التحْفة السَّنيَّة في حكايَة العصا السحريّة!
من حكايات " ألف ليلة وليلة "
التحْفة السَّنيَّة في حكايَة العصا السحريّة!
مصباح الغفري
أكُلّما اخترَعَ الإنسان آلِهَة للخيْر، صَيّرَها شَرٌّ سَعادينا ؟
( الجواهري )
بعد ألف ليلة وألف نهار ، قالت شهرزاد لبَعْلِها شهريار :
بلغني أيها الملك السعيد ، أن سلطان سرنديب . عندما شعَرَ بدُنوّ الأجلْ ، جمَعَ
أعوانه وخِصْيانـه علـى
نهَض شيخ البَصّاصين ، وقال بلسان عربي مبين :
ـ نفديكَ بالروح والدم أيها الرفيق ، هلاّ أشرت إلى الطريق ، لإنقاذ المركب الغريق ؟
قال السلطان :
ـ لكي لا يسوء المآل ، أتركوا النقاش والجدال . لن يستقيم الأمر من بعدي ، إلا بذريّتي وولدي . ولا تنسوا ما قالته العرب : الأخ ، فخ . والعم ، هَمّ وغم . أما الخال ، فهو وبال ! فمن لسَتر العوْرات ، والحفاظ على المكتسَبات ، وسرية الحسابات ، وعدم نبش مقابر الأموات ، ومدافن النفايات ؟ من لقيادة المسيرة ، غير الأولاد أبناء العشيرة ؟
وصاحَ وزيرُ الدبابات والقنابل ، نحن فداك أيها الرفيق المناضل . يا قائد التصحيح في تشرين ، لولاكَ لم نملك الملايين ، ولا أثقلت صدورَنا وأقفيتنا الأوسمة والنياشين .
توقف قلب مولانا السلطان ، عن الوجيب والخفقان ، وكان ما كان ، من تعديل الدستور في البرلمان . واعتلى عرش سرنديب ، الشابّ الأريب . وقال في خطبة القسَم ، بعد أن حمد الله على النعم :
ـ أيتها الجماهير الغفورة الأبيّة ، أنا والله لا أملك عصا سحريّة ! فالقضاء على الفساد ، يستلزم التربية والإعداد . وإشاعة الديموقراطية والحريات ، تحتاج إلى سنوات ، فقضاء الحاجات له أوقات ، ومن عاش مات ، وكل ما هو آتٍ آت !
واستبشرَ الناس بروح الشباب ، للخلاص من القمع والإرهاب ، وتعالَت أصوات المثقفين والكتاب . بدأ الجليد بالذوبان ، وزقزقت عصافير الجنان ، وأزهرت الأغصان . لكن أجهزة الأمن والمخابرات ، ومكاتب دفن النفايات أصحاب المليارات . لا يستطيعون ممارسة النهب ، إذا استيقظ الشعب . والعصا السحرية تمخضت عن كرباج ، وإذا المورد العذب ملحٌ أجاج!
تحركَت هيئة المنتفعين بالنظام ، وأصبح الشرفاء كالأيتام على موائد اللئام . سيق المثقفون إلى ساحات القضاء ، من قبل أبناء الطلقاء . وكيف لمن وُلِدَ في ظل الأحكام العُرفيّة ، أن يعرف معنى الحُريّة ؟
قال شهريار :
ـ وما حَدَث بعد ذلك يا شهرزاد ، وكيف تصبر العباد ، على حكم القمع والفساد؟
قالت شهرزاد :
ـ لكل بداية نهاية ، وكل حكمِ يَزول ، وكل حاكم معزول . وسرنديب كالحبلى في المخاض ، وقد نخرتها الأمراض . لكن الناس يتساءلون :
" لماذا لا تلغى الأحكام العرفية ، كما تمّ تعديلُ الدستور بدون عصاً سحرية ؟
ولماذا يُسجن المُرتشي من صغار الكَسَبَة ، ويجلس المرتشي الكبير على الأريكة والكنبَة ؟ ولماذا الإنتقال من التصدي والصمود ، إلى مغازلة شارون واليهود ؟ وكيف يُحجَرُ على الدومري وفرزات ، ولا يُحْجرُ على أثرياء التليفونات ؟ "
حكام التسعة والتسعين بالمية ، لا يملكون عصا موسى السحرية ، لكنهم ناعمون بالأحكام العرفية . ولعل الشاعر بدوي الجبل عناهم في قوله :
الناعِمونَ على اليَهود ، على رَعِيّتِكَ الخِشانُ !
وأدرك شهرزاد الصباح ، فسكتت عن الكلام المُباح.