لعبة الكشاتبين والثلاث ورقات وتغيير الوزارات!
لعبة الكشاتبين والثلاث ورقات
وتغيير الوزارات!
مصباح الغفري
وأعْشق بَرْق الشام إن كان مُمْطِراً وأعشقه أيضاً إذا كان مُجدِبأ
يَسومٌنا الصنمُ الباغي عبادَتـهُ لن تعْبُدَ الشام إلا الواحِدَ الأحَدا
( شاعر سورية الأكبر : بدوي الجبل )
كان في جيبي خمس ليرات لا أملك من حطام الدنيا غيرها، يوم كان هذا المبلغ يكفي لإطعام عائلة كاملة لمدة يومين .
كنت عائداً إلى البيت عندما رأيت لاعب الكشاتبين، كلُّ رأسِ ماله ثلاثة كشاتبين وحَبّة من الحمّص ، وخِفة في اليد . يتحلق حوله عدد من الناس ، عرفت فيما بعد أن أكثرهم من شركائه وأعوانه، وهو يصيح :
فتّح عينك، تاكل ملبن !
توقفت للفرجة، كان شركاؤه يقامرون معه، يراهنون فيربحون، أغرتني اللعبة، وقلت في نفسي :
هذه طريقة سهلة لكسب مبلغ من المال يفرح به العيال !
راهنت على حبة الحمص، وتحت أي كشتبان سوف تكون ، راهنت خمس مرات ، وطارت الخمس ليرات في لحظات، وعدت إلى البيت سيراً على الأقدام !
عمر هذه الحادثة أربعون عاماً ، من عمر إعلان الأحكام العرفيّة ، في وطن قال عنه سعيد حورانية ذات يوم :
وطنٌ لا يعيش فيه إنسان !
لكنني كلما شاهدت أحد حكامنا الأشاوس على شاشة التلفزيون، وسمعت ما تجود به قريحته، تحسست جيبي خشية أن يقفز لاعب الكشاتبين المعاصر من الشاشة فيشلّحني ما فيها ، على قلته ، فلاعبو الكشاتبين ، من المسؤولين وأبنائهم وأقاربهم وأصهارهم ، لا يعفون حتى عن القليل !
الحاكمون بأمرهم بين الرباط وأبو ظبي، تسري في شرايينهم دماء أجدادهم من لاعبي الكشاتبين، فقد لعبوا أمامنا على مدى خمسة عشر قرناً ، وتحديداً منذ معركة صفين ورفع المصاحف على السيوف وتحويل الخلافة إلى مُلك عضوض عقور، فشلحونا ما نملك، حتى اقترضنا ما لا نملك، فكانت نتائج المراهنة بيننا وبينهم كما يلي :
ـ راهنا على استعادة فلسطين، فخسرنا غزة والضفة الغربية والجولان ، وربحوا البقاء على الكرسي لهم ولأبنائهم من بعدهم .
ـ راهنا على التقدم والاشتراكية، ففقدنا حتى الخبز والشعير والعلف ، وأستأثروا هم بواردات النفط ، وأرباح تهريب المالبورو ، وأتعاب دفن النفايات النووية ، وواردات المناطق التجارية الحُرّة والتلفونات المنقولة وغير المنقولة !
ـ راهنا على البترول العربي ليُحول البلاد إلى جنات تجري من تحتها الأنهار، فإذا بأموال النفط تتحول إلى حسابات سرية في مصارف سويسرا بأسماء الرفيق المناضل كوجوك علي أوغلو وولده دده بيك ، وإلى عمولات لصفقات السلاح الذي لم يستعمل إلا في معاركهم لاحتلال القصر الجمهوري ، أو في حركات التصحيح والتشبيح والتشليح .
ـ راهنا على الأحزاب والقوى التقدمية، فصرنا نترحم على السلطان عبد الحميد والشيخ تاج الدين الحَسَني وأبو العباس السفاح .
ـ راهنا على الوحدة العربية، فتحول الوطن الكبير إلى أكثر من عشرين دولة ، وتحولت كل دولة إلى دوَل للمخابرات وعصابات المافيا ، والحبل على الجرار .
ـ راهنا على الوفرة الغذائية والأمن عند العسكر، فأصبح كل عسكري مليونير ، وكل مواطن مديونير ! .
ـ راهنا على الحرية والديموقراطية، فاستأثر بها الحكام وتركوا لنا السجن والقبر والمنفى .
أيها السادة، يا قادتنا الحكماء :
لم يبق لدينا ما نراهن عليه ، ولعبة الكشاتبين التي أتقنتموها بين واشنطن وتل أبيب لم تعد تنطلي لا علينا ، ولا عليهم ، فقد أصبحتم رؤوساًً نضجت وتعفنت وحان قطافها ، ونحن الشعوب الغفورة سنكون أصحابها. لكننا نقول لكم بدون حَقد وبدون عُقد ، وبمناسَبة التغيير الوزاري الجديد الذي كرّس الفيلد مارشال إياه ، وزيراً للأوسمة والنياشين والمطابخ للسنة الثالثة والثلاثين ، أي العمر الذي عاشه السيد المسيح :
سنغفر لكم جميع جرائمكم ، ومنها الإبقاء على الفيلد مارشال وزيراً وقد بلغ أرذل العمر ، فقط بشرط واحد أوحد :
أن
تحلّوا عن ظهورنا ، الآن الآن وليس غداً !