لعبة الأسماء

لعبة الأسماء

تأليف : هـ . إ

صلاح  :   ( تعال نسم ِّ الأشياء بغير أسمائها .. !! )

حافظ    : ( وما الفائدة من هذه اللعبة وهذه التفاهة .. ؟ )

حوار جرى بين طالبين وهما يتسلقان الجبل بعد امتحان الثانوية .. في بيئة تعتبر الثانوية علماً ، وحاملها عالماً ، وهما ينتظران النتائج بفارغ الصبر -  لا من أجل أن يفوزا ببعثة علمية خارجية أو حتى داخلية ، فهما يعلمان أنهما لن يحصلا على الدرجات الكافية حتى للقبول في الجامعة -  وإنما أحلى المنى أن يكون اسمهما بين أسماء الناجحين لكي يلتحقا بالكلية العسكرية ، والتي ستقبلهما حتماً لأسباب : 

منها أن سوريا خارجة لتوها من الاستعمار الفرنسي الذي بقي خمسة وعشرين عاما . وتريد الآن سوريا أن تبني جيشاً وطنياً متوازن التركيبة بعيداً عن الطائفية والإقليمية والعشائرية وكل هذه التركيبات البدائية المتخلفة . والتي يعتبر السوريون أنفسهم – إن حقاً وإن كذباً – قد تجاوزوها ..

وبناء الجيش يحتاج إلى أعداد كبيرة .. – الأمر الذي سيساعد بطلي قصتنا على القبول في الكلية العسكرية – والسبب الثالث أن هناك في الجيش نفسه المشكّـل حديثاً عدداً من  أصحاب وأقارب البطلين لهم من النفوذ ما يمكنهم من إشباع رغبة - ربما بريئة -  لتنسيب الأقارب وأبناء العشيرة إلى الجيش الفتي.

والسبب الرابع أن في العشائر والطوائف والمناطق الأخرى من أصحاب النفوذ من كان يراهن على هذه الأقلية أو تلك لكي يكسب أصواتاً انتخابية أكثر .. واستخدم التنسيب إلى الجيش كأسلوب من عدة أساليب غبية لبسط النفوذ والتأثير على موقع القرار ..

كل هذه الأسباب وربما هناك غيرها جعل بطلي القصة يملأ نفسيهما الأمل الكبير أن يلتحقا بالكلية الأمل المنشود  .

قال صلاح  لرفيقه حافظ    :

ـ أتعتبر ذلك عبثاً ؟ .. وما العيب في عبث لا يضر ؟ لماذا نصعد الجبل ونطارد العنزات ؟ أليس ذلك عبثاً ؟ 

حافظ  :  في ذلك رياضة وترويح عن النفس .. !!

صلاح  : وهذه أيضاً رياضة وترويح عن النفس .... أقصد رياضة ذهنية للتلاعب بالكلمات .. !! ولا تدري فقد تحتاج إليها في يوم من الأيام ..!! عندما تكون طالباً في الكلية أو بعد أن تتخرج لتضحك على الآخرين .. !!

حافظ  : حسناً سأجاريك .. كيف تسمي الجبل ؟

صلاح  : نسميه وادياً .. !!

حافظ : والوادي ؟؟

صلاح  : جبلاً ..!!

حافظ  : حسناً ... نحن الآن نصعد الوادي ..  !!

صلاح : أحسنت ..!!

حافظ : وننزل الجبل .. !!

صلاح : أحسنت .. أرأيت .. لقد تعلمت سريعاً وصرت أبرع مني .. وأتوقع أن يكون لك فائدة في المستقبل !!

حافظ : وأي مستقبل هذا ؟؟ .. دعنا ننتظر نتائج الثانوية .. وبعد ذلك يكون الحلم كبيراً ..!!

واستمرت لعبة الأسماء بين الصاحبين ..

ثم طلعت نتائج الثانوية .. ويا للفرحة الكبرى !! لقد نجح الرفيقان .. وتقدما إلى الكليات العسكرية .. ويا للفرحة الكبرى مرة أخرى فقد قبلا .. أحدهما في الكلية الجوية والثاني في الكلية العسكرية ..

ومرت الأيام .. وتخرجا ضابطين .. وتقلبت الأيام .. وأصبحا في موقعين حساسين ..  وإن كان صلاح   أقوى مركزاً .. وأثقل وزناً ..  ولكنه لم ينس رفيق دربه ...  وعادا إلى لعبة الأسماء – لكن هذه المرة صارت اللعبة ذات فائدة أكثر منها تسلية -  كانا برتبة نقيب .. وبين الرتبة والرتبة يحتاج الضابط إلى أربع سنوات على الأقل ودورة تؤهله للترقي ..

