رسالة من مسلم من المشرق
رسالة من مسلم من المشرق
إلى السيد الرئيس جاك شيراك
علاء الدين ال رشي *
السيد رئيس فرنسا
السلام عليكم
ومع العام الجديد نأمل أن تتلاقى قلوب البشر على محبة كلمة الله ووصاياه الخيرة النبيلة وبعد:
أنا مسلم من بلاد الشام من أصول غير عربية لقي أجدادي حواريي محمد (صلى الله عليـه وسـلم )
فآمنوا برسالة الإسلام وقد اشترط محمد وتلامذته النجباء للأيمان بالإسلام أن نؤمن بعيسى المسيح فلو آمن إنسان بمحمد صلى الله عليه وسلم ورفض أن يؤمن بالمسيح لما دخل في دين الإسلام واخبرنا نبينا عن ربه الرحيم قوله (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) ونحن نكرم عيسى ووالدته الطهور فنعبد الله بتلاوتنا لسور كتابنا المقدس التي تسمت باسم آل عمران والسيدة مريم وقد تعلمنا وعرفنا أن رسول الإسلام ترك أبناء عشيرته و عمومته وأمر أصدقاءه الذين آذاهم قومهم بالسفر إلى ديار الحبشة التي تدين بالمسيحية وهو أول عناق وصلة رحم بين شريعتين ربانيتين واستنصر الإسلام بالمسيحية التي آوت الذين هاجروا إليها وبلاد المسيحية اليوم تحتضن الكثير من المهاجرين العرب والمسلمين بسبب آرائهم وأفكارهم
وأما معالم الثقافة التي دعانا إليها ديننا فهي (لا أكراه في الدين ) فالمسلم يرى من غير الإنسانية وليس من الدين أن يجبر أحدا على الدخول في دينه بل (لكم دينكم ولي دين ) وفي حضارتنا العربية الإسلامية انصهرت مختلف الأقليات ومنها على وجه الخصوص الأقليات المسيحية واليهودية وتمكنت فيها هذه الأقليات من التعبير عن ذاتها ومن تحقيق ازدهارها ولئن كان من المؤكد أن عطاء هذه الأقليات كان رافدا من روافد ثقافة العالم العربي الإسلامي فان ذلك لم يمنع هذه الأقليات من أن تتطور بصفة ذاتية فلقد عاش ابن ميمون الذي يعتبر من أكبر المفكرين اليهود في الأندلس ومصر خلال القرن الثاني عشر وكتب جل مؤلفاته باللغة العربية وكذلك الكنيسة القبطية استطاعت أن تزدهر على ضفاف النيل وأن يكون لها أتباع كثيرون وكذلك أيضا شأن المذهب الماروني الذي تنامى في جبل لبنان وأصبحت الإسكندرية وإنطاكية والقدس الى جانب القسطنطينية إمارات إشعاع للمذهب الأرذوزكسي وكل هذه المراكز الثقافية أينعت في ديار الإسلام التي لا يغمض فيها حق التعبير وكان من الحقوق المصونة ومع هذا لا ننكر وجود أخطاء من بعضنا ولكن ليس من العلمية أن نقيس النموذج المشوه على الأصل الكامل
فخامة السيد الرئيس :
أكتب إليكم هذه الكلمات وأنا أتذكر باريس عاصمة الحرية ومهد أكبر ثورة إنسانية معاصرة خيرة تقوم على مبادئ الحرية والإخاء والمساواة وكان والدي يحكي لي عن مطاردة قوات الانتداب الفرنسي للثوار السوريين وكيف كان العسكر والجنود الفرنسيين يقفون على بعد أمتار من المسجد الأموي الذي كثيرا ما يلجئ إليه الثوار ويختبؤن وكان الفرنسيون يقفون أمام البوابة ولا يتعدونها احتراما لقدسية المسجد هذا الموقف الفرنسي عجزت عنه بعض الفرق العسكرية في بلاد العرب التي اقتحمت حرمة مساجد ومعابد وهدمتها فوق من فيها
وأتساءل ترى ماالذي دفع بساسة فرنسا اليوم لوأد شعاراتها الكبيرة في الحرية والمساواة والعدالة ؟
و إذا كان من حق المرآة أن تكشف مابدى لها من جسدها أفلا يحق لها أن تختار أيضا ما يستر ما ترغب من جسدها ؟!
