وعوداً إلى خطاب أسد
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
[email protected]
عندما يجتمع القادة الغربيون لأمر ما نراهم يخرجون بقرارات مُلزمة للجميع فيُسارعون
الى تطبيقها وفق ما اتفقوا عليه لصالح شعوبهم ، وعندما يعقدون مؤتمرات استثنائية
فإنها تكون أشد صرامة لتنفيذها بحذافيرها ، وهم على الدوام ناجحون في التغلب على
المصاعب بالرغم ما هم عليه من الرفاهية ، ولكنهم مضطرون لتحقيق المزيد وإلا لفظتهم
شعوبهم ، وجميعنا يعلم بأن الغرب لا دين له إلا الدستور والقوانين المُنظمة التي
يخضع لها الكبير والصغير وتنسجم مع روح الأديان لاسيما الدين الإسلامي فيما يخص
المُعاملات ، وما يعيبهم إلا شيء واحد في أمور الضوابط الأخلاقية وأجواء الإباحية
في بلدانهم التي قد تُهدد وجودهم وكُل مُكتسباتهم في المُستقبل ، ولولا ذلك لصدقت
فيهم المقولة بأن بلادهم تُطبق الإسلام عليهم على الرغم من أنهم من غير المسلمين ،
بينما على العكس نرى بلادنا الإسلامية التي بمعظمها مسلمين شيء من تلك التعاليم
والمُثل العُليا للأديان المُطبقة بالغرب ، وهذا بحث كبير وعميق لسنا بصدد الخوض
فيه الآن ، ولكن ما يهمنا معرفته هو على ماذا اتفق العرب وأي أمور جوهرية اتخذوا
القرارات الصائبة فيها لعلاجها ، وماذا أنجزت قممهم في السابق واللاحق من المشاريع
غير التي نسمعها والتي تتحدث عن الاختلاف والاتفاق ، ولا ندري إذا كان هناك أسباب
جوهرية لخلافاتهم تلك ، أم أنهم يختلقون الإشكالات ثُم يأتون لحلها ، ولا يهمهم ما
وصل إليه المواطن العربي في كثير من تلك البلدان من الإحباط والفقر والجوع والتشرد
والاضطهاد والتعسف والأحكام الجائرة التي لا تخضع لقوانين العدل الأرضية أو
السماوية ، وهذا ما كان يجب بحثه في تلك القمم ، ليشعر العربي والمسلم بعزة انتمائه
لتلك الأرض ولتلك الثقافة التي لم يجني من وراءها إلا الويلات والثبور والمُعتقلات
والإهمال والهوان
وبادئاً ذي بدئ وأولاً وأخيراً ، لا أعتقد بأن أسباب اختلافاتهم من أجل تسابقهم
لتحقيق رفاهية شعوبهم وأُممهم ونمائها ، بل نرى التدهور حاصل في شتّى مناحي الحياة
، بدءً بالصحة ومروراً بالتعليم إلى ازدياد مستوى خط الفقر وحالة البؤس إلى حالة
عدم الاستقرار والخوف وغياب الحريات ، وربما الشيء الوحيد الذي يُنسق به الحكام
وعلى درجة عالية وبانضباط وإخلاص ومُتابعة واهتمام بالغ هو عبر وزارات الداخلية
بما يتعلق بالقوانين الصارمة بحق المواطن المغلوب على أمره لإبقاء حالة الرهبة عنده
من تلك الأنظمة وليس لمشاركته للبحث عن حلول، بل العديد من تلك الدول لا يكون
التنسيق بينها إلا فيما يخص الإسلاميين كونهم ليسوا من أبناء البلاد ، وكونهم العدو
الأول لديمقراطيتهم وتقدميتهم ورخاء شعوبهم، والمُعيقين لتنفيذ خطط القادة للقضاء
على الفساد ، وكونهم المثبطين لقوة تلك الدول الضاربة وإعداداتهم لمقاومة العدو
الصهيوني ولحالات الصمود ، لذلك فقد صمم لهم البعض السجون والمُعتقلات الظالمة
والمُحاكمات الاستثنائية والقوانين الجائرة لأمثالهم ، ولكل مُناضل حر وصاحب رأي أو
أيٍ كان يُطالب بالإصلاح ، كون ذلك يبعث على إضعاف هيبة الدولة ، ويفت في عزيمة
الشعوب الراضية المرضية على ما هي عليه رغماً عنها
