في أي ربيع تزهر يا أزهر

في أي ربيع تزهر يا أزهر

د. محمد يحيى برزق

[email protected]

في حديث قدسي قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم :"أوحى الله إلى احد أنبيائه أن اذهب إلى فلان فقل له, أما انقطاعك عن الدنيا فلقد تعجلت به الراحة, و أما انقطاعك  لعبادتي, فلقد أكسبتك به العز, لكن عبدي ...! ماذا فعلت في ما لي عليك؟

قال: هل واليت فيّ وليا أو عاديت فيّ عدوا؟"

و في حديث قدسي آخر قال الحبيب صلى الله عليه وسلم:"أرسل الله ملائكته لينزلوا عقابه في قرية تعصيه فلما كانوا فيها وجدوا فيها رجلا صالحا فقالوا يا ربي إن فيها رجلا صالحا لا يعصيك, و الله أعلم منهم بمن فيها, فقال لهم: فيفه فابدؤوا, فإنه لم يتمعر(يحمر) وجهه فيّ قط ."

لقد تمنيت لو أن أحدا غيري هو الذي يكتب هذا المقال الذي ترددت في كتابته مدة طويلة و ذلك لحساسية موقع علماء الأزهر في الأمة... فأنا لا أرغب أن أمسهم بما قد يغري الجهلاء و الدهماء بهم فيكون الإسلام نفسه ضحية ألسنتهم و أياديهم... لكن ما دفعني اليوم لتوجيه كلامي لعلمائنا العماليق في الأزهر هو حبي الشديد لهذا الدين العظيم وغيرتي على علمائه من ورثة الأنبياء, و المحب يغار على من يحب أحبابي في الله والدين و العقيدة و الدم... قولوا لي بربكم الذي تعبدوه..! كيف أدافع عنكم و قد غيبتم أنفسكم وراء جدران صمت غريب عنكم و عن  تاريخكم؟ فما هي أسبابكم؟ ماذا تتوقعون أن يقول من هم دونكم علما و قدرا في غيابكم و صمتكم عن الأحداث التي تمس أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أعدائها الذين هم أعداؤكم أيضا؟ أم أنكم لا أعداء لكم؟

هذا الذي يحدث في الشيشان و يوغسلافيا (البوسنة والهرسك) و أفغانستان و الصومال و العراق و أخيرا في فلسطين منذ أكثر من 60 عاما... من يفتي الأمة فيه كله؟

إن من هم دونكم يقولون أنكم قد ركنتم إلى الدنيا... لكن هل يليق بعلماء الآخرة أن يركنوا إلى دناءة الحياة؟

و يقولون أنكم جبناء متهالكون لا تقدرون على شيء اتجاه فراعنة السياسة التي تملي عليكم ما  ترغموا به أنوفكم بأن تلزموا حكمة الصمت الذي ما زال  يمارسه أبو الهول منذ أن كان مجرد صخور... لكن... هل يجوز لمن يؤمن بقدر الله و أسمائه أن يعتمد على الخوف والجبن لاتقاء قدر الله الذي لا راد له إلا هو, هل يوسع الجبن رزقا أو يطيل الخوف عمرا, يا علماء الأزهر! إنما يحدث في فلسطين قد أقظّ مضاجع أعمق الناس نوما و أعلاهم شخيرا... لقد استيقظ كل أهل الأرض... و ها هم  في شوارع كل العواصم يمارسون الأعراض الحقيقية للحياة... صراخا و هتافا و صخبا.. يقررون من  خلالها انحيازهم للحق ضد الباطل... و بذلك يؤدون كل ما يريدوا الله منهم... يوالون أولياءه و يعادون أعداءه... لم يبق نائما إلا أنتم... و اسمحوا لي أن أزعجكم قليلا لكي أطلب منكم أن تعدلوا قليلا من وضعكم على أسرتكم و تحت ملاحفكم إذ أنه من السنة أن تناموا على جنوبكم! فأنتم تعلمون إن من الفوائد الجليلة للنوم على الجنب أنه  يخفض من حدة صوت الشخير... و بصراحة شديدة أقول لكم من باب "المؤمن مرآة أخيه" و ليس من باب التهكم و لا مسا بهيبتكم: لقد بات صوت شخيركم أعلى من صوت الطائرات التي تقصفنا في غزة و أعلى من الصخب و الضجيج الذي ملأ الدنيا و فاق صوت البراكين علوا و الذي يمارسه الأحياء البسطاء ممن هم دونكم علما و عظمة في كل العواصم بما في ذلك قاهرة المعز.

أحبابي في الله أجدني مضطرا رغما عني لإيقاظكم, فقط لكي أستفتيكم فإن ارتأيتم أن تعودوا بعدها لنوم العافية فهذا شأنكم...

قوموا من فضلكم و اسمعوا..!

إن هناك في الأمة من يذيع عن محمد  صلى الله عليه و سلم انه كان مسئولا عن انقسام المجتمع المكي و إشاعة فتنة التكفير و التزكية فصار هناك, و لأول مرة مؤمنون مع النبي و كفار يعبدون الأصنام.

و يقولون أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان مسئولا عن معاناة أصحابه في شعب أبو طالب و عن تعذيبهم على أيدي من يسمونهم كفرة, و هم أعداءهم الأقوياء الذين لا قبل لهم بهم...

