قراءة لأخطر تصريح لنجاد

حول القضية الفلسطينية

م. سميح خلف

[email protected]

في مقابلة له مع السي ان ان أوضح نجاد موقف إيران مع رياح المتغيرات الجديدة في المنطقة وخاصة الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة أوباما، فإيران ليست بحاجة إلى تصريحات لها صبغة التطرف الآن، وخاصة بخصوص القضية الفلسطينية، ولقد سبقها تصريحات الإدارة الأمريكية الجديدة في غزل مباشر يقر الدور الإيراني في المنطقة ومناطق أخرى في العالم، ولذلك إيران الآن ليست بحاجة للشعار القائل بأن فلسطين التاريخية للفلسطينيين، فالنظام الإيراني كغيره من الأنظمة يتعامل مع القضية الفلسطينية بشكل مرحلي وبشكل انتفاعي قبل أن يكون شكل مبدأي، وهذه التوجسات التي كانت تخيفنا دائما من الموقف الإيراني، إيران منذ عام أو منذ شهور ليست إيران بتصريحاتها للـ cnn.

إيران التي كانت لا تقر بالوجود الصهيوني على أرض فلسطين وتعتبر المحرقة مجرد تزييف تاريخي ها هي الآن ومن خلال ثاني مسؤول فيها السيد نجاد رئيس الجمهورية الإيرانية ينسف كل ما تحدث به من أعوام سابقة حول القضية الفلسطينية وحول قضية الوجود للكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية، وتحولت أميركا الشيطان الأكبر وربيبتها الصهيونية إلى أميركا التي يمكن أن تتقاسم معها إيران النفوذ في منطقة الشرق الأوسط في علاقة إستراتيجية قائمة على التقاسم في المصالح، ومن خلال هذا المفهوم فإن الوجود الصهيوني على أرض فلسطين أصبح مقر من خلال ما تحدث به الرئيس الإيراني.

تصريح في غاية الخطورة على مستقبل الصراع العربي الصهيوني والعلاقات مع الأمة العربية، يقول نجاد للـ CNN مجيبا على مقدم البرنامج جورج سيتفانوبولس أن حكومته ستقبل بحل دولتين، إسرائيلية وفلسطينية، في سياق اتفاق يقبل به الفلسطينيون.

وبذلك تسلك الحكومة الإيرانية عن طريق رئيس جمهوريتها سلوك بعض الأنظمة العربية التي رمت الكرة في الملعب الفلسطيني وأقامت علاقات مع الصهيونية بحجة أن الفلسطينيين هم أصحاب القرار وهم أصحاب البرنامج بالإعتراف بالصهيونية والوجود الصهيوني على الأرض الفلسطينية، مبررات خاطئة أوصلتها بعض الأنظمة لشعوبها في حين أن تلك الأنظمة قد صنعت إتفاقيات بشكل أو بآخر مع الكيان الصهيوني قبل أوسلو في 93 ومنذ أن خسرت الأمة العربية قائدها جمال عبد الناصر، وربما قبل ذلك.

ماذا تعني تصريحات نجاد على الوضع الفلسطيني وعلى الوضع العربي، في كثير من المحطات كان يمكن أن توضع بعض التحفظات حول إتهام إيران بأن لها أطماع في الوطن العربي وهنا نذكر إحتلالها لجزر أبو موسى وطمب الكبرى وطمب الصغرى، واحتلالها للعراق بالباطن من خلال النعرة المذهبية وتصريحاتها الأخيرة بخصوص البحرين والخليج العربي، تصريحات كشفت عن وجه إيران الحقيقي واستغلالها للمقاومة الفلسطينية بحيث تضع دوائر من الإرباك أمام المحللين الإستراتيجيين في المنطقة، فكيف لإيران أن تدعم الحق العربي في إيران وهي التي تحتل وتشارك في الإحتلال في لعبة المصالح في إحتلالها للعراق والتلويح بإحتلالها للبحرين وطمب الكبرى والجزر، ناهيك عن محاولات أمنية تقوم بها إيران في المنطقة العربية بحجة دعم المقاومة، والآن انكشف الدور الحقيقي لإيران من خلال تصريحات نجاد حول القضية الفلسطينية وحل الدولتين ونوجه هنا سؤال، من قال للرئيس الفلسطيني أن الشعب الفلسطيني قد قبل بالوجود الصهيوني على 82% من أراضي فلسطين؟.. ونقول أيضا في نفس السياق من قال للرئيس الإيراني أن البرنامج الأوسلوي هو المعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني، فالبرنامج الأوسلوي هو معبر فقط عن البرنامج العربي المدفوع أميركيا، ولا يمثل أي لغة من لغات الحقيقة لقرار الشعب الفلسطيني وإرادة الشعب الفلسطيني.

