آفي دختر ...

آفي دختر ...

وقسم الولادة!!

طارق حميدة

tariq_hamida@hotmail.com

في مقابلة له مع قناة الجزيرة، ذكر وزير الأمن الداخلي للكيان الصهيوني آفي دختر، أن قيادات حماس يختبئون في قسم الولادة التابع لمستشفى الشفاء في غزة، وكان الجواب السريع من مذيعة الجزيرة، تخوفها أن يكون هذا الادعاء مقدمة لقصف المستشفى المذكور!!.

وهذه المقالة تحاول تفهّم الغرض من هذه المزاعم في إطار الحرب النفسية، وكذلك، دلالاتها على نفسيات المحتلين:

1)    الغرض الأول هو محاولة إيجاد شرخ بين قيادة المقاومة، وبين حاضنتها الشعبية، من خلال اتهامها بالهرب والجبن، وإيثار السلامة لنفسها، بينما تترك شعبها للموت والدمار.

2)    والحديث عن قسم الولادة، فيه تعزيز لاتهام قيادة المجاهدين بالجبن، من خلال اختبائها عند النساء، ثم اتهامها بالدناءة وقلة المروءة، وهي تختبئ حيث تتكشف النساء، ومن ثم استثارة الغيرة، وحتى النقمة والثورة، ضد هذه القيادات على سوء الأفعال المنسوبة إليها.

3)    وكذلك فإن المعتدين الصهاينة يشعرون، كما يبدو، بالانزعاج؛ نتيجة للدور الذي تضطلع به المستشفيات في قطاع غزة؛ كونها تخفف من معاناة الفلسطينيين المرضى عموماً، والمصابين والجرحى من المدنيين والمجاهدين على وجه الخصوص، في الوقت الذي يسعى فيه الصهاينة لإيقاع أكبر الخسائر في أرواح الفلسطينيين.

4)    و أقسام الولادة، بالذات، تسبب إغاظة خاصة للصهاينة، لتعلقها بهاجس الصراع السكاني/ الديمغرافي، بين الغاصبين وأصحاب الأرض الأصليين، والصهاينة لا يخفون قلقهم من التزايد السكاني لدى الفلسطينيين، في كل فلسطين بضفتها وغزتها، فضلاً عن فلسطينيي الداخل فيما احتل عام 1948، وبالتالي فإن المكان الذي يبزغ منه الفلسطينيون الجدد، الذين يساهمون في ترجيح كفة الفلسطينيين ديموغرافياً، ومن ثم جهادياً، ينبغي أن يُدمّر.  

5)    ويبدو أن القيادات الصهيونية تعاني من آلام شديدة، ويعتمل في دواخلها الكثير من المشاعر ضد حماس والفلسطينيين، والتي لم تخرجها أو تنفسها كل محاولاتهم حتى اللحظة، ولذلك فإن اللاشعور الصهيوني يحس، كما يبدو، بأن متنفسه سيكون في أقسام الولادة، حتى لو بعملية قيصرية!!

6)    بقي أن نقول بأن الحرب النفسية التي يخوضها الصهاينة عبر الشائعات والمنشورات، والتصريحات وحتى الأخبار والتحليلات والتقارير، تحتاج من الفلسطينيين وأنصارهم في الداخل والخارج، أن يرصدوها ويوثقوها ويتابعوها، ويتوقفوا عندها بالتحليل والتفسير والتحذير، والمقاومة علاجاً ووقاية، ويمكن في هذا الصدد الإفادة من تجربة حزب الله وقبله منظمة التحرير، وغيرهما، وكذلك عمل برامج ومقابلات مع بعض المختصين بالحرب النفسية، من العسكريين والمفكرين لاستعراض التجارب السابقة والوقائع الراهنة، والدكتور أحمد نوفل كتب أربعة كتب عن الحرب النفسية والشائعات، والخير عند غيره كثير، ولا ينحصر عند شخص بعينه، وهذا المثال لأني أعرفه.

بنك الأهداف الصهيونية

لا يمل الصهاينة، من الحديث عما يسمونه بنك الأهداف التي قصفوها أو التي سيقصفونها، ومن حيث المبدأ فإن الحديث عن انتهائها أو عدم انتهائها، يدخل في إطار التمويه أو التخويف والحرب النفسية، ضد المقاومة والشعب الفلسطينيين.

وقد بدأوا بمراكز الشرطة والدفاع المدني، والمواقع التدريبية للمجاهدين، ثم المؤسسات الحكومية – بحجة أنها تابعة لحكومة حماس، أو الحكومة المقالة على حد تعبير بعضهم – ولم تسلم بيوت رجالات حماس، أعضاء وقيادات، من الدعاة والسياسيين، فضلاً عن الجهاز العسكري من القساميين قادة وجنوداً، حتى من الشهداء والموتى، وكأن كون البيوت لهؤلاء، يبيح استهدافها وقتل من فيها من المدنيين أطفالاً ونساءً وشيوخاً.