و يزيدون في الافتراء على نبينا الكريم بأنه لم يعترف بمقولة "الدم المكي خط أحمر"

الأمر الذي أدى إلى حروب بين الأخوة المكية رغم وساطات تدعو لرأب الصدع بين الإخوة و تجاوز الخلافات بين محمد صلى الله عليه و سلم و أبا جهل..!!

و يقول هؤلاء المغرضين إن رسولنا الكريم كان مسئولا عن الضحايا في بدر و أحد و مؤتة  و حنين وغيرها..!

أرجوكم يا أصحاب العلم! أفتوني في هذه الافتراءات رحمكم الله!

هل كان من حق محمد صلى الله عليه وسلم أن يقسم المجتمع المكي إلى كفار و مؤمنين؟ فيقول هذا في الجنة و ذاك في النار ثم بعد ذلك يثير العداوة بين الأخ و أخيه و الأم و ولدها و الابن و أبوه؟

هل كان من حقه صلى الله عليه وسلم أن يترك العدو الأساسي من فرس و روم  ثم يعادي بني جلدته؟

هل كان مخطئا عندما رفض الحوار و أطلق مقولته "و الله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن اترك هذا الدين ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه"

فهو بذلك يكون قد أغلق باب الحوار, الوسيلة الحضارية, و أصر على الوسائل غير المتحضرة من جهاد وعنف و قتل و قتال..!  إن محمدا صلى الله عليه وسلم, و بعد كل أنواع العذاب و المعاناة التي مست أصحابه في حصار شعب أبو طالب راح إلى تهجيرهم مرة إلى الحبشة و بعدها إلى المدينة ليعرضهم لحصار الأحزاب هناك..!

هل كان نبينا قاسيا للدرجة التي لا يبالي فيها بموت الأطفال جوعا في حصار شعب أبو طالب و بعذابات المؤمنين في حصار الأحزاب في المدينة.

لماذا أصر النبي الكريم على فرض الدين و الجهاد؟ لماذا لم يترك الناس و شأنهم؟ "من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر" و المسألة ديمقراطية!

إخواني... هناك بعض الأسئلة التي كنت أظن الإجابة عليها سهلة, لكن الواقع الذي نعيش فيه يفرض على قليلي الحيلة من أمثالي لإعادة السؤال فيها:

السؤال الأول: هل إسرائيل عدو؟ أم صديق؟

_ هل هي عدو للمسلمين عامة؟ أم للفلسطينيين وحدهم؟

_إذا كانت إسرائيل عدوا لكل المسلمين, كيف ترون طريقة التعامل معها كعدو؟

_إذا كانت عدوا للفلسطينيين فقط, هل يجوز للفلسطينيين في هذه الحالة أن يطلبوا النصرة من إخوانهم المسلمين خارج فلسطين؟

_ هل يجوز للمسلمين أن يتركوا الفلسطينيين ليواجهوا العدوان و البغي وحدهم؟ علما بأن نبينا صلى الله عليه وسلم قال:"المسلم أخ المسلم لا يظلمه و لا يسلمه... "

السؤال الثاني: ما حكم الإسلام في فعلة صلاح الدين الأيوبي عندما جيش كل الجيوش, من العراق و سوريا و مصر و فلسطين ليحرر بيت المقدس من دنس الصليبيين ليموت بسببه مئات الألوف من المسلمين في معارك كبرى نعدها من مفاخر صفحات تاريخ الإسلام...

السؤال الثالث: لقد وقّع السادات على كامب ديفيد لضمان أمن المصريين و مصلحتهم و رغم أنه لم يتنازل عن ذرة من تراب مصر, تنازل عن حقنا, نحن الفلسطينيون في أرضنا .. هل يجوز لمصري أن يبيع أرضا فلسطينية لا يملكها لأعداء الأمة؟

ماذا تقولون رحمكم الله للفلسطينيين أن يعملوا لاستعادة كل أرضهم؟ و كيف برأيكم  يتصرف الفلسطينيون اتجاه اتفاقية كامب ديفيد

هل نقول أن السادات خان الفلسطينيين وحدهم أم المسلمين كلهم أم أن الإسلام لا يرى في فعلة السادات أي خيانة؟

و ذلك من باب "و إن جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل على الله؟"

السؤال الرابع: ما رأي علمائنا الأفاضل في موقف حكومات العرب و المسلمين من حصار المسلمين في غزة؟و ما موقفكم من هذه المجازر التي ترتكبها عصابات يهود في غزة و هذا الدمار في كل شيء حتى مساجد الله؟

هل يجوز لرئيس مصر أن يقول:"لن أسمح بقيام إمارة إسلامية في غزة" و هل يرضيكم ما قاله للأوروبيين"إن مصر لن تسمح بانتصار حماس على جنود إسرائيل؟"

السؤال الخامس: أفتونا في حماس هل هي مقاومة شرعية يباركها الله و رسوله أم أنها عصابة من الإرهابيين و قطاع الطرق؟

ختاما.. أرجو من علمائنا العظام أن يقولوا الحق و يؤدوا الفتوى و هم في كامل وعيهم و عقلهم بما يملي عليهم دينهم  و أخلاقهم  و ضمائرهم  و اعلموا أننا في غزة ننتظر من الأزهر, أن يزهر و حاشى له أن يغبر. و الله وحده من وراء القصد.