فصل الكلام في البيْطَرَة والإعلام

فصل الكلام في

البيْطَرَة والإعلام

مصباح الغفري  / باريس

لم تتخلف وزارة من وزارات الإعلام العربية ، عن إرسال وفد رسمي إلى معرض باريس التجاري الدولي الذي أقيم قبل سنوات، وقد أكد لي الدكتور حسين، وهو طبيب بيطري مُقيم في باريس، أنه دُعي لمُرافقة الوفود العربية الإعلامية التي جاءت خصيصاً للاطلاع على قسم التدجين وتربية الدجاج.

أبديت استغرابي، لكن الدكتور حسين راح يُؤكّد لي بالأيمان المغلظة ، أنه كلف رسمياً بمرافقة وفود وزارات الإعلام، وأن هذه الوزارات أبدت اهتمامها الشديد بالآلات التي تقطع مناقير أفراخ الدجاج، وبشبكات الأسلاك التي تحد من حركة هذه الأفراخ، وأن أكثر من وزير إعلام طلب من الشركات المنتجة للمداجن ، تصنيع مداجن خاصة لانتاج الصحفيين والشعراء والكتاب بهذه الطريقة العلمية، فيخرج الصحفي مقصوصَ المنقار، قصيرَ اللسان، وشبكة الأسلاك تكفل له النمُو والترهّل دون مزيد من الحركات .

في اليوم التالي إلتقيت مصادفة بوكيل وزارة الإعلام، وهو صديق من أيام الدراسة، سألته عن سبب قدومه إلى باريس، فأكدّ لي ما رواه الدكتور البيطري وأضاف :

 في هذه الظروف التاريخية التي تمر بها الأمة العربية، لا صوت يعلو على صوت المعركة، والمعركة مع عدونا الشرس تستلزم وحدة الفكر والرأي والعمل، لذلك فإن إنتاج كتاب بطريقة التدجين ، أفضل وأقل كلفة مما تتصّور، فما لدينا من كتاب وشعراء وفنانين لم يتدجنوا كما تتطلب الظروف التاريخية، وعملية تدجينهم كلفتنا غالياً، لأن كلاً منهم يحملُ في أعماقه رواسب من الأفكار القديمة البالية المتحجرة، وقد تعبنا حتى مع المُدَجنين في قضية السلام مع إسرائيل، فهؤلاء لا زالوا أسرى العقلية المتخلفة التي تقول أن ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، ولا يزال الكثيرون منهم " يُهَرّبون " في كتاباتهم أفكاراً عن الديموقراطية والتعدّديّة ، لا تتناسب مع تقاليدنا ، كما أنهم لا يُقدرون حكمة القيادات التاريخية في ضبط النفس وقراءة المُستجدات ، وحضورنا إلى باريس كان نتيجة قرار إجماعي اتخذه مؤتمر وزراء الإعلام العرب، علينا حرق المراحل للحاق بالعالم ، وتحقيق السلام ومنع الأصوات النشاز التي لا زالت تردد الشعارات ذاتها منذ نصف قرن وحتى اليوم ، فهذا عصر العولمة والإنترنيت والإستنساخ .

وهمس في أذني :

 سأبوح لك بسر، أرجو أن لا تنشره، فوزارتنا أصبحت منذ سنين لا توظّف إلا الأطباء البيطريين، أما حملة شهادات الحقوق أو كليات الآداب ، فتم الاستغناء عن خدماتهم .

ودعت صديقي، بعد أن فهمت العلاقة الدياليكتيكية بين البيطرة والاعلام .