك ، لحساب مشروعه الإمبراطوري ، المتمدّد ، الخبيث !

ـ تنظر الشعوب حولها ، باحثة عمّن يقودها ، إلى الأهداف التي تحلم بتحقيقها ، في العزّة والمنعة ، والوحدة ، والازدهار.. فلا ترى أحداً ! لأن حكّامها ، المكلّفين بحمايتها ، يبحثون عمّن يحميهم ، من الأحلاف المتصارعة على بلادهم ، والتي تهدّد كراسيهم ! ولا ثقة لهم بشعوبهم ، وبقدرتها على حمايتهم !

ـ الحكّام يخوضون معاركهم ، الخاصّة بهم ، بعيداً عن شعوبهم ، وعن مخاوفها ! والشعوب تفكّر بمصيرها ، ومستقبلها .. بعيداً عن الحكّام ! ولكل من الطرفين ، هواجسه وهمومه ، ومقدّساته التي يخاف عليها !

* الشعوب لاتستطيع الانقسام ، بين الأحلاف التي تتصارع عليها ، كما يفعل الحكّام .. وليس لديها من يحميها ، أو يفكّر بحمايتها ، من الاجتياح ، على أيّ مستوى ! وكلّما سمعت صوتاً جهورياً ، يرفع شعاراً جميلاً .. صفّقت لصاحبه ! وكلما رأت حلفاً يطلق رصاصة ، تجاه خصمه .. هلّلت له ، بصفته المنقذ ، والحصن الحصين ! وكلّما سمعت عن هذا الحصن ، تصريحاً ، أو تلميحاً ، بأنه يريد تحويلها ، عن عقائدها وثقافاتها .. أوجست منه خيفة ! فهي ، هنا ، ينطبق عليها ، وبكل جدارة ، الاسم/المصطلح ، الذي كان يطلق على خراف بني إسرائيل الضالّة! لكن تاريخها يعلمها ، أنها من بني إسماعيل! كما أن الضلال ليس ضلال العقائد ، فحسب .. والمقصود به ، هنا ، هو الضياع ! وأخطر ماوقع على الشعوب ، من بلاء ، أن قياداتها الشعبية ، التي تلوذ بها ، عند الملمّات ، في حال يأسها من القيادات الرسمية الحاكمة .. أن هذه القيادات الشعبية ، هي ، نفسها ، تائهة ، حائرة ، موزّعة المشاعر والأفكار ، بين المعسكرات .. تحكمها الهواجس والمخاوف والأوهام ، والاجتهادات المتناقضة ! ولا تستطيع أن تتبنّى رأياً موحّداً ، حول مايحيط بها من أخطار ، وما ينتظرها وينتظر شعوبها ، من مآس وويلات !

* السؤال هو : هل يأتي على الشعوب ، وقت قريب ، لتجد لها من يقودها ، فيخرجها من التيه الذي تضيع فيه ! وتثق بأنه يعرف مايريد ، سواء أكان رجلاً غير محكوم بأهواء نفسه ، أم حزباً غير موزّع الأفكار والتوجّهات ، والتصوّرات والشعارات !؟