أليس مثل هذا القرار _الذي نأمل نحن المسلمون منكم أن تتراجعوا عنه_ يذكرنا بأسلوب حركة طالبان الأفغانية التي أجبرت الناس على الحجاب واللحى وكل العقلاء من المسلمين وغيرهم رفضوا هذا الأسلوب غير المنطقي والعقلاني والذي يصادر حريات الناس بوصاية مزيفة ؟ أليست العلمانية لا تختلف عن الأصولية التي تحذرونها ؟ وهل نقابل العدوان بعدوان ؟
فخامة السيد الرئيس :
أود أن أسالكم هل فكرتم بنتائج مثل هذا القرار المستعجل ؟
هل سألتم لماذا يحدث الإرهاب هنا وهناك ؟
إن مثل هذه القرارات هي المحضن الرئيس لنمو الإرهاب الذي بات يقض مضاجع مجتمعاتنا العربية ولم تسلم منه حتى المجتمعات الغربية وما أحداث يوم الثلاثاء الأسود (11 سبتمبر ) ببعيد إن منطق المتطرفين أعوج وهو يستخدم مثل هذه التصرفات ليبرر أفعاله الدموية وهذا ما نخشاه ولا نحب لفرنسا أن تقع به
أرجوكم يا فخامة الرئيس أن تعودوا لمنطق الحريات وأن تحافظوا على محبتكم التي كسبتموها عند العرب والمسلمين لتعاطفكم مع قضاياهم ؟
لا تعطوا للمتطرفين والمتشددين المبرر لتنفيذ مشاريعهم القاتلة ؟ والتي سيلبسونها زورا لباس الإسلام والإسلام منه برئ
السيد الرئيس
لن أذكركم بحقوق الإنسان ففرنسا هي من ينبغي أن تعرف الناس بها ولكن أذكركم بضرورة مراعاة مشاعر المسلمين ؟ وان من بين هذه الملايين يوجد متسرعين قد يقابلون الاستفزاز باستفزاز وجهالة فتسئ هذه القلة لنا نحن الكثرة وندفع نحن وإياكم ضريبة باهظة الثمن والجهالات يا سيادة الرئيس هي التي تتصادم أما أصحاب العقول الكبيرة والقلوب الرحيمة فهي التي تتحاور وهي التي ترسم ملامح أسرة إنسانية متحابة
السيد الرئيس
إني أومن أن قرار منعكم الحجاب لن يوهي ديننا بل على العكس فكل ممنوع مرغوب وقراركم سيسبب ردة فعل استمساكية بالحجاب وسيزيد من التزام فتياتنا به ولن تختفي ملامح شعيرة من شعائر ديننا بقرار سياسي متسرع لا لن تختفي سواء في تونس أو في ما قام به بعض مافيا السلطات الحاكمة من نزع الحجاب عنوة غي بعض شوارع العواصم العربية
ولكني أتساءل مع الكثيرين ممن يحب فرنسا ما الذي دفع بفرنسا إلى أن تكرس في الذاكرة التاريخية العربية موقفا غير متحضر كهذا سيذكر فيه اسمكم وحكمكم ولكن في خانة لا ترغبون بها بل وتحاربونها هي خانة الاستبداد وقهر الناس على ترك معتقداتهم _بمسميات عدة _
فلا تسجلوا ا موقفا يسئ لسمعتكم وبلدكم ففرنسا هي التي دافعت وهي التي قالت لا أمام الاستكبار الأمريكي فنرجو منها أن تحافظ على هذه المواقف الخيرة الإنسانية العادلة
سيادة الرئيس
لا تستمعوا لمن يسوق رأيكم ويعطيه مبررا ولو كان شيخ الأزهر ان مثل هؤلاء ينفخون في النار وهم الذين باستخفافهم بعقول المسلمين يأججون نار العداوة لكم ويدفعون بخفافيش الظلام لتمتص دماء الأبرياء
وتحية لكم انسانا عالميا يراجع موقفه ويقدم نموذجا رائعا لمفهوم التعايش السلمي في الدولة الواحدة
* مدير عام مركز الراية للتنمية الفكرية
عضو رابطة أدباء الشام
عضو اللجنة العربية لحقوق الإنسان