لماذا يا بلاد العرب
عمار ياسر حمو
[email protected]
قبل أيام وقع على
مسامعنا الحدث المفجع، والجرح الذي نزف له العرب، ألا وهو الضربة الصهيونية على أهل
غزة والتي تسببت باستشهاد ما يزيد عن 400 شهيد، وجرح أكثر من 2000 شخص من أهالي
غزة. وبعد هذه الضربة بدأت الشعوب العربية بالتحرك من محيطها إلى خليجها، وبدأت
الاجتهادات والمشاورات من أجل القيام بعمل ما، فتشكلت العديد من اللجان الشعبية
والرسمية نصرة لأهل غزة، وأصبح وابل التبرعات يصب من كل مكان، والشعارات والهتافات
تُرفع من صغيرنا وكبيرنا، رجالنا ونسائنا، كل ذلك نصرة لغزة وأهل غزة.
وأصبح ذلك الخبر موضوع
نقاش الشارع العربي باتجاهاته وتياراته المختلفة، ولكن كلٌ من وجهة نظره، وحسب رأيه
في ما حدث، وأصبح القصف الصهيوني على غزة موضوع النقاش الرئيسي في صباحنا ومساءنا،
وفي عملنا وأثناء راحتنا، وأصبح كل من له علاقة أو ليس له علاقة يقوم بالتحليل لما
حصل ويضع الحلول التي يراها – من وجهة نظره – مناسبة، وليس هنا بيت القصيد، وإنما
الشيء الوحيد الذي أجمع عليه كل هؤلاء الناس هو : ضعف عربي، تخاذل عربي، صمت عربي.
وتوجهوا بهذه التهم بالطبع إلى قادتهم وأولي الأمر منهم.
وعندما تأملت تلك
المشاهد المختلفة، ودرست النتائج التي توصل إليها أولئك الناس، لم أستطع نفي بعض
الصحة عن النتائج التي توصلوا إليها، ولكن وجدت بأنه لا بد أن أضيف شيئاً آخر على
اتهاماتهم التي قالوها ... طبعاً لا أريد أن أضيف تهمة أخرى، بل أريد أن أضيف
متهماً آخر ألا وهو الشعب العربي ذاته.
نعم إن شعبنا العربي
بما فيه من أهل الخير والصلاح إلا أنه متهم بالضعف، التخاذل، الصمت. وتلك التهم قد
يكون شعبنا قد وقع فيها عن غير قصد، أو دون إرادة منه ولكنه وقع فيها.
أليس من المُضحك بأن
هتاف الشعوب العربية، ومطالبهم بالرغم من أعدادهم الهائلة، والمساحة الجغرافية التي
يحتلونها، والخيرات الطبيعية التي تقع بين أيديهم تُقابل بالتهميش!! ليس من قادتهم
فقط، وإنما من قبل العالم الدولي بأسْرِه، في حين أن إضراب عام عن العمل من قبل
عمال إحدى البلدان الأوربية والأمريكية لا تحرك الجانب الاقتصادي فحسب، بل وتتحرك
من أجله الحكومة في ذلك البلد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتقام الاجتماعات
والمناقشات لإعطاء أولئك العمال حقوقهم ومطالبهم.
بل من المضحك أو المبكي
لا أدري ما أقول.. أن الشعوب العربية تقوم منددة بالعدوان الفلاني، وبالتجاوزات
الفلانية التي لا تعيشها هي، فمثلاً أهل بلد من بلاد الوطن يثورون نصرة لغزة وأهل
غزة، في وقت لا يستطيعون أن يفتحوا أفواههم من أجل مشكلة تحصل معهم داخل بلادهم،
وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أننا معشر العرب والمسلمين نحزن لجرح إخوتنا
وأهلنا في بلد من بلادنا، ونسينا جروحنا التي نزفت وما زالت تنزف دون أن نحرك
ساكناً.
فالآن العرب يرون بوحدة
الصف الفلسطيني، وطيّ الخلافات الفلسطينية الداخلية، وفتح صفحة بيضاء بينهم حلاً
لمواجهة العدو الصهيوني، ولكنهم لم يتوصلوا إلى قناعة تؤكد أن وحدة العرب تَحوْل
دون ذلِّهم وهوانهم على العالم أجمع.
وفي خضّم هذه الأحداث
الساخنة على أرض الواقع ترتفع الأصوات لأهلنا تحت القصف بالصبر والدعاء، ولكن تخفت
الأصوات من أجل دعوة العرب للنهضة والوقوف ضد العدوان الغاشم.
فمن الإشكاليات الحاصلة
في بلاد العرب والمسلمين – وإن كانت قديمة ولكن الآن تظهر جلية للعيان – بأن فكرنا
وحركتنا وعملنا من أجل مدينتنا... بلدنا.. وطننا في سُبات عميق، ولا تستيقظ ضمائرنا
إلا عند وقوع المصاب الجلل. فالعرب – ولله الحمد – عندهم من الصبر ما يكفي لتلقي
العديد من الضربات، ولكن ليس عندهم ولو قليل من العزم والإرادة والعمل لمواجهة تلك
الضربات قبل حدوثها.
وأصبح العالم العربي في
الوقت الحاضر له سَمْتَه وطبائعه الواحدة وإن اختلفت بعض الشيء وهذا يدل على وحدة
مبادئنا العربية!!! فشعوب العالم العربي والإسلامي على أهبة الاستعداد لتلقي الصدمة
تلو الصدمة، كما أنها على استعداد تام لتفهم كل المؤامرات العالمية التي تحاك ضدها،
وتستطيع أن تخرج من تلك المؤامرات بتبريرات للقائمين عليها، إلا أنه من الصعب على
بلادنا أن تكون عنصراً بارزاً في صنع القرار العالمي، وصوتاً مسموعاً يُحسب حسابه
في شتى أنحاء العالم فهذا بعيد المنال عنّا في الوقت الراهن.
وبعد كلامي وتصويري
لذلك المشهد العربي والإسلامي، لا أريد أن أثبط همّة العاملين في بلادنا، وإنما
أرجو من كلامي أن نسعى للصحوة والنهضة أيام الحرب والسلم، كما أرجو أن نجد حداً
لهواننا وذلّنا أمام الأمم الأخرى، وأن نسعى لوحدة العرب والمسلمين بكل طوائفهم ضد
الضربات الخارجية، وأن يكون نقاشنا وخلافنا فيما بيننا على الأمور الجوهرية
والمفصلية.
وأخيراً فإني أرى بأنّ
صوتنا الواحد في وقت السلم سيتحول إعصاراً ضد أعدائنا أثناء الحرب، وعندما يصبح
صوتنا وهدفنا في بلاد العرب والإسلام واحداً فإنه لا بد أن يُسمع ولا بد للأمم
الأخرى أن تحقق مطالبنا إمّا رهبة منا، أو رغبة في رضانا.