ثم اشتمل بنك أهداف العدوان الصهيوني، على عدد كبير من المستشفيات والمراكز الطبية، والمساجد، والمدارس والجامعات، حتى تلك المسماة بالأمريكية والتي تعتمد المنهاج الأمريكي، وقد تكون تابعة لمؤسسة أجنبية، كالأمم المتحدة وغيرها، أو داخلية مقربة من جهة أجنبية، وكذا الجمعيات الخيرية، وكانت الحجة في كثير من الأحيان، أن قادة حماس يتخفون ويختبئون في هذه الأماكن.

وحتى بعد استهداف البيوت – أقصد الأبراج والعمارات السكنية- فإن الطائرات الصهيونية تنتظر حتى يتجمع المواطنون وطواقم الإسعاف والدفاع المدني، ثم يعاودون قصف المكان لإيقاع المزيد من الضحايا.

إن حرب الإبادة، هي مؤشر على إفلاس العدو الصهيوني؛ حيث لم يتمكن من تحطيم المقاومة، فأراد الانتقام من حاضنتها الاجتماعية، وتدمير مؤسسات المجتمع المدني، وتحطيم عناصر القوة فيه، بل وتثويرها عليه بسبب الخسائر الكبيرة التي يراد تحميل وزرها للمجاهدين وليس للمحتلين المعتدين.

ولا ننسى أن الكيان الصهيوني، ومنذ قيامه، كان يعتمد إلغاء الآخر الفلسطيني قتلاً أو تهجيراً ومن ثم الحلول مكانه، وبالتالي فإن كل فلسطيني بالنسبة لهم يشكل هدفاً مشروعاً للإبادة.

ولعل بعض المطلوب حيال جرائم التطهير العرقي، هو توثيق هذه الانتهاكات والجرائم، وإثارتها إعلامياً وحقوقياً من اللحظة الراهنة.

بعد المساجد ... هل جاء الدور على الكنائس؟

التركيز على قصف المساجد في قطاع غزة، فوق أنه تعبير عن الإفلاس الصهيوني، وتدمير لكل مكونات ومؤسسات المجتمع الفلسطيني، فإن استهدافها وبالذات أوقات الصلوات، مدخل لإيقاع مجازر كبيرة في الفلسطينيين، وله كذلك، دلالات وأبعاد أخرى تستدعي الوقوف عندها.

من جهة فإن المساجد هي محاضن تثقيفية وتربوية للمجتمع الفلسطيني، بكل ما يعنيه ذلك من تعزيز معاني الثبات والصمود والمقاومة، ولا تزال المساجد وأئمتها وخطباؤها وروادها، من أبرز المستهدفين من قبل الاحتلال في عموم فلسطين، بل وللأسف حتى لدى غير المحتلين في فلسطين وخارجها.

بناء على ما سبق، ينبغي بالنسبة للصهاينة، الانتقام من المساجد وروادها، وإرعاب من لم يقتل منهم، كيلا يقترب من بيوت الله.

ومن جهة أخرى، فإن عدداً من المساجد المستهدفة، لها رمزية الاسم، أو خصوصية الخطيب، فهناك، على سبيل المثال: مسجد الشهيد عماد عقل، ومسجد الشهيد إبراهيم المقادمة، وهناك المسجد الذي كان يخطب فيه الدكتور الشهيد نزار ريان، والذي قُصف بُعيد استشهاده.

المقصود مما سبق؛ أنه لا يوجد في قاموس هؤلاء شيء محرم، ولا يردعهم عن الإجرام، أي نوع من المقدسات الدينية، ولا الممنوعات الإنسانية، كالمؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة أو غيرها، ولا الأطقم الطبية، ولا الإعلاميين، بكل ما يتضمنه ذلك من المدنيين أطفالاً ونساءً وشيوخاً، بل ولا حتى الطيور والحيوانات.

ومع كل جريمة يرتكبونها فإن لديهم المبررات والمسوغات، التي يسوقونها، ويسوّقها لهم العديدون في الساحة الأمريكية والأوروبية، بل وفي ساحتنا العربية والفلسطينية.

ومن يدري، بعد كل ما سبق، فلربما يتجه الصهاينة في أية لحظة لاستهداف الكنائس والأديرة، أو المؤسسات التابعة لها، فلعل بعض قادة المجاهدين سينتقلون إليها، بعد مغادرتهم أقسام الولادة في المستشفيات الغزية؟! وما الذي سيردع المعتدين وهم يرون كل هذا الصمت والتواطؤ العربي، والإسلامي، والغربي المسيحي، بل والعالمي، وما خبر كنيسة المهد ببعيد؟؟.