لقد دعت أميركا إيران لتقاسم النفوذ في أفغانستان، ناهيك عن الموقف الإيراني من الإجتياح الأمريكي لأفغانستان، ودعت أميركا إيران لتقاسم النفوذ الأمني والسياسي في العراق ودعت أميركا إيران لتقاسم النفوذ في لبنان، وما يحدث في لبنان هو تقاسم ومحاصصة للمصالح بين الدولتين، ومع الدول الغربية أيضا، وها هي إيران ومن خلال تصريحات رئيسها تتخلى عن المقاومة الفلسطينية لصالح حل الدولتين والإعتراف بالصهيونية على أرض فلسطين بمبرر واهي وهو خيار الشعب الفلسطيني، ولذلك نقول أن تلك المبررات تسقطها الحقيقة القائمة من تقاسم للنفوذ بين إيران وأميركا والحقيقة تقول أيضا أن القضية الفلسطينية والوجود الصهيوني على أرض فلسطين هي قضية لا تقبل المساومة ولا تقبل أن توضع تحت لائحة المصالح، فالقضية الفلسطينية هي قضية إحتلال عنصري إستيطاني على أرض فلسطين ولن ترضى الأمة العربية والإسلامية بهذا الوجود الذي وجد منذ بدايته على خريطة المصالح الدولية والأطماع الإمبريالية.

تصريحات نجاد هي إعتذار مبطن على جمله ومواقفه في مؤتمر ديربان في جنيف الأسبوع الماضي، وإيران تقدم أيضا فلسطين كهدية للإدارة الأمريكية وللصهيونية مقابل التصريحات الهامة التي صرحت بها الإدارة الأمريكية حول حق إيران المشروع في استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية، وهنا أميركا تقدم مشروعية للبرنامج النووي الإيراني يإمتداداته المختلفة وأفكاره التي يمكن أن تبلور ديموغرافيا جديدة في منطقة الخليج ومناطق أخرى في الوطن العربي.

المقاومة الفلسطينية من خلال رسالة نجاد مع الـ CNN وفي توافق في الزمن مع إجتماع كل من تيار أوسلو وحماس في القاهرة هي ورقة أيضا لصالح تيار أوسلو تدفعها الحكومة الإيرانية للجانب الأمريكي والصهيوني ووضع المقاومة وأولها حماس بين فكي كماشة وضغوط من أجل الموافقة على برنامج سلطة رام الله الذي عبر عنه رئيس تيار أوسلو اليوم في تصريحه على أي حكومة تشكل أن تعترف بإلتزامات السلطة ومنظمة التحرير بدون إلزام للفصائل، وهنا تحايل والتفاف يؤدي في النهاية إلى الإقرار بالسلوم السياسي والأمني لسلطة رام الله في حفظ الأمن للإحتلال وإنهاء كل المعايير والمفاهيم التي تقول أن الكيان الصهيوني هو عدو محتل إستيطاني لفلسطين وامتدادات ذلك أيضا الخطورة التي تتمثل على أن المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني، من تصريحات نجاد المقاومة الفلسطينية والمطلب الفلسطيني في خطر وفي موقف لا تحسد عليه في ظل برنامج عربي متقاعص وطموح إيراني في المنطقة وتقاسم للنفوذ بين إيران وأميركا والغرب، يمكن أن يؤدي إلى حقائق أخرى على الأرض العربية وبالضرورة ينعكس ذلك على المقاومة الفلسطينية وطرق الدعم اللوجستي وغير اللوجستي فحصار المقاومة الآن في بوابة جديدة تختلف عن بوابة رفح وقفل المعابر، فهناك وجه آخر لحصار المقاومة الفلسطينية وفصائلها.

              

*رئيس تحرير صحيفة فلسطيننا