صلاح  أصبح مسؤولاً عن شؤون الضباط . وسرعان ما سمى نفسه لواء – ولم يقفز سوى أربع رتب عسكرية قفزة واحدة ...   والتي لا تحتاج إلى أكثر من ستة عشر عاماً - .

وسمى صاحبه النقيب حافظ    أيضاً لواء إخلاصاً لعهد الصداقة والصلات الأخرى ..

وتعاون الرفيقان في تنفيذ هذه اللعبة الممتعة .. وجاء صلاح  برجل عسكري اسمه ( أمين ) –  يعرف عنه إخلاصه الخارق وذكاءه الفارق – وسمّوه  ( لواءً ...ثم ..  فريقا و رئيساً لمجلس السيادة ورئيساً لمجلس القيادة والحاكم العرفي ووزيراً للدفاع ورئيسا للأركان ) .

قال حافظ  لصديقه صلاح  : ألا تخاف من هذه اللعبة وأن ينقلب  السحر على الساحر .. ؟

قال صلاح : بدأت أشك في ذكائك .. ألم تتقن اللعبة بعد ؟؟  إنما هذه ألقاب نملكها ونمنحها لمن نشاء ونسلبها ممن نشاء ..  ساعة نشاء .. 

أراد صلاح أن يبعد كل من يشكل عليه خطراً  من الغير .. وأن يأتي بالأقارب والأصحاب والعشيرة لثقته أنهم يحمونه ويدافعون عنه أولاً وإخلاصاً لما يرتبط به من ولاء  ثانياً ..  فكان في كل يوم يأتي بورقتين للرئيس أمين إحداهما تسريح والثانية تعيين وترفيع .. ولم يكن بوسع أمين -  صاحب الثوب الضافي الفضفاض الزائد عن حجمه جداً –    أن يرد لولي نعمته طلباً أو حتى أن يقرأ ما في الورقتين ..

ومر عام .. عامان .. ثلاثة ..

قال صلاح لرفيقه حافظ : .. يبدو لي أن هذا المسمى .. صدق نفسه .. وتمادى زيادة عن اللازم .. وأظن أنه قد استهلك وأن علينا أن نمضي في لعبة الأسماء أكثر وأبعد .. فقد صار عندنا من المخزون الكثير من الأدوات الجديدة

قال حافظ : أنت أطلقت عليه هذا الاسم الطويل .. !! ..

قال صلاح : لكأنك تلومني .. ولا تدرك ما تحقق ..

قال حافظ : يعني .. !!   ..

قال صلاح : اسمع ..  يجب أن تتعلم لعبة الأسماء هذه أكثر .. نعم أنا سميته .. فريقاً ورفيقاً . وسأنزع عنه هذا الاسم .. !!

قال حافظ : ماذا تسميه إذن ؟

قال : .. اليمين العفن ..

وكان .. ما كان .. وتعاون الرفيقان في لعبة الأسماء ونزع عن أمين ثوبه الفضفاض المستعار .. وسمى صلاح رفيقه وصديقه الذي يتدرب على يديه حافظ  وزيراً للدفاع .. وجاء بنور الدين .. رجل عظيم لماح الذكاء ممتلئ الشخصية .. وسماه رئيساً للجمهورية ..  

ورأى حافظ كم كان عظيماً محصول هذه اللعبة التي كان صلاح يتقنها بينما كان هو حتى الآن يكتفي بقطف الثمار دون أن يبذل كثيراً من الجهود وقرر من وقتها أن يكون له دور في هذه اللعبة ..

مضى عام بعد استلامه وزارة الدفاع وهو يروج مع رفيقه لحرب مع العدو . وحدثت الحرب المهزلة التي حسمت في الساعات الست الأولى واقتطعت من سوريا أرضاً عزيزة .. ولكن ماذا نسميها ؟

قال حافظ : طبعا لن نسميها خيانة . أو خزياً  أوعاراً  أو هزيمة ..   تعال نسميها نكسة .. أو انتصاراً .. !!!!!!!

ألم نكن نسمي الوادي جبلاً  والواوي جملا  ؟؟ . ألم يكن هدف إسرائيل أن تسقط النظام العظيم .. ؟؟؟؟؟؟ هل حققت أهدافها ؟؟؟؟؟؟؟ .. أرأيت ؟؟ ألم أقل لك إنه انتصار !!!! ..

