" الكلب " المدعى عليه !

   " الكلب " المدعى عليه !

مصباح الغفري  / باريس

أمر القاضي البدائي في مدينة حلب ، بوضع كلب ألماني الجنسية، من أصل روماني، في الحبس الاحتياطي ، إلى حين البت في الدعوى التي أقامها ضده مواطن حلبي .

والقضية كما تناقلتها وكالات الأنباء، أن كلباً يحمل جواز سفر ألماني إستطاع الإفلات من بيت صاحبـه فـي

 مدينة حلب، وأقدَمَ بتاريخ لم يمُرّ عليه الزمن ، على عضّ مواطنٍ ، وأنشب فيه مخالبه، فأقام هذا المواطن الدعوى ضد الكلب وصاحبه .

محامي المدعى عليه أنكر ما جاء في عريضة الإتهام، ودفع الدعوى بأن " موكله " كلب شريف ، لا يعتدي على الناس بدون سبب، وأكد أن الكلب المدعى عليه كان في حالة دفاع مشروع عن النفس، لأن المدعي كان يرميه بالحجارة .

هذه هي خلاصة الدعوى التي نظرت فيها محكمة صلح الجزاء في حلب ، وبما أن القاضي لا يستطيع استجواب المدعى عليه ، للتأكد من أنه كان في حالة دفاع عن النفس فعلاً ، لذلك أجل النظر في الدعوى إلى حين إحضار الشهود ، وقرر حبس الكلب على ذمة التحقيق !

ولا شك أن كلباً يحمل الجنسية الألمانية ، ويتمتع بحقوق المواطنية في بلاد تحترم حقوق الإنسان وفيها قضاء نزيه، لا يمكن أن يعتدي على أحد بدون أسباب جَدية، وهنا تتوارد إلى الذهن ثلاثة افتراضات ، عن السبب الذي جعل الكلب يثور ويتخذ قراره التاريخي الشجاع ضد المدعي .

من المحتمل، والعلم عند الله، أن يكون المدعي من عناصر أجهزة الأمن والمخابرات، وأنه لهذا السبب، معتاد على معاملة الناس كالكلاب، وأنه بالتالي حاول النيل من كرامة هذا الكلب ، بأن عامله كَكلب " جعاري " أو كجرذ، فيكون للكلب في هذه الحالة كل الحق في رد الإعتداء وتلقين المعتدي درساً ، وافهامه أن الكلب مواطن في بلد تحترم فيه حقوق الحيوان والإنسان أيضاً . رغمَ أن تصَرّف الكلب هو من قبيل استيفاء الحق بالذات ، وهو تصرف غير قانوني ويُعَرّضه للمُساءلة ، لكن يبدو أن الكلب ، أدركَ بفطرَتِه السليمة ، أن مقاضاة رجل أمن في سورية ، محفوفة بالمخاطر ، لذلك استنسَبَ أن يأخذ حقه بأنيابه !

الفرضية الثانية أن يكون المواطن المعضوض ، موظفاً مسحوقاً تحت وطأة تنكيل رئيسه في العمل، ويعاني من القهر بسبب الوقوف في طابور الانتظار لشراء قنينة الغاز أو الخبز أو الخضار، فأراد تصريف هذا القهر الذي يعاني منه، فلم يجد أمامه غير هذا الكلب ليثبت أمامه رجولته، ظاناً أن الكلاب الألمانية تتحمل الإهانة مثل المواطن العربي، لكنه فوجيء بهذا الرد القاسي .

الفرضية الثالثة، أن الكلب لم يعض المواطن ولم ينشب فيه مخالبه أصلاً، بل إن المواطن هو الذي عض هذا الكلب وخدشه بأظافره، لأنه بات من العدوانية نتيجة الإذلال المُستمر منذ إعلان الأحكام العُرفية قبل أربعين عاماً ، بحيث يبحث عن أي موضوع يُصرّف فيه حقده المتراكم عبر العصور .

على كل حال، القضية تنظر أمام القضاء الحلبي بجدية، في عصر لم يبق فيه شيء جَدّي سوى الخصومة بين كلب وإنسان !

الطريف في هذه الدعوى الفريدة من نوعها ، أن السفير الألماني زار الكلب في السجن ، وأكّدَ له أن ألمانيا لن تتخلى عنه في محنته ، وطالب السلطات السورية بالإفراج عنه بالكفالة !

المُواطن السوري في المنفى ، يحلُمُ أن تتعامَل معه السفارات السوريّة ، كما تتعاملُ سفارات بلاد الناس مع مواطنيها ، حتى لو كانوا كلاباً !

ولا حول ولا قوة إلا بالله .