هل تضرس فداء الحوراني ،
من الحصرم الذي أكله أبوها !؟
راجي مندو
· سورية كلها ضحيّة : وطناً ، وشعباً ، وجيشاً ، ومؤسّسات ، وأفراداً ! إنها ضحيّة من وجوه عدّة ، وبأشكال مختلفة ، ولأسباب متنوّعة .. منها : السلوكات الخاصّة ، لبعض ساستها ، في التاريخ الحديث ! والسلوكات الخاصّة ، نفسُها ، متعدّدة الوجوه ، متشعّبة المناحي ، مختلفة من شخص لآخر.. حسب حجم كل منهم ، وقدراته ، وطموحاته ، وأساليبه ، والظروف المحيطة به !
ـ من أبرز الوجوه ، التي أسهمت في صنع التاريخ السوري الحديث ، الأستاذ الراحل أكرم الحوراني ! وما نحسب سياسياً واحداً ، في سورية ، يجهل دوره ، في صناعة المراحل المتعاقبة ، من تاريخ سورية بعد الاستقلال ! سواء أكانت المراحل ديموقراطية ، أم دكتاتورية ( عسكرية انقلابية ) !
1) ما نحسب سياسياً سورياً متمرّساً ، خبيراً بتاريخ سورية الحديث ، يجهل أن نظام الحكم السوري الحالي ، هو هديّة بديعة ، من هدايا بعض الساسة الأذكياء ، في مرحلة الخمسينات في القرن الماضي ! وعلى رأس هؤلاء الأذكياء ، الطموحين ، الأستاذ أكرم الحوراني !
2) كان طموح الساسة الأذكياء ، من أمثال الأستاذ أكرم الحوراني ، أقوى من أن يتيح لهم ، الإفادة من ذكائهم ، في استشراف المستقبل .. كي يحسبوا نتائح أعمالهم المتوقّعة ، بعد سنين قليلة !
3) كان طموح الأستاذ أكرم الحوراني ، أقوى ـ في نفسه ـ من أن يسمع نصيحة أحد ، بأن يقرأ آية من كتاب الله ، تحذّره من عواقب صنيعه : ( تربية الذئاب وإعدادها لافتراس الخصوم !) على ذرّيته ، مِن بعده ، وهي الآية الكريمة : (.. وليخشَ الذين لو تَركوا من خلفِهم ذرّيةً ضِعافاً خافوا عليهم فليتّقوا الله وليقولوا قولاً سديداً ) . كما كان طموحه السياسي ، أقوى من أن يقبل تذكير أحد ، ممّن حوله ، ببيت الشعر القائل :
ومَن جَعلَ الضِرغامَ بازاً لصيدِه تَصيّده الضرغام فيمنْ تَصيّدا
فحلّ المصير المحتوم ، على الأستاذ أكرم الحوراني ، حين اصطادته الذئاب التي ربّاها؛ فقذفته خارج بلاده ، وعاش مشرّداً مريضاً .. ثم حين مات ، مات محروماً ، حتّى من مكان قبر يدفن فيه ، في بلاده .. بعد أن رفض كبير الذئاب ، الذي حكَم البلاد .. دفنَ الراحل ، في مساحة عرضها متر ، وطولها دون المترين .. من تراب وطنه !
4) دأب بعض السياسيين الكتّاب المعارضين ، في المرحلة الراهنة ، على تذكير الزمرة الحاكمة ، اليوم .. بأنها صنيعة الأستاذ أكرم الحوراني ، الذي جلبَها ، ومهّد لها السبل ، في الهيمنة على الجيش السوري ! ( دون أن يذكر هؤلاء الكتّاب ، بالطبع ، أن أكرم تبنّى هذه الأصفار الصغيرة ، التي تعملقت بجهوده .. ليمارس ، من خلالها ، هواياته السياسية الطريفة ، في نسف الحكومات المنتخَبة ، عبر الانقلابات العسكرية المتوالية .. بأيدي الضبّاط الموالين له ، من أمثال عناصر الزمرة المتسلّطة ، اليوم ، على سورية ! وأكثر مايرِد تذكير هؤلاء الكتّاب ، للزمرة الحاكمة ، بفضل أكرم الحوراني عليها .. إنّما يرِد في معرض الحديث ، عن مأساة البطلة الشامخة ، فداء أكرم الحوراني ! ليشمل هذا التذكير ، فيما يشمل ، تذكيراً بأن جزاء الإحسان ، لا يكون بالإساءة ، ونكران الجميل ، ومدّ اليد القبيحة ، إلى أبناء المحسن ، صاحب اليد البيضاء الجميلة ! ) .
* السؤال المطروح ، اليوم ، هو : هل يحتاج الموظّفون ، الذين يخدمون الزمرة الحاكمة الحالية ، من عسكر ، ورجال مخابرات ، وساسة .. هل يحتاجون إلى مَن يذكّرهم ، بمصير كمصير أكرم الحوراني وأسرته .. بل بمصير محمّد عمران ، وعبد الكريم الجندي ، وصلاح جديد ، ورئيس الوزراء الزعبي ، وغازي كنعان.. وآخرين ، ممّن هم على شاكلتهم !؟ أم أن غشاوة الكرسي ، وغشاوة الطموح إليه .. أقوى من أيّ تذكير، حتّى لو كان الهلاك ماثلاً أمام العينين ، تتراءى ملامحه صباحَ مساء ! وأن سنّة الله في الذين خلوا مِن قبل ، ستنسحب على مَن بعدهم ، بإصرار هؤلاء اللاحقين ، أنفسِهم ، على السير في الطريق التي سلكها السابقون ، دون أن يعتبروا بمصيرهم .. ليقعوا تحت مدلول الآية الكريمة : ( وما ظلمناهم ولكنْ كانوا أنفسَهم يَظلمون ) !؟
( واضح ، فيما نحسب ، لكل من يقرأ هذه السطور.. أنها ، إنّما كتبت ، لتذكير الأحياء ، بضرورة الاعتبار بمن سبقهم .. لا للحديث عن الأموات ! فأولئل أخذ كل منهم عمله ، معه ، وأفضى إلى ربّه ، ليحاسبه .. فهو الحسيب على عباده ) !