قال صلاح : أحسنت ..  تستحق أن تسمى فريقاً أيها اللواء على هذه الأفكار ..  نعم فلتسمَّ الهزيمة .. انتصاراً ... وليسم من قاد هذه  المعركة فريقاً .. )

حافظ قرر أن لا يكون مثل الرفيق الفريق أمين .. وقرر أن تكون اللعبة لحسابه هذه المرة ..

عام .. عامان .. ثلاثة ..!!!!

واجتمع مدير اللعبة صلاح  مع  من أنعم عليهم بالأسماء الساحرة والألقاب الباهرة .. ولكن حافظ لم يأت للحضور بين هؤلاء بل حاصرهم بالجيش ( أليس هو وزير الدفاع  ؟؟ والرفيق ؟؟ الفريق ؟؟ و .. لن يكون مثل هذا ..الــــ..... أمين .. لن تلعبها يا صلاح .. فلقد أتقن حافظ اللعبة .. !!!!! )  وأخذهم ( هذه الأسماء ) قشة .. لفة .... ووضعهم في مبنى الهدف الثاني للحزب .. الحرية ( سجن المزة )

لقد حسب صلاح كل حساب إلا هذا الحساب ..  كيف سمح لهذا التلميذ الــ......  أن يغدر به ؟؟؟  .. ولكن قد يصاب الإنسان بالندم ولات ساعة مندم .. 

أما حافظ  فقد ترك رفيق دربه وأصحاب الأسماء المنعم عليهم يتجادلون بالمنطلقات النظرية داخل جدران المزة الشهية  حتى ترقت أرواحهم في السماء أو ساخت في الأرض .. وصلاح يضرب كفاً بكف .. وعينه ترف .. 

سمى حافظ  نفسه – الرفيق الفريق رئيس الوزراء فقط وأعطى لقب رئيس الجمهورية لرجل سيظل التاريخ يذكر شخصيته القوية المهابة ...  ولكن الشعب  في الانتخابات التي جرت أبى إلا أن يصوت للرفيق الفريق بنسبة 99.9999 %   وأبى إلا أن يسميه رئيساً -   يقال إن صلاح صار يضرب كفاً بكف .. وعينه ترف ..  ويقول : لقد فاق التلميذ أستاذه .. كنت أنا أسمي .. صار الشعب هو الذي يسمي في هذا العهد الميمون ..

وقال حافظ للناس : لقد جئت إليكم لأحرركم من هذه الزمرة ..الـــ ..... سأحرر المواطن ( في تدمر .. ) والوطن ( في الجولان .. ) شرط أن تتركوني أحكم مدى الحياة ..

وباعتبار أنه منذ سقوط الجولان ( وحده ) لم يعد حافظ يستطيع النوم .. فقد قرر أن يهجم على العدو ويخلص منه الجولان ..  وصحيح أن المعركة انتهت بخسارة حوالي ثلاثين قرية جديدة .. وأنها آخر مرة يطلق فيها النار من هذه الجبهة ....  ولكن كان هناك مكاسب .. فقد اضطر العرب أن يدفعوا الملايين كل عام وخاصة بعض دول النفط ..

ومر عام .. عامان ... ثلاثة ..

وصارت بعض المشاغبات التي تعكر صفو الأمان والسلام والاستقرار .. وتشاغب على الإعداد للمعركة  الحاسمة لاسترجاع الجولان التي ضاعت ( وحدها ) .. وماذا نسمي هؤلاء ؟؟ خونة وعملاء الاستعمار والامبريالية الأمريكية وإسرائيل .. إنهم يستحقون الموت والاستئصال  فليكن قانون 49 نبراساً للحضارة ودولة المؤسسات .. وخرج الشعب ( وحده ) يهتف لسقوط أمريكا وعملائها .. ( وفي فيتنام راح نصف أمريكا ونحنا رح نكمل على الباقي .. ) ..

ومر عام .. عامان ..  ثلاثة ..

وقررت أمريكا أن تأتي إلى الخليج لتخرج صدام من الكويت .. – فرصة حتى نقضي على باقي أمريكا – ولكن ماذا لو سميناه تحريراًً وشاركنا فيه ..   وقرر جيشنا الباطل أن يخوض المعركة ضد العراق و العملاء ويقبض الثمن – تحت الراية الأمريكية !!!!!! ....    كما قرر أن تكون معركتنا مع إسرائيل سلمية .. واستنبتنا في مزارعنا  نوعاً جديداً من الخيار إنه خيار السلام الاستراتيجي  – وإن كان قد سبقنا إليه ماركة سلام الشجعان من إنتاج السادات اكتشفنا عدم صلاحيتها في وقت مبكر ثم أخذ عرفات وكالتها – إلا أن خيارنا له اسمان : اسم خارجي لا يراه إلا الأمريكان واليهود وهو المذكور أعلاه واسم داخلي لا يراه إلا الشعب وهو من فصيلة ( حرر يحرر  ..........    )

ومر عام .. عامان ..  ثلاثة ..

