الأطيبان والأخبثان والأمران !
الأطيبان
والأخبثان والأمران !
مصباح
الغفري
لم يبق عندي ما يبتزه
الألم
كفى بي الموحشان :الشيب
والهرم
(
الجواهري )
هرب أحدهم من وجه الحجاج وهو ينشد :
وما
ذا يبتغي الحجاج مني
وقد جاوزت حد الأربعين ؟
لكن السجن العربي عادل
كالموت ، لافرق عنده بين شاب ومسن ، ولا
بين عربي و أعجمي ، ولا بين مؤمن وجاحد .
الجميع أمام السجن سواسية كأسنان المشط .فماذا
يبتغي الحجاج منا وقد ذهب الأطيبان وبقي
الأخبثان ؟ ماذا يبتغي البوليس منا وقد
جاءنا الأمران ؟
في أساس البلاغة للزمخشري أن
الأمَرّين هما المرض والهرم ، وتقول : ذاق
الأمَرّين أي دهته الدواهي . لكن الأمرين
اللذين تحدث عنهما الزمخشري رحمه الله ،
غير الأمَرين في القرن الحادي والعشرين
لميلاد السيد المسيح . اختلف الفقهاء في
الأمرّين الحداثيين ، فالحداثة لا
تلاحقنا في الشعر فقط بل هي تدخل جميع
مسامات جلدنا ، يقول المؤرخ لسان الدين بن
الخطاب في كتاب لم ينشر ومنعته الرقابة :
الأمَرّان : الحشف وسوء الكيل !
وتأويل ذلك أن خولياً (
ملاحظة : الخولي
هو وكيل مالك الأرض الذي يحاسب الفلاحين
لاقتطاع حصة المالك من الإنتاج الزراعي ) كان لديه مكيالان ، يستعمل
المكيال الكبير عند أخذ حصة المالك ،
ويستعمل المكيال الصغير عند تسليم حصة
الفلاح ، ضاق الفلاحون ذرعا بالأمر
فاشتكوا إلى صاحب الأرض ، استجاب صاحب
الأرض لهم وعزل الخولي عن العمل ، جاء
الخولي الجديد واستمر على خطى الخولي
القديم في استعمال المكيالين ، وزاد على
ذلك أنه صار يكيل لهم الحشف ، وهو أسوأ
أنواع التمر ، فقالوا :
- أحشفا وسوء كيلة ؟
وراحوا إلى المالك من
جديد يطلبون عودة الخولي القديم الذي كان
يسيء الكيل فقط !
أما الأصمعي فله رأي آخر
في حكاية " الأمَرّين " . يقول :
- أصل التسمية أن الوفود
العربية إلى مؤتمر مدريد الشهير احتجت على
راعية العملية السلمية الولايات المتحدة
لأنها تكيل بالمكيال الكبير لإسرائيل
وبالمكيال الصغير للعرب ، قال مسؤول عربي
لوزير الخارجية الأميركي : ما
بالكم تكيلون في المسألة بمكيالين ، والله
لقد ذقنا منكم الأمرين !
وذهبت العبارة مثلاً ،
وذهب المسؤول ولم يعد إلى وظيفته حتى هذه
اللحظة .
في قول آخر رواه سجين
مزمن اعتاد أن يقضي معظم إجازاته في
الاعتقال ، أن الأمرّين هما أن تكون
محبوساً أولاً ، وفي سجن عربي ثانياً .
القلقشندي قال :
الأمرّان ، أن تجتمع مصيبتان معاً ، وعلى
سبيل المثال لا الحصر :
- قراءة جريدة السلطة
وفي ذات الوقت الإستماع إلى خطاب قومي!
أو
أن تكون لاجئاً سياسياً هارباً من نظام
ديكتاتوري ، في بلد آخر ذي نظام ديكتاتوري
، أو أن تكون وزيراً للثقافة في حكومة
رئيسها لا يعرف القراءة والكتابة ، أو أن
تكون جنرالاً في الجيش متخرجاً من أرقى
الكليات العسكرية ويكون قائد الجيش صاحب
مزرعة للدواجن !
أما أنا أبو يسار الدمشقي فأقول بعد الاتكال على الباري عز وجل ، أن الأمرّين في هذا الزمان هما أجهزة الأمن ، وأجهزة المخابرات ، والله أعلم .