وكذلك لم تكن خلافاتهم بسبب رفض أحدى الدول الأعضاء الانضمام إلى وحدتهم العربية
التي كانوا يتغنون بها منذ الربع الأول من القرن الماضي والتي صارت فيما بعد سبّة
عار ، ولا إلى اتحادهم الكونفدرالي أو ألإتحادي أو غير ذلك مما يؤسس الى الوحدة ولو
بأدنى صورها ويُعمق المصالح المُشتركة عبر توحيد عملتهم والتبادل التجاري وإلغاء
أو تسهيل رسوم الجمارك بين تلك الدول الأعضاء باعتبارهم كتلة اقتصادية واحدة ،
تجمعهم أواصر اللغة والدين والأرض، لتفتح الحدود بين مواطني تلك الدول ، الأشبه ما
هي عليه بالسُجن ضمن أطار القطر الواحد ، وكل هذا لم يكن على جدول الأعمال إلا
شذراً من باب التغني ورفع العتب ببعض البنود كتذكير بما يجب فعله ، بل وكما جاء في
افتتاحية النداء بأن مُعظم ما سيتم بحثه هو في آلية إدارة الخلافات البينية
مُعتمدين على منطق تحقيق المصالح المتقاطعة، وإدارة تعارض المصالح المختلفة بحيث
تبقى قابلةً للتحكمّ، وتتوقّف عن التحوّل إلى حقولٍ متفجرة تضرّ بهيبة أصحاب
الكراسي والمعالي وأصحاب الفخامة ، وهذا بالفعل ما تمّ انجازه
وعوداً إلى خطاب الرئيس الأسد الذي اعتبر فيه موضوع المُصالحات الأهم لما يجب البحث
فيه ، ولا ندري إذا كان كلامه هذا يشمل المُصالحات الداخلية ، أم أن مُعاناة عشرات
الألاف من المنفيين السوريين قسراً عن بلادهم لا تعني شيئاً ، وقضية المُعتقلين وهم
بالآلاف لا تهم ، وإغلاق ملفات المآسي والجرح النازف في وطننا لا يحتاج إلى تضميد ،
وألا لاف الأُسر المتضررة من وراء هذا الوضع الذي لا يوجد له مثيل بالمأساوية
وطولها في العالم لا يحتاج إلى إغلاق ، كون الملف لازال مفتوح منذ عُقود ، وهو
الأكثر إلحاحاً لإغلاقه ، بعدما أغلقت كل الدول مثل هذه الملفات منذ زمن بعيد ،
وكذلك لإنهاء حالة الطوارئ التي يعيشها شعبنا منذ أكثر من نصف قرن وهو يعيش حالة
استثنائية فريدة من نوعها ، وبقوانين استثنائية مُجحفة لا تُقيم للمواطن وزناً ولا
قيمة ، إذ مُعظم الإدانات تنشأ عن محاكم أمن الدولة التي أدانتها كُل المُنظمات
الإنسانية ، وخاصة فيما يتعلق بقانون 49لعام 1980 الأشد غرابة وإساءة للسمعة للنظام
والشعب والدولة السورية ، فكيف نستطيع المُطالبة بإنشاء نظام عالمي جديد يُحقق
العدالة الدولية بين الشعوب كما جاء في الخطاب بينما هي مفقودة في سورية حتى
بحدودها الدنيا ، إذ ان المزاجية والتصرف الفردي هما السائدان بدل المنهجية
والمأسسة التي دعى إليها في خطابه لتكون نهجاً وواقعاً
وأخيراً : وبكل أسف كان الغائب الأكبر عن قمّة الدوحة والقمم السابقة هي الشعوب
التي لم يؤخذ رأيها فيما يجب مناقشته ، ولم يُدرج أي بند عملي يُشير إلى الاهتمام
بها ، سوى بتمنيات تسويفية لا تُسمن ولا تُغني من جوع ، ولا تبعث على الأمل للخروج
من نفقها المُظلم ؛ كضخ الاستثمارات العربية لحل مشكلة البطالة وشح الماء والسكن
والتنمية للدول الأعضاء بدلاً من إضاعة الأموال في البورصات العالمية التي تجاوزت
أثناء الكارثة الاقتصادية العالمية بسب الاحتكار لهذا العام بما يفوق عن الثلاثة
تريليون دولار ، كانت ستغير وجه العالم العربي والإسلامي فيما لو ضُخت فيهما ، مما
يعني أرباحاً مُحققة واستقراراً اقتصادياً مُهماً فيما لو سُنت لأجل ذلك القوانين
المُنظمة التي تضمن الحقوق لأصحابها.