وفي أواخر حياته .. وقبل أن يموت سمى ابنه البكر المهندس الفارس الذهبي ولكن ربما تجري الرياح أحياناً بما لا يشتهي لاعبو الأسماء هذه وأخذه الله في عباده الصالحين بالرغم من صلاته يوم السبت والأحد وصيامه في رجب وشعبان وتصدقه على الفقراء والمساكين كلما باع عنزة من عنزات جده  ..

ومر عام .. عامان ..  ثلاثة ..

وأعلنت تركيا ( العلمانية – كما هو حال سوريا )  إنذارها الشهير لسوريا ( إغلاق معسكرات تدريب الأكراد وطرد أوغلان ووقف الدعاية السورية ضد تركيا والسكوت نهائياً وإلى الأبد عن مياه الفرات ولواء اسكندرون ) وقال يلماظ : سنفقأ عيني الأسد وقال ديميريل : سنكسر رأسه .. ولكن الحكمة ( لا أدري ما اسمها الحقيقي في لعبة الأسماء ) اقتضت أن يستجيب لمطالب تركيا .. ويغيظها .. ويفوت عليها الفرصة .. وانظر كيف تحول الموقف إلى صداقة حميمة ( مع تركيا الإسلامية !! )

وحين اضطر حافظ أن يعد ابنه الثاني لولاية العهد سماه دكتوراً ( لا أدري ما اسمه الحقيقي في لعبة الأسماء ؟؟  )    وحين  سأله الناس ( وهم يرون بأم أعينهم مراسيم الإعداد ) :  هل ستسمي ابنك المصون ملكاً ..؟؟ قال : نحن في دولة مؤسسات وليس عندنا في الدستور المقدس وراثة في الحكم . ولم أسمع منه رغبة في هذا الموضوع .. ولكن رفاق فطامه وحضانته وطفولته هم الذين يتحدثون عن الموضوع .. 

ولما مات حافظ الخالد رحمه الله رحمة واسعة وأدخله الجنان إلى جانب الفارس الذهبي الذي سبقه بأعوام

ولكن لم تنته لعبة الأسماء ..  فقد سمي الولد راشداً .. وتغير الدستور المقدس وفصل على القياس وأصبح الرفيق الصغير عضواً في القيادة .. بل القائد نفسه .. وسمي المدني عسكرياً .. وسمي العسكري نقيباً .. وقفز النقيب إلى فريق ... وصار الإصلاح متوجاً(  ما اسمه في لعبة الأسماء ؟؟ )  والحرية مشعة والانتخابات نزيهة 99.999%   وهكذا تبين صدق الرئيس الراحل ...

ومر عام .. عامان ..  ثلاثة ..

ضربت إسرائيل راداراً فخرج بيان يقول ( نحتفظ بحق الرد ...   ولن نسمح لإسرائيل أن تختار زمان ومكان المعركة .. بل نحن الذين نقرر .. ) وارتجفت إسرائيل خوفاً ورعباً  .. فضربت راداراً آخر وفوجئت بأننا ثابتون على المبادئ لا نتزحزح قيد أنملة ونحتفظ بحق الرد .....    !!!!!!! .. ولا زالت إسرائيل تضع يدها على رأسها خشية أن نستعمل هذا الحق فجأة فنصيبها في مقتل .. ( وإن كان الخيار مثمراً مازال ) .

وجاءت أمريكا إلى العراق وأبينا أن نرسل قواتنا تحت الراية الأمريكية  هذه المرة ( وإن كان لم يرسل أحد من العرب قواته أيضاً لأن أمريكا لم تطلب من أحد .. بل لم تسمح لأحد بهذا .. – كما صرح ابن أبيه الرفيق الفريق -  ) .. وصارت أمريكا على الحدود .. بل دخلت الحدود وقتلت وضربت ولكن الحكمة اقتضت أن لا نذكر ذلك في الأخبار لولا أن أمريكا أعلنته بالفم الملآن .. !!!

وطلبت أمريكا -  يبدو أنها تعلمت من تركيا – مطالب .. واقتضت الحكمة القديمة لعائلة الحكماء شيباً وشبانا أن نستجيب ونزيد فنتعاقد مع شركات البترول الأمريكية لنجعل أمريكا تفقع غيظاً ونظل نحن ثابتين على المبادئ ..

ولعبة الأسماء مستمرة ..!